التخلص من هذه اللذائذ والآلام معا والوصول إلى حالة عدم الرغبة في شيء . (3)
الوصول إلى لذة جديدة هي لذة الوصول إلى «النفس».
إذا توقف الإنسان عند أية مرحلة من هذه المراحل يصبح إنسانا شقيا أو مريضا. لا بد أن يكمل الطريق كله ليصل إلى السعادة الإيجابية الحقيقية. إن المرحلة الأولى - وهي معرفة لذائذ الحياة - ليست إلا سعادة مؤقتة سلبية. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة شقاء وتعاسة ومرض نفسي إذا لم يكملها الإنسان بالمرحلة الثالثة ويكتشف اللذة الجديدة.
ويشبه هذا التحليل ما كتبه «إريك فروم» عن الحرية السلبية الإيجابية، وهي تكاد تكون موازية للسعادة السلبية والسعادة الإيجابية. ويقول إريك فروم: إن الحرية السلبية وحدها تسبب القلق والتعاسة والوحدة وغربة الإنسان عن نفسه، أما السعادة الإيجابية فهي تعيد صلة الإنسان بنفسه الحقيقية والعالم من حوله فلا يشعر بالوحدة ولا الشقاء.
ويشبه أيضا «رونالد لينج» حين كتب «عصفور الجنة». وقد وصف «لينج» رجلا تناول عقارا (من عقارات الهلوسة الحديثة وتسمى عقارات سيكوبليك) وأنه استطاع أن يخترق حجاب الجهل (مع الفارق في التشبيه) وأن يصل إلى درجة أعلى من الوعي إلى حد أنه أحس أنه الله. ووصف «لينج» حالة الخوف التي تصاحب التجربة بأنها حالة أشبه بالجنون وفقدان العقل، لكن ما إن يجتازها الإنسان بشجاعة وقوة حتى يصل إلى تلك الدرجة العالية من الوعي ويكتشف نفسه وقوته.
من خبرتي مع بعض حالات الإدمان بعقارات مختلفة ومنها ل. س. د وصف لي المدمنون حالتهم حين يجتازون بواسطة العقار حاجز الخوف، ويصلون إلى تلك الحالة المدهشة من الرؤية الجديدة التي توحي إليهم بأفكار فنية عالية.
لم تتكلم «الجيتا» بالطبع عن تلك العقارات؛ لأنها لم تكن تعرفها، لكن بعض علماء النفس قارنوا بين الوصول إلى تلك الرؤية الجديدة عن طريق العقارات (أي صناعيا)، وبين الوصول إليها عن طريق اليوجا، وهو الطريق الطبيعي الشاق الطويل. قالوا إن الذي يصل إليها عن طريق العقار كالذي يسرق بسرعة شيئا وقد ينجو وقد يقع وينتهي تماما، أما الذي يصل عن طريق مراحل اليوجا المتدرجة الطويلة فإنه في مأمن من الجنون أو الشقاء إلا إذا توقف في منتصف الطريق؛ ولهذا ينصح هؤلاء العلماء الناس بألا يقدموا على مثل هذه العقارات أو مثل هذه اليوجا إلا إذا كانوا واثقين من قدرتهم على الاستمرار والصمود والتغلب على الصعاب التي تقابلهم أثناء الطريق الوعر الخطر.
إن خطورة هذه التجارب هي أننا البشر قد تعودنا على أن الحقيقة هي ما نراه وما نسمعه وما تعرفه حواسنا. لكن الإنسان الذي يصل إلى درجة أعلى من الوعي يكتشف حقيقة أخرى تسمى «الحقيقة غير العادية»، ويرى أشياء لا يراها الآخرون. هذه الأشياء التي يراها بقوة إبصاره الجديدة هي أشياء حقيقية. لكنها في نظر الآخرين غير حقيقية؛ لأنهم لا يرونها مثله؛ ولهذا يصبح هذا الشخص مجنونا في نظر الناس. وقد يصبح مجنونا أيضا في نظر نفسه وهنا الخطر؛ لأن الإنسان إذا ما فقد الثقة في نفسه وعقله انهار تماما وأصبح مجنونا بالفعل. لكنه إذا حافظ على ثقته بنفسه وفعله فسوف يمر بالتجربة دون خوف ويجتاز حاجز الخوف ويصل إلى المرحلة النهائية من السعادة أو الحرية أو الحكمة أو القوة.
وتختلف قدرات الناس حسب ثقتهم بأنفسهم؛ الإنسان القوي هو الواثق في نفسه الذي يفعل ما يراه صائبا وليس ما يراه الناس صائبا. أما الشخص الفاقد الثقة بنفسه يفعل ما يراه الناس صائبا بصرف النظر عما يراه هو. وبين هذين الاثنين يتدرج الناس أنواعا مختلفة حسب درجات ثقتهم بأنفسهم.
قضيت عدة أيام وليالي أقرأ «الجيتا» وأفكر وأتذكر كثيرا مما قرأته حديثا وقديما، بل أتذكر حوادث في طفولتي نسيتها. كانت «الجيتا» أشبه بعمل فني عظيم يثير أحاسيسي وأفكاري، بل أشبه بعمل علمي عظيم يشرح النفس ويذكرني بقراءاتي في علم النفس والفلسفة والأديان التي قرأتها للديانات المختلفة. وقد فكرت في أن أعمل دراسة عميقة نوعا ما، أقارن فيها بين «الجيتا» وبين الكتب المقدسة الأخرى السماوية منها وغير السماوية. وقد أفعل ذلك يوما.
अज्ञात पृष्ठ