اشتملت عليها أوصافكم، ومعارف فقتم فيها نظراءكم، ورسوخ قدم في الفنون العلمية والآداب العربية.
وكانت خطة الحجابة ببابنا العلي - أسماه الله - أكبر درجات أمثالكم، وأرفع الخطط لنظرائكم، قربًا منا، واختصاصًا بمقامنا، واطلاعًا على خفايا أسرارنا. آثرناكم بها إيثارًا، وقدمناكم لها اصطفاء واختيارًا، فاعملوا على الوصول إلى بابنا العلي أسماه الله، لما لكم فيه من التنويه، والقدر النبيه، حاجبًا لعلي بابنا، ومستودعًا لأسرارنا، وصاحب الكريمة علامتنا، إلى ما يشاكل ذلك من الأنعام العميم، والخير الجسيم، والاعتناء والتكريم. لا يشارككم مشارك في ذلك ولا يزاحمكم أحد، وإن وجد من أمثالك فاعلموه، وعولوا عليه، والله تعالى يتولاكم، ويصل سراءكم، ويوالي احتفاءكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وتأدت إلي هذه الكتب السلطانية على يد سفير من وزرائه، جاء إلى أشياخ
الدواودة في هذا الغرض، فقصت له في ذلك أحسن مقام، وشايعته أحسن مشايعة، وحملتهم على إجابة داعي السلطان، والبدار إلى خدمته. وانحرف كبراؤهم عن خدمة السلطان أبي العباس إلى خدمته، والاعتمال في مذاهبه، واستقام غرضه من ذلك، وكان أخي يحيى قد خلص من اعتقاله ببونة، وقدم علي ببسكرة، فبعثته إلى السلطان أبي حمو كالنائب عني في الوظيفة، متفاديًا عن تجشم أهوالها، بما كنت نزعت عن غواية الرتب. وطال علي إغفال العلم، فأعرضت عن الخوض في أحوال الملوك، وبعثت الهمة على المطالعة والتدريس، فوصل إليه الأخ، فاستكفى به في ذلك، ودفعه إليه.
ووصلني مع هذه الكتب السلطانية كتاب رسالة من الوزير أبي عبد الله بن الخطيب من غرناطة يتشوق إلي، وتأدى إلى تلمسان على يد سفراء السلطان ابن الأحمر، فبعث إلي به من هنالك ونصه:
بنفسي وما نفسي علي بهينة ... فينزلني عنها المكاس بأثمان
حبيب نأى عيني وصم لأنتي ... وراش سهام البين عمدًا فأصماني
وقد كان هم الشيب - لا كان - كافيًا ... فقد أدَّني لما ترحل همان
1 / 99