रिफाका तहतावी
رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي
शैलियों
نبذة في علم سياسات الصحة.
كذلك قدم رفاعة للجنة الامتحان كراسة أخرى فيها مخطوطة رحلته إلى باريس؛ وذلك لأن هذه الرحلة ليست تأليفا كلها، بل فيها نبذ كثيرة مترجمة في مختلف العلوم، قصد بها رفاعة إلى تقريب هذه العلوم إلى القارئ المصري، وشرح نهضة الفرنسيين العلمية ومدى إقبالهم على الدروس والتحصيل. وفي هذه الرحلة أيضا ترجم رفاعة الدستور الفرنسي الذي وضعه «لويس الثامن عشر»، وسماه: «شرطة». وفيها أيضا ترجم بعض الأشعار الفرنسية إلى شعر عربي، وبعض هذا الشعر لشعراء مجهولين، وبعضه أبيات «من القصيدة المسماة نظم العقود في كسر العود، للخواجة يعقوب، المصري منشأ الفرنساوي استيطانا ...» وقد ذكر رفاعة أنه ترجمها في سنة 1242ه/1826-1827م، أي بعيد وصوله إلى باريس بقليل. وقد أحس أن الشعر يفقد كثيرا من روعته إذا ترجم من لغة إلى أخرى، فقال في نهاية القصائد التي ترجمها: «وهذه القصيدة كغيرها من الأشعار المترجمة من اللغة الفرنساوية عالية النفس في أصلها، ولكن بالترجمة تذهب بلاغتها فلا يظهر علو نفس صاحبها. ومثل ذلك لطائف القصائد العربية، فإنه لا يمكن ترجمتها إلى غالب اللغات الإفرنجية من غير أن يذهب حسنها، بل ربما صارت باردة ...»
ولم تقنع لجنة الامتحان بهذه الجهود المكتوبة ، ورأت أن تختبره اختبارا شفهيا لتتأكد من مقدرته على الترجمة الصحيحة، فأحضرت له بعض الكتب المطبوعة في بولاق فترجم بعض فقراتها بسرعة، «ثم قرأ بالفرنساوي مواضع، منها ما هو صغير ومنها ما هو كبير في «كازيطة» مصر المطبوعة في بولاق» (يقصد الوقائع المصرية).
وبهذا تم اختباره في الترجمة عن العربية إلى الفرنسية، ثم أعطته اللجنة النص العربي للرسالة التي ترجمها عن «عمليات رؤساء الضباط العسكرية»، وأمسك أحد أعضاء اللجنة النص الفرنسي، وأعاد رفاعة ترجمة النص الذي بيده إلى الفرنسية. والممتحنون يقابلون بين ما يقول وبين النص الأصلي الذي بأيديهم. ووفق في ترجمته، وقررت اللجنة أنه تخلص من هذا الامتحان على وجه حسن «فأدى العبارات حقها من غير تغيير في معنى الأصل المترجم.» ولكنها أخذت عليه أنه «ربما أحوجه اصطلاح اللغة العربية أن يضع مجازا بدل مجاز آخر من غير خلل في المعنى المراد. مثلا في تشبيه أصل علم العسكرية بمعدن مشبع يستخرج منه كذا، غير العبارة بقوله: علم العسكرية بحر عظيم تستخرج منه الدرر. وقد اعترض عليه في الامتحان بأنه في بعض الأحيان قد لا يكون في ترجمته مطابقة تامة بين المترجم والمترجم عنه، وأنه ربما كرر، وربما ترجم الجملة بجمل والكلمة بجملة، ولكن من غير أن يقع في الخلط، بل هو دائما محافظ على روح المعنى الأصلي. وقد عرف الشيخ الآن أنه إذا أراد أن يترجم كتب علوم، فلا بد له أن يترك التقطيع، وعليه أن يخترع عند الحاجة تغييرا مناسبا للمقصود ...»
وبنفس الطريقة اختبر في كتاب آخر مما ترجمه، وهو: «مقدمة القاموس العام المتعلقة بالجغرافية الطبيعية»، ولاحظت اللجنة أن ترجمة هذا الكتاب ضعيفة، ولكنها التمست لرفاعة العذر لأنه ترجمه بعيد وصوله إلى فرنسا ولم يكن قد وصل حينذاك إلى «درجته الآن في اللغة الفرنساوية»؛ ولهذا كانت ترجمته لهذا الكتاب أضعف من ترجمته للكتاب السابق، «وكان عيبه أنه لم يحافظ على تأدية عبارة الأصل بجميع أطرافها. وعلى كل حال فلم يغير في المعنى شيئا، بل طريقته في الترجمة كانت مناسبة.» وتفرق الممتحنون أخيرا وهم مجمعون على إتقانه صناعة الترجمة، وعلى «أنه يمكنه أن ينفع في دولته بأن يترجم الكتب المهمة المحتاج إليها في نشر العلوم والمرغوب في تكثيرها في البلاد المتمدنة ...»
اجتاز رفاعة الامتحان بعد أن قضى في فرنسا خمس سنوات طوال أقبل فيها على الدرس والتحصيل إقبال الطالب المجد المحب لعمله. وقد قرأ في هذه السنوات كتبا شتى في علوم متباينة وترجم الكثير من هذه الكتب، ولكنه - متأثرا بميله الخاص وبدراسته الأدبية الأولى في الأزهر - شغف أكثر ما شغف بعلمي التاريخ والجغرافيا، ورشح نفسه لترجمة هذين العلمين. فهو يقول في خاتمة رحلته: «وإن شاء الله تعالى بأنفاس ولي النعم يصير التاريخ على اختلافه منقولا من الفرنساوية إلى لغتنا ... فقد تكفلنا بترجمة علمي التاريخ والجغرافيا بمصر السعيدة بمشيئته تعالى، وبهمة صاحب السعادة محب العلوم والفنون، حتى تعد دولته من الأزمنة التي تؤرخ بها العلوم والمعارف المتجددة في مصر مثل تجددها في زمن خلفاء بغداد ...»
بعد العودة
في رمضان سنة 1241ه غادر رفاعة الإسكندرية مرتحلا إلى فرنسا، وفي رمضان سنة 1246ه غادر باريس عائدا إلى مصر. خمس سنوات كاملة تغير فيها الشيخ عقلا وعلما، وتفكيرا وآمالا، لكنه لم يتغير، بل لم يتأثر دينا وأخلاقا. يقول علي مبارك: «ولم تؤثر إقامته بباريز أدنى تأثير في عقائده، ولا في أخلاقه وعوائده ...»
وفي الإسكندرية تشرف بمقابلة إبراهيم باشا، فرحب به لأنه سمع عنه ثناء جما أثناء زيارته لباريس، ولأنه كان يعرف أسرته في طهطا معرفة وثيقة. وفي ختام المقابلة وعده إبراهيم باشا «بدوام الالتفات إليه»، وأنعم عليه بستة وثلاثين فدانا في الخانقاه، فكانت أول مكافأة مادية نالها رفاعة على جده واجتهاده. وأول الغيث قطرة. (1) في مدرسة الطب
وسافر إلى القاهرة، وحظي بمقابلة ولي النعم محمد علي باشا، وكان محمد علي قد عرفه معرفة أكيدة من تقارير مسيو «جومار» الكثيرة عنه، وكلها مدح وتقريظ لجهوده وتقدير لعمله. وفي هذه المقابلة لقي رفاعة من مولاه كل عطف وتشجيع «ورأى من ميله إليه ما حمله على الثقة بنجاح البدء والنهاية». وصدر أمره العالي بتعيينه مترجما بمدرسة الطب، فكان أول مصري يعين مترجما بهذه المدرسة؛ فقد كانت هيئة المترجمين جميعا حتى ذلك الوقت من السوريين؛ لهذا لم يلبث رفاعة أن تفوق عليهم في عمله، فهو يتقن اللغة العربية إتقانا لا يدانيه فيه أحد من هؤلاء المترجمين السوريين وهو يجيد الفرنسية مثلما يجيدونها. وترجمته في النهاية صحيحة سليمة لا تحتاج - كترجمة السوريين - إلى مراجعة أو تصحيح شيخ من شيوخ الأزهر المحررين بالمدرسة.
अज्ञात पृष्ठ