209

يخاطب جمله الساحر قائلا: إن الطريق الذي يجيء بالنقود الكثيرة (يجيب كمش النقود) ليس هينا ولا سهلا، ولا يمشي فيه من يلازم بيته مثل الديك صاحب الجلد اللين الناعم، ولكن الصنديد الذي يقوم بعد أن يستدين من الغانية (أم حمد) فلا بد له أيها الساحر من أن يسوق الإبل اقتدارا وعيانا بيانا، ويقول آخر مخاطبا ناقته:

الليلة أم هلال أمست سراتك تارة،

وأسيادك سواويق لي الردوف والدارة،

إن بردن نكافيبن سوالف السارة،

وإن حرن صناديدا نقابل الحارة.

فهو يقول لناقته (أم هلال) إن سنامك (سراتك) قد رجعت للوراء (ترت) من طول الركوب، وإن أسيادك يعرفون قود (سواويق) الإبل ممتلئة الأرداف، وتلك الحبلى (الدارة) فإذا ما خلصن (بردن) نكافئ بهن أفضال وديون (سوالف) الغانية المسماة (السارة) أما إذا تطلب الأمر القتال فإننا صناديد في المعارك الحارة. • السالف: هو أبرز صور التعاون بين الهمباتة، وهو يتمثل في واجب الهمباتي نحو زميله إذا كان في موقف يحتاج فيه إلى المساعدة؛ فهو واجب وليس دينا يرد، فما إن يحتج الهمباتي إلى المساعدة فإنه يلجأ إلى الهمباتة في المنطقة لمساعدته حتى دون سابق علاقة، أو معرفة، ومن يتقاعس عن أداء هذا الواجب يعتبر خارجا على «السوالف» وتسوء سمعته ويحجم الجميع عن التعامل معه أو تقديم العون له في وقت الحاجة. • مراحل الهمبتة: وتتم عملية الهمبتة عبر عدة مراحل تبدأ بتجمع الأسباب والدوافع، ثم تحديد الهدف، ومكانه، ومعرفة الطريق إليه، ثم تأتي مرحلة بلوغ الهدف واختيار الإبل التي تتسم بدلائل القوة والقدرة على التحمل والسير لمسافات طويلة، وتنتهي ببيع الإبل وإنفاق المال الوفير الذي تدره في إعانة المحتاجين والمساكين، ومساعدة «رفاق الفردة».

ثم الانصراف إلى «ستات المجالس» لشرب الخمر واللهو مع الغواني الحسان. و«ستات المجالس» هن من الرقيق اللائي نلن حريتهن بعد إلغاء تجارة الرقيق في بداية هذا القرن، ولكن يسكن أطراف المدن والقرى ويتكسبن بصنع الخمر. وتحكم مجتمع الهمباتة قيم حميدة منها ما هو خاص بمجتمعهم، ومنها ما هو شائع في المجتمع العربي البدوي عامة، ومما هو خاص بمجتمعهم إضافة إلى حق «السالف» المكفول لكل رفيق حقوق الرفقة، وللمرافقة في مجتمع الهمباتة قوانين تحكمها وقواعد تنظمها وقيم تستند عليها ومعتقدات تدفعهم إلى الالتزام بحقوقها وأول ما يحكم «الرفقة» أن الهمباتة قبل أن يبدءوا رحلتهم يتعاهدون «الخاين لله يخونو» ويقرءون الفاتحة، وهم يعتقدون أن من يخون «الرفقة» يلحقه الضرر في نفسه وذريته وماله، ويقولون: «خون كل شيء إلا الغردة.» والغردة هي الحزام الذي يربط السرج على ظهر الدابة، وهي كناية عن رفيق الهمبتة. وقد أدى هذا الاعتقاد إلى تمكن هذه الخاصية في نفوسهم والتزامهم بها، فأصبح الوفاء للرفيق من أميز صفاتهم، وهو يصل إلى حد الذود عنه بالروح والمال، والرفيق دائما هو موضع الحفاوة والإكرام والاحترام، وما وقع في مشكلة إلا وتعاطف معه الآخرون، وسعوا بكل ما يملكون لتخليصه من مشكلته. وإذا حدث ما حمل الرفيق على الغياب عن أهل بيته قام الرفاق بمعاونتهم وبرعايتهم وحمايتهم وتوفير كافة احتياجاتهم ومعاودتهم. ومن أشعارهم عدة أشكال من صور الوفاء للرفيق تعبر عن شعور عميق بالتعاطف حين يقع أحدهم في قبضة القانون ويزج به في السجن ... سمع «ود ضحوية» أن رفيقه «طه الضرير» قد حكم عليه بالسجن فقال:

الليلة النفس أمست حزينة وعامدة،

وما بتسلى بي برقع حميدة وحامدة ،

فارقنا أبان قلوبا جامدة،

अज्ञात पृष्ठ