أزيز الإقلاع والهبوط يدوي في أذني ويسري في جسدي كالقشعريرة، مزيج من الرهبة والفرح والإقدام والخوف والحزن الغامض، يذكرني بليلة زفافي الأولى، وليلة موت أبي.
عيناي في المرآة تلمعان بضوء شديد السواد، وبشرتي سمراء متوردة بالحماس. لا زلت في ريعان الشباب، وباب الطائرة أمامي مفتوح على العالم الواسع، والشرطي القابع على بوابة المطار استوقفني وسألني عن أوراقي، ناولته الورقة الصفراء عليها ختم النسر، رمز الدولة. لماذا النسر؛ ذلك الطائر المفترس العنيف، والثورة كانت بيضاء بلا عنف كما قالوا! لكني أدركت بعد عشرين عاما من الرحلات في العالم أن أختام الدولة وشعارات الثورات تنسخ بالمقلوب، فإذا ما كانت الدولة دموية حفرت على خاتمها حمامة سلام، وإذا كان الزعيم قاتلا حصل على جائزة نوبل.
فحص الشرطي الورقة الصفراء بعينين بوليسيتين، تأكد أن خاتم النسر حقيقي وليس مزيفا، وأن الدولة توافق على انتقال جسمي خارج حدود الوطن.
ما دخل الدولة في حركة جسمي؟!
حرك الشرطي عينيه من الورقة الصفراء إلى وجهي، ينقل عينيه ببطء من وجهي إلى صورتي الملصقة بالصمغ على قطعة من الكرتون، وجهي لا يشبه الصورة، البريق في عيني لا يراه في الصورة؛ فهو بريق الكراهية المؤقت يشع من عيني الآن وأنا أنظر إليه.
لا يعرف أن بيني وبين رجال البوليس عداء ثلاثة آلاف عام، منذ سيطر الإله آمون وانهارت حضارة إيزيس وظهر إلى الوجود شيء اسمه العبودية.
حملق في وجهي بعينين ضيقتين وهز شاربه الكثيف فوق شفته العليا، ذكرني بصوت الشخير ينبعث من تحت الشارب الأسود الضخم، شوارب الرجال أيضا مثل أختام الدول تعلن عكس ما تبطن.
وسمعته يقول: هذه هي موافقة الدولة، ولكن أين موافقة الزوج؟
حملقت في وجهه بدهشة، ربما تقتضي الدكتاتورية أن تملك الدولة جسمي، لكن الزوج! هل هو أيضا يمتلك حركة جسمي؟!
وما هو الحد الفاصل فوق كياني بين ملكية الدولة وملكية الزوج؟
अज्ञात पृष्ठ