ज़की नजीब महमूद के विचारों में एक यात्रा
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
शैलियों
الفصل الثالث
تحت مبضع التحليل
(1) «الحرية» و«العقل»
إذا ما تساءلنا عن الإسهامات الخاصة التي قدمها زكي نجيب محمود في سبيل نهضتنا الثقافية، كان الجواب: إنها كثيرة، لقد أكمل في بعضها الدعوة إلى المفاهيم التي كانت تتبلور في مسار النهضة السابق، ولا سيما فكرتي «الحرية»، و«العقل». لكنه ها هنا كان أكثر تحديدا؛ ولهذا فإننا نراه ولا يكتفي باستخدام هاتين الفكرتين أو الدعوة إليهما، وإنما يأخذ نفسه بتحديد كل لفظ يريد أن يستخدمه، ويطلب من الآخرين أن يفعلوا ذلك «فهو يتشدد في الشروط المفروضة على المتكلم الجاد، إذا نطق بعبارة أراد بها انتقال فكرة من رأسه إلى رءوس الآخرين.»
1
وإذا كانت الدعوة إلى الدقة في تحديد المعاني هي أهم الهموم، التي حملها هذا المفكر طوال ما يزيد على نصف قرن، فقد كان يشعر أن من أوجب واجباته على نفسه أن يتوخى هو مثل هذه الدقة التي يدعو إليها الناس.
2
ولهذا ليس ثمة ما يدهشنا عندما نجده في بداية حديثه عن الحرية، يتساءل «ما المقصود بالحرية»؟ تلك الكلمة التي ترددت على أقلام الكتاب وألسنة الخطباء والمتحدثين منذ أواخر القرن الماضي ... ثم يروح يضرب بمبضع التشريح في هذه الفكرة؛ ليستخرج معانيها المختلفة التي أخذت تزداد مع الأيام اتساعا وعمقا، فقد بدأت وهي تتضمن المساواة بين المواطنين «بحيث يكون للمواطنين حق الشورى في أمور بلادهم، ثم إذا جاء المستعمر البريطاني تحول معنى «الحرية السياسية»، ليصبح تحررا من المستعمر، وظلت هذه القضية هي الشغل الشاغل، إلى أن عبت بها النفوس فتفجرت ثورة 1919م، فأخذ معنى الحرية يتعمق؛ فلم يعد فقط التحرر من المستعمر، بل أصبحنا نتحدث عن «حرية الاقتصاد الوطني»، و«حرية المرأة»، وحرية الفنان والأديب ... إلخ . وهكذا أخذ تيار الحريات يتصاعد قوة وتنوعا، إلى أن جاءت ثورة 1952م، ففتحت أبوابا واسعة لحريات اجتماعية: تحرر الفلاح من تسلط صاحب الأرض، وتحرر العامل من تحكم صاحب العمل ... إلخ.
3
لكن أحدا، طوال هذا التاريخ، لم يضع «هذه الحريات» على مائدة التشريح، وإنما ترك التحليل العقلي لزكي نجيب محمود المنطقي؛ لينظر نظرة فاحصة مدققة في تلك الحريات بكل فروعها؛ ليكشف لنا عن حقيقة لها خطرها؛ وهي أن أهدافنا السابقة من تلك الحريات كانت تنحصر في الجانب السلبي وحده، بمعنى أن تكون المطالبة القومية مقصورة على «التحرر» من قيود تكبلها في هذا الميدان أو ذاك؛ كالتحرر من الاحتلال البريطاني، وتحرر المرأة من طغيان الرجل، وتحرر العامل الزراعي من استبداد مالك الأرض، وتحرر العالم الصناعي من تحكم صاحب رأس المال، وتحكم كذا في كيت ... وبعبارة أخرى أوشكت كل جهودنا المبذولة طلبا للحرية أن تنحصر في تحطيم الأغلال والقيود، وهو أمر واجب ومطلوب، غير أن التحرر ليس سوى جانب واحد فقط من الحرية هو «الجانب السلبي»؛ إنه في حقيقته لا يزيد على أن يفتح باب السجن لينطلق السجين حرا»؛ أي إنه لم يعد مغلول الحركة مقيد الخطى، ولكن ماذا بعد ذلك؟ ماذا «يصنع» ليحيا؟
अज्ञात पृष्ठ