प्रथम यात्रा
الرحلة الأولى للبحث عن ينابيع البحر الأبيض: النيل الأبيض
शैलियों
الخميس 18 القعدة: كان الجو في الصباح ساكنا، فبعد جر المراكب باللبان زمنا هبت ريح موافقة واصلنا السير بواسطتها إلى الساعة الخامسة، ولكننا اضطررنا لتعاقب الكردات في طريقنا إلى استئناف الجر باللبان، وقد ساعد السكان العساكر على أداء هذه المهمة إلى الساعة التاسعة، وتواردوا علينا من الشاطئين في جموع حشيدة عزلا من السلاح ومعهم الماشية فلما شهدنا ذلك وقفنا عند الشاطئ الغربي، فأقبل علينا الشيخ ريان قنجق - لعله ريحان - فسألناه عن البلد، فأجاب بأننا سنمر بقبيلة الشير المعادية له وأنها تتكلم بغير لغته وتشتغل بزراعة الذرة والسمسم والتبغ والقرع الكبير. والظاهر أن هذا الرجل شيخ قبيلة الهلياب السالفة الذكر، وكان قد جاء في حشد مؤلف من ألف نفس عزلا من السلاح، ومن عادتهم أن يربطوا بأجسامهم أذناب الأبقار وقرونها لما لهذا الحيوان من الاحترام عندهم. ولم نأخذ مما أتوا به من الماشية إلا ما كنا في أشد الحاجة إليه، وأهدينا الشيخ في مقابله بعض المصنوعات الزجاجية وقطعا من قماش القطن ليتخذ منها ثيابا، وقد أعربنا له عن سرورنا من هديته، فظل يجر باللبان مع عساكرنا حتى المساء.
وفي الساعة التاسعة اقتربنا من الضفة الشرقية، فأقبل على ذهبيتنا ثلاثة من كبار مشائخ البحور فأعطيناهم من المصنوعات الزجاجية وقليلا من قماش الصوف الأبيض، ووجهنا إليهم أسئلة أجابوا عليها بأن مساكنهم قريبة من النهر وأنهم يقتصرون في زراعتهم على السمسم والتبغ والقرع، وقالوا أيضا إنهم في خصام مستمر مع قبيلة الهياب وقبيلة أخرى. وكانت قبيلة البحور قد جاءت بخمسين رأسا من البقر برسم الهدية فأخذنا منها أجودها. والنهر في هذا المكان آهل بالتماسيح الكثيرة وأفراس البحر، أما الشواطئ فكثيرة البوص والخيزران.
وبالساحل الغربي أشجار لا يحصى عددها، وإلى الغرب منها سبعة مساكن وإلى الشرق مسكن واحد وست جزر صغيرة. ولما أرخى الليل سدوله ألقينا المراسي وسط النهر.
الجمعة 19 القعدة: في منتصف الليل توفي سليمان كاشف الكاتب، وأفندي آخر أصله من الآستانة العلية، وكان يشكو منذ شهرين داء الإسهال، فوقفنا في الصباح للقيام بالفروض الواجبة نحوهما. وفي ساعة استئناف الطريق خرج إلينا عدد عظيم من الأهالي من مساكنهم عزلا من السلاح كالأمس كما هو مذكور في الجدول المرفق بهذا، ومعهم كثير من الحيوانات المختلفة الأنواع. وفي جهة الغرب وفد إلينا رهط من قبيلة الهلياب ليقدموا برسم الهدية مواشي اختاروها لنا. وأراد جماعة قبيلة البحور النازلة بالضفة الشرقية التفوق على غيرهم في الإكرام، فاختاروا لنا ما رأوه الأوفق والأحسن من مواشيهم، حتى بلغ ما أهدي إلينا في ذلك اليوم خمسين رأسا من المواشي، فأعطينا المشائخ قطعا من الشال الأبيض سرهم حسن منظرها وانقلبوا إلى منازلهم فرحين. وفي الساعة التاسعة شهدنا في الشرق بعض الفيلة وعددا عظيما من التماسيح وأفراس البحر، وشهدنا غربا غابات تبعد عن النهر بأربعة أميال وأشجارا متفرقة، وهذه الأشجار من سبعة أنواع وهي: شجر أوروبا، والنبق، والديكر، والأنديراب، والإكليج، والطليح، والأسيم. وشواطئ النهر من جهة الغرب مرتفعة بقدر الذراع. وقد ألقينا المراسي في وسط النهر للمبيت.
السبت 20 القعدة: كانت الريح وقت رحيلنا ساكنة والجو ذا ضباب، فتقدمنا قليلا بشد اللبان. فلما كانت الساعة الرابعة وصلنا إلى مكان يشتق فيه من النهر فرعان، وكانت المياه حافظة فيهما لونها، وكان فرع يتجه نحو الغرب والآخر نحو الشرق، وقد عرفنا أن قبيلة الهياب تنتهي مواطنها في هذا المكان. وكنا لا ندري أيبقى هذان الفرعان منفصلين أم يلتقيان فيما بعد، وإذ كان واجبا التأكد من هذا الأمر فقد وقفنا عند هذا المكان لالتقاط الأخبار واستجلاء الحقيقة، فاستدعينا رهطا من الهياب الذين في الغرب للاستفهام منهم عما إذا كان الفرعان منفصلين حتى النهاية، وعن مقدار امتدادهما في هذه الحالة، وعما إذا كنا سنلتقي أثناء سيرنا بجبل ما، فقالوا إن هذين الفرعين نهيران منفصلان، وإن لكل منهما مجرى خاصا، وإن النهير الذي إلى ناحية الغرب قليل الماء بخلاف الذي إلى ناحية الشرق فإنه أكبر حجما وأغزر ماء. أما مقدار امتدادهما فقد أكدوا لنا أنهم يجهلونه كما يجهلون إذا كان في الطريق جبل أم لا، وأنهم على كل حال لم يسمعوا قط بسيرة هذا الجبل، وأن كل ما يعرفونه أنه توجد في الجهات العليا قبائل كثيرة تتكلم بلغة غير لغتهم، وأنهم وإياهم في قتال مستمر، وأن هذا هو سبب انقطاع علائقهم بهم وجهلهم الكثير من شئونهم. وللتأكد من صحة هذه الأقوال جئنا من الشاطئ الشرقي بشيخين من قبيلة البحور ووجهنا إليهما الأسئلة السابقة، فأجابوا بما يقرب من إجابة رجال قبيلة الهياب، فثبت لنا صدق هؤلاء.
ولما كان استكشاف هذين الفرعين جزءا متصلا بالمهمة التي نيط بنا أداؤها، فقد عهدت إلى سليمان كاشف والقائمقام رستم أفندي والفرنسي إبراهيم أفندي واليوزباشي فيض الله بالتوجه لاستكشاف الفرع الغربي، وأنفذت بطريق البر بعثة صغيرة من بعض العساكر، وأرسلت ثلاثة من البحرية في زورق لسبر الأعماق، فبعد أن قطع الجميع نحو الميلين على اتجاه الطول وجدوا أن عرض هذا الفرع يختلف من 8 إلى 10 كولاج، وأن عمقه يتراوح بين كولاج ونصف وكولاجين، وأن سرعة الماء ميل ونصف في الساعة.
ولاختبار الفرع الشرقي أنفذت الأشخاص أنفسهم في زورق لأداء هذه المهمة، فبعد أن قطعوا من مجراه ميلين لاحظوا أن عرضه يبلغ في بعض الأماكن نصف الميل وفي البعض الآخر ربعه، وأن عمقه عند مصبه يتراوح بين كولاج ونصف وكولاجين إلى كولاجين ونصف، وأن سرعته نصف الميل في الساعة، وأن الماء فيه أغزر منه في الفرع الغربي، وأن الشاطئ أوسع منه فيه، فاستنتجنا أن الأوفق هو المرور في هذا الفرع. ولما لم يكن الوقت ملائما للمسير فقد قررنا قضاء الليلة في المكان الذي كنا فيه.
الأحد 21 القعدة: تحركنا للرحيل ولم تكن الريح موافقة، فاضطررنا إلى جر المراكب باللبان حتى الظهر، وبعد أن قطعنا مسافة طولها خمسة أميال وجدنا أن المكان الذي وصلنا إليه لا يتجاوز عمقه نصف كولاج بل أقل من هذا النصف، فأمرنا بإبقاء الزوارق والقوارب وسط النهر، وبعد أن اختبرنا الأعماق بين الجانبين اتضح لنا أنها واحدة، فجمعنا الضباط وعرضنا عليهم الحالة فأجمعوا رأيا على وجوب تدوين حوادث الأمس واليوم في جريدة المذكرات اليومية، وأن الفرع الغربي لم يكن صالحا للملاحة لقلة عمقه بخلاف الفرع الشرقي، فهو بالنظر إلى كونه أعرض من هذا وأغزر ماء أولى بالاستكشاف، لذا عقدوا النية على استكشافه وقالوا إنهم سيقومون بهذا الواجب حتى الظهر. ولكن لما كان عمق الماء آخذا في النقصان على التوالي ولم يزد على نصف كولاج بل على أقل من النصف، فقد صار من المتعذر استئناف الرحلة ولا سيما وأن القوارب قد توسطت النهير بدون أن تستطيع التقدم خطوة إلى الأمام. وبعد إيقاف الضباط على هذه الأحوال استدعي قباطين الذهبيات والقوارب للاجتماع في المجلس، فلما اجتمعوا بسطت عليهم الحالة وطلب منهم إبداء آرائهم، وكان هؤلاء القباطين هم: القبطان هارون، والقبطان فراج، والقبطان أحمد، والقبطان محمد، والقبطان عشري، والقبطان هلالي، والقبطان حسين، والقبطان شبانة، والقبطان عثمان، والقبطان محمد، والقبطان حسن الطويل؛ فكان جوابهم بأنه كان في علمهم وعلم غيرهم جميعا من أيام مضت أن الماء آخذ بالنقصان، ولكنهم لم يجسروا على مخاطبة رئيسهم في الأمر، وأنهم رأوا الفرعين أول من أمس ملتقيين، فلما أيقنوا بذلك ولم يخالجهم فيه شك قرروا بالإجماع وجوب السير بالسفن في الفرع الشرقي، وأنهم مع تقدمهم في هذا الفرع إلى وقت الظهر وعلمهم بأن عمق هذا الفرع لم يكن عند مصبه ليزيد على كولاجين أو كولاجين ونصف، فقد وجدوا أن العمق في المكان الذي وصلوا إليه لا يزيد على نصف كولاج، وأنهم يرون من المستحيل لهذا السبب التقدم إلى أبعد مما وصلوا إليه، وأن الأمر على كل حال بيد أعضاء المجلس.
وبعد أن راجع أعضاء المجلس ما تقدم قرروا ما يأتي: حيث إنه عقب الإيغال في الفرع الشرقي حتى الظهر لم نجد عمق الماء زائدا على نصف كولاج، وأيقنا لهذا السبب الذي قضى على سفننا بالوقوف وعدم الحركة تعذر التقدم إلى الأمام، وحيث إنه بعد المفاوضة مليا في الأمر وتقليبه على وجوهه المختلفة في مجلس مؤلف من قباطين القوارب، وبعد إثبات الأسئلة والأجوبة السالفة الذكر في محضر الجلسة؛ تبين أنه من غير المستطاع مواصلة الرحلة، فتقرر بالإجماع التراجع إلى الوراء والعودة منذ اليوم التالي.
الاثنين 22 القعدة: لما كانت هذه المرة هي المرة الأولى التي ظهر فيها رعايا صاحب السمو مولانا في هذه الأنحاء البعيدة، فقد نشرنا الأعلام خافقة إجلالا له وأطلقنا 21 مدفعا وغادرنا المكان بعد ذلك.
अज्ञात पृष्ठ