والنجامة، وكان لقيني بمجلس السلطان أبي عنان، وقد استدعاه يستطبه، وهو يومئذ بدار ابن الأحمر بالأندلس. ثم نزع - بعد مهلك رضوان القائم بدولتهم - إلى الطاغية، فأقام عنده، ونظمه في أطبائه. فلما قدمت أنا عليه، أثنى علي عنده، فطلب الطاغية مني حينئذ المقام عنده، وأن يرد علي تراث سلفي بإشبيلية، وكان بيد زعماء دولته، فتفاديت من ذلك بما قبله. ولم يزل على اغتباطه إلى أن انصرفت عنه، فزودني وحملني، واختصني ببغلة فارهة، بمركب ثقيل ولجام ذهبيين، أهديتهما إلى السلطان، فأقطعني قرية إلبيرة من أراضي السقي بمرج غرناطة، وكتب بها منشورًا كان نصه:
ثم حضرت المولد النبوي لخامسة قدومي، وكان يحتفل في الصنيع فيها والدعوة، وإنشاد الشعراء، اقتداء بملوك المغرب، فأنشدته ليْلتئذ:
حي المعاهد كانت قبل تحييني ... بواكف الدمع يرويها ويظميني
إن الألى نزحت داري ودارهم ... تحملوا القلب في آثارهم دوني
وقفت أنشد صبرًا ضاع بعدهم ... فيهم وأسأل رسمًا لا يناجيني
[أمثل الربع من شوق فألثمه ... وكيف والفكر يدنيه ويقصيني]
[وبنهب الوجد مني كل لؤلؤة ... ما زال قلبي عليها غير مأمون]
سقت جفوني مغاني الربع بعدهم ... فالدمع وقف على أطلاله الجون
قد كان للقلب داعي الهوى شغل ... لو لأن قلبي إلى السلوان يدعوني
أحبابنا هل لعهد الوصل مدكر ... منكم وهل نسمة عنكم تحييني
ما لي وللطيف لا يعتاد زائره ... وللنسيم عليلًا يداويني
1 / 86