صوب الجنوب الشرقي ، بمحاذاة الفرات حتى تبلغ البصرة وساحل خليج فارس ، ثم تنتهي جنوبا بسلسلة الجبال الحاجزة بين البلاد العربية الصخرية ( Arabia Petrea ) وبلاد العرب السعيدة. وتكاد تكون هذه البوادي خالية من كل شيء إلا من الرمال. والأرض في بعض الأماكن أهش مما في أخرى ، بحيث يصعب السير فيها إلا عقب سقوط الأمطار التي تصلب تلك الرمال وتكتلها. ويندر أن تمر في هذه البوادي بتل أو بواد. فإن صادفت شيئا منها كان ذلك دليلا على وجود الماء هناك وبعض الأحطاب التي تفي بالطبخ ، وذلك لتعذر وجود الخشب في أنحاء البادية. وغاية ما يطاق حمله في حلب على ظهور الجمال من حطب وفحم ينفد في نحو ثمانية أو عشرة أيام. ولهذا لا ترى بين الستمائة بعير التي تخترق البادية أكثر من خمسين محملة بالبضائع المؤلفة من الأقمشة الخشنة وقليل من المواد الحديدية ، وبالأخص نسيج قالقوط الأسود والأزرق (1) الذي يستعمله العرب دون تقصيره (2). وأما سائر الجمال فتحمل من الطعام ما يكفي هذا الحشد من المسافرين طوال أيام سفرهم العديدة في مثل هذه البلاقع المترامية الأطراف.
في الخمسة عشر يوما الأولى من سفرنا ، لم نر الماء إلا مرة في كل يومين ، وأحيانا في كل ثلاثة أيام. وفي اليوم العشرين بعد خروجنا من حلب ، نزلت القافلة مكانا فيه بئران ماؤهما طيب جدا. وقد كان كل منا مبتهجا إذ أتيح له غسل ملاحفه ، وقد رأى الكروان باشي أن نمكث هنا يومين أو ثلاثة أيام ، بيد أن الأخبار التي وردتنا أدت إلى الرجوع عما رأى. وذلك أننا ما كدنا
पृष्ठ 16