فرضه، فسرحه. وخرج حاجًا سنة أربع وستين، فلما قدم على مكة، وكان به بقية مرض، هلك في طواف القدوم. وأوصى أمير الحاج على ابنه محمد، وأن يبلغ وصيته به للأمير المتغلب على الديار المصرية يومئذ، يَلْبُغا الخاصِكي، فأحسن خلافته فيه، وولاه من وظائف الفقهاء ما سد به خلته، وصان عن سؤال الناس وجهه، وكان له - عفا الله عنه - كلف بعمل الكيمياء، تابعًا لمن غلظ في ذلك من أمثاله. فلم يزل يعاني من ذلك ما يورطه مع الناس في دينه وعرضه، إلى أن دعته الضرورة للترحل عن مصر، ولحق ببغداد. وناله مثل ذلك، فلحق بماردين، واستقر عندَ صاحبها، وأحسن جِوَاره، إلى أن بلغنا بعدَ التسعين أنه هلك هنالك حتف أنفه، والبقاء لله (وحدَه).
ومنهم شيخ التّعَاليم أبو عبد الله محمد بن النَّجَّار من أهل تِلْمِسان؛ أخذ العلم ببلده عن مشيختها، وعن شيخنا الآيلي، وبرَّز عليه. ثم ارتحل إلى المغرب، فلقي بسبتة إمام التعاليم، أبا عبد الله محمد بن هلال شارح المجصطي في الهيئة، وأخذ بمرّاكش عن الإمام أبي العباس بن البناء، وكان إمامًا في علوم النِّجامة وأحكامها، وما يتعلق بها، ورجع إلى تلمسان بعلم كثير، واستخلصته الدولة. فلما هلك أبو تاشفين، وملك السلطان أبو الحسن، نظمه في جملته وأجرى له رزقه، فحضر معه بإفريقية، وهلك في الطاعون.
ومنهم أبو العباس أحمد بن شُعَيْب من أهل فاس؛ برع في اللَّسان، والأدب، والعلوم
العقلية، من الفلسفة، والتعاليم، والطب، وغيرها؛ ونظمه السلطان أبو سعيد في حلبة الكُتَّاب، وأجرى عليه الرزق مع الأطباء؛ لتقدُّمه فيهم، فكان كاتبه، وطبيبه؛ وكذا مع السلطان أبي الحسن بعده، فحضر بإفريقية، وهلك بها في ذلك الطاعون. وكان له شعْر سَابق به الفحول من المتقدمين والمتأخرين، وكانت له إمامة في نقد
1 / 59