على أنهم استطاعوا أن يتغلبوا على جهنم فوق الأرض؛ فالصيف في الهند يلتهب فيه الجو كالنار، وداخل هذه القصور تجد حجرات كاملة بنيت بالرخام الخالص. وهذا الرخام يظل باردا كالثلج رغم حرارة الجو. كما أنهم عرفوا تكييف الهواء ولكن بطريقة أخرى. كانوا يضعون في الجدران أنابيب تجري فيها المياه المكشوفة التي تتبخر وترطب الجو، وداخل القصور تجد البحيرات، والحدائق ذات الزهور والأشجار، وهناك أجنحة كاملة بالرخام المزخرف بالنقوش الذهبية والفضية، وجدران كاملة مصنوعة بالمرايا وماء الذهب، وقصور للصيف وقصور للشتاء، على غرار قصور القيصر في روسيا، وقصور للحريم وقصور للرجال، وهناك قصر عجيب اسمه قصر «الهواء» وقد بني خصيصا لتجلس فيه زوجات وبنات المهراجا ويتفرجن على الاستعراضات العسكرية فوق الفيلة والخيول والجمال، فقد كان «الحريم» من النساء ممنوعات من الظهور أمام الناس؛ لأن ذلك ينافي تقاليد الحكام المسلمين، وبني القصر بشرط أن يدخله الهواء من جميع الجوانب حتى لا تتعرض النساء المرفهات لحرارة الجو أثناء الفرجة على فوق الفيلة والخيول والجمال. كانت المرأة منهن بحجم الفيل (رأينا بعض الملابس الداخلية والخارجية للمهراجا ونسائه في متاحف الملابس بالقصور) وكانوا ينقلونها من قصرها إلى قصر الهواء على عربة ضخمة يجرها عدد من الرجال أو الفيلة؛ ولهذا كان العرق يتصبب بسرعة من جسدها الضخم، ولا بد من تيارات مستمرة من الهواء لترطب هذا اللحم الوفير.
ورأيت جدار قصر الهواء رفيعا جدا مليئا بالنوافذ العديدة الصغيرة كالشقوق. وقال المرشد: إن سمك جدار هذا القصر ليس إلا ثماني بوصات فقط ؛ وذلك من أجل التهوية أيضا، وارتفاعه خمسة أدوار. أما النوافذ على شكل ثقوب فكانت لتنظر منها النساء على الناس دون أن يراهن أحد.
تحول هذا القصر الآن إلى مكاتب حكومية، وامتلأت واجهته العريضة بالحوانيت التجارية الصغيرة، وأمامه رأيت بعض القرود تلعب وتقفز على نوافذه، في جايبو ترى القرود في كل مكان من المدينة، وقالوا: إن هناك غابات على بعد 6 ميل فقط لا تزال تسكنها القرود، واقتربت من أحد القرود فمد يده وسلم علي وقال لي المرشد إنه من نوع القرود السوداء المنتشرة في هذه المنطقة.
تحولت بعض القصور في جايبور إلى جامعات ومعاهد، وبعضها تحول إلى فنادق، والبعض بقي كآثار يتفرج عليها السياح. •••
نزلنا في جايبور في أحد القصور التي تحولت إلى فندق واسمه «رامباج»؛ «رام» معناها إله، «باج» معناها حديقة. هذا القصر عاش فيه المهراجا «مون سنج الثاني» الذي مات في إنجلترا منذ أعوام قليلة (5 أعوام)، وكان من أحسن اللاعبين على الحصان، لكنه سقط من فوق جواده ومات.
جدران الفندق مزخرفة بالنقوش البديعة، تعلوها اللوحات الأثرية وصور المهراجا، حديقة الفندق أشبه بحديقة سحرية كأنما ينتقل فيها الإنسان إلى عالم خيالي من الألوان والعطور وأحواض الزهور، يطل من بين الشجيرات عدد من الطاووس الملون، يسير بخيلاء بين الزهور، ويبسط ذيله الملون بمئات الألوان المختلفة.
حجرة نومنا كانت أيضا سحرية، والسقف مزخرف بالنقوش الذهبية والفضية. قلت لزوجي: من الصعب أن يأتيني النوم في مثل هذه الحجرة، وأصابني الأرق فذهبت آخذ حماما دافئا لكني اكتشفت أن الحمام أيضا سحري، يشبه حمام المهراجا الذي تفرجنا عليه أول النهار، وصنابير المياه فضية وألوان الجدران والسقف تصيب العين بالدوار. لم أستمتع كثيرا بالحمام الدافئ بسبب عدم التعود على مثل هذه الحياة. كان يخيل إلي أن الماء الذي يخرج من الصنابير قد تحول إلى أسلاك فضية أو ذهبية تكهرب الجسم. حين خرجت من الحمام رأيت زوجي قد ارتدى «الشورت» وبدأ يجري في الحجرة، وضحك وهو يقول: لم أمارس رياضة الجري منذ أيام، وهذه الحجرة أكثر اتساعا من الملعب. وارتديت مثله «الشورت» وبدأت أجري أنا الأخرى.
اكتشفت بعد قليل وجود السرير، ويكاد يشبه سرير المهراجا، واقتربت من السرير في وجل، وقال زوجي ضاحكا: من المستحيل أن يأتيني النوم في سرير هكذا، وجلسنا بقية الليل نتفرج على معالج السرير والجدران والنقوش كأننا داخل متحف، ولم ننم إلا ونور الفجر يشقشق الصباح، حملنا حقيبتنا وغادرنا القصر بخطوات سريعة.
من أغرب ما رأيت في جايبور هي «البيجاما» أو المنامة التي كان يرتديها أحد المهراجات واسمه المهراجا «مدوسنج». كانت هذه المنامة ضمن المعروضات في متحف الملابس داخل أحد قصور جايبور. لم تدهشني الحلى الذهبية التي زينت المنامة (كل ملابس المهراجات وزوجاتهم محلاة بالجواهر والحلى الثمينة سواء كانت ملابس خارجية أو داخلية)، لكن الذي أدهشني هو حجم المنامة وقلت للمرشد في تعجب: ما هذا؟!
قال المرشد: منامة المهراجا مدوسنج.
अज्ञात पृष्ठ