يمسكون كئوس النبيذ مرة أخرى، ويرفعون عيونهم نحو السماء كأنما في انتظار الوحي أو الإلهام، يرشفون على مهل ثم يعترفون بصوت حزين أن مشروعات التنمية فشلت فعلا، ويتساءلون عن السبب.
وفجأة يهب أحدهم واقفا، عيناه تلمعان بالحماس والنبيذ معا ويصيح: الانفجار السكاني! ويردد الجميع بصوت منتش: نعم، الانفجار السكاني!
وبصوت هادئ ورصين يعتلي أحدهم المنصة ويقول: منذ انعقاد أول مؤتمر عالمي للسكان تحت إشراف الأمم المتحدة في بوخارست عام 1974 لم ينخفض معدل نمو سكان العالم إلا 0,3٪ فقط، من 2٪ سنويا إلى 1,7٪ سنويا.
يتنهد الجميع وترتخي عضلاتهم تماما.
ويواصل الخبير كلامه: المشكلة يا سادة أن خصوبة نساء العالم الثالث تزداد على حين تفقد الأرض خصوبتها، وتشير تقديرات البنك الدولي وتقارير الأمم المتحدة أن عدد سكان الأرض زاد في السنين العشر الماضية 770 مليون نسمة، وأصبح عدد البشر اليوم 4,75 مليارات، وسوف يتضاعف هذا العدد عام 2075 ليصبح 8,3 مليارات؛ ليعيش منهم 7 مليارات في بلاد العالم الثالث.
ويلتهم الخبير قطعة من فخذة الدجاجة المشوية ثم يقول: إن الفشل في ضبط معدل نمو السكان في العالم الثالث ستكون له نتائج خطيرة؛ انتشار الجوع والبطالة وتشوهات البيئة والنمو السرطاني في المدن، وازدياد العنف والإرهاب وعدم الاستقرار العالمي. إن استمرار نمو خصوبة النساء في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية سيقودنا إلى عالم بلا أمل، تهدده المجاعة والفوضى وقانون الغاب، عالم يمتلئ بالأسلحة المدمرة على شكل أفواه بشرية جديدة تطلب الطعام، وفي أفريقيا السوداء ارتفعت خصوبة النساء، مثلا في كينيا أصبح متوسط عدد الأطفال الذين تلدهم المرأة الكينية 8 أطفال. كما أن ارتفاع المستوى الصحي أدى إلى انخفاض في معدل وفيات الأطفال؛ وبالتالي يمكن أن يرتفع عدد سكان كينيا من اليوم إلى 83 مليون نسمة عام 2025، وفي بنجلاديش بلغ معدل خصوبة النساء (أي متوسط عدد الأطفال الذين تلدهم المرأة في عمرها كله) 6,3. وهذا يعني أن سكان بنجلاديش سيصل عددهم إلى 266 مليونا عام 2025؛ أي ثلاثة أضعاف العدد الحالي، ومعدل الخصوبة في الهند 4,7 وفي عام 2025 سيصبح عدد سكان الهند 1,5 مليار نسمة. أما المرأة الأمريكية والأوروبية الغربية فإن معدل خصوبتها ليس إلا 1,6 طفل. هكذا نرى أن سوء الأحوال في بلاد العالم الثالث يعود إلى زيادة الخصوبة لدى النساء، وأن الزيادة في معدلات النمو الاقتصادي في هذه البلاد تأكلها الأفواه التي تنتجها أرحام النساء، وتزداد الهوة بين مستوى الدخل في العالم الثالث والعالم الأول، مثلا في الفترة من عام 1955 حتى اليوم ارتفع متوسط دخل الفرد في أمريكا من سبعة آلاف دولار سنويا إلى 11500 دولار. أما في بلاد العالم الثالث فلا يزال دخل الفرد يتراوح ما بين 170 دولارا سنويا إلى 260 دولارا، وهكذا تضاعفت الفجوة بين بلاد العالم الأول وبلاد العالم الثالث، والسبب في ذلك يرجع إلى خصوبة المرأة في هذه البلاد المتخلفة، باستثناء بعض البلاد مثل تايلاند والصين، حيث انخفض معدل النمو في السكان في السنين الأخيرة بسبب تصميم هذه البلاد على تنفيذ برامج صارمة لتنظيم الأسرة.
ويرن في القاعة سؤال: ماذا تقصد ببرامج صارمة؟ ويهمس خبير: عمليات قتل الأطفال البنات في الصين؟
ويعترض خبير: لا، إنه إباحة الإجهاض. ويرد آخر: لا، إنها عمليات التعقيم للرجال والنساء دون تفرقة بين الجنسين. ويقول خبير: لا هذا ولا ذاك، إنه إنشاء وحدات تنظيم الأسرة، في تايلاند وحدها 4 آلاف وحدة لتنظيم الأسرة.
ويعترض آخر: لكن هذه الوحدات تتكلف أموالا كثيرة، عندي تقرير من البنك الدولي يقول: إن العالم الثالث يحتاج إلى 7,6 مليارات دولار من أجل إنشاء وحدات تنظيم الأسرة.
ويصيح خبير من أمريكا: هذا مبلغ ضخم جدا، كيف ندفع 7,6 مليارات دولار لمجرد خفض معدل خصوبة نساء العالم الثالث؟
अज्ञात पृष्ठ