208

الإنداية:

هي منحوتة في الأصل من التعبير العربي «ناد»، وتجمع كلمة إنداية على «أنادي» وهي الحانات. والإنداية هي المكان يؤمه طلاب اللذة والطرب والأنس، وكانت مكانا مهما للأخبار التجارية والمصالح المتبادلة بين الأفراد والجماعات.

الهمباتة:

الهمبتة هي ظاهرة اجتماعية على غرار «ظاهرة الشعراء الصعاليك» التي عرفتها جزيرة العرب قبل الإسلام. انتشرت في السودان خلال العهود الاستعمارية التركية والإنجليزية، وقد جاءت في أعقاب الحروب التي كانت تنشب بين القبائل أواخر عهود السلطنة الزرقاء، وإثر ضعف هيبتها، بسبب تنازع أمراء الفونج على العرش وتسلط الوزراء من قبائل الهمج على زمام الحكم.

الهمبتة: تعني «نهب وسلب الإبل» وكانت تعتبر من أرفع ضروب الفروسية، وكانت حياة «الهمباتة» على غرار حياة أسلافهم من الشعراء الصعاليك في الجاهلية مثل عروة بن الورد والسليك بن سلكة وأضرابهم مع اختلاف جوهري ورئيسي هو أن غالبية أسلافهم كانوا لا يتورعون عن سلب الضعفاء والحريم بل وسبيهم واسترقاقهم، فيما يتصف «الهمباتي» بصفات الفارس النبيل الكريم، كما أن أسلافهم كانوا «خلعاء» لفظتهم قبائلهم، بينما «الهمباتي» محل تقدير وافتخار قبيلته واحترام المجتمع؛ لأن المروءة والنجدة والشهامة والكرم كانت من أخص خصائص «الهمباتي»؛ إذ إن «الهمباتة» مغامرون شجعان، لا يهابون الردى والمخاطر، ويواجهون الأهوال، ويتحملون المشاق، ويحفظون القبيلة، ويرعون حق الجار والعشير، ولا يسلبون الضعفاء. • أصلها ونشأتها: الهمبتة تعني نهب وسلب الإبل دون سواها، و«الهمباتة» هم الرجال الذين يمارسون نهب الإبل ومفردهم «همباتي»، واللفظ من لهجة عرب غرب السودان، ويرادفه لفظ «مهاجرا» ومفرده «مهاجري» ولفظ «النهيض» و«النهاض» ومفرده «نهاض» في بادية البطانة في وسط السودان، ولفظ «سراجة» ومفرده «سراجي» في بادية كردفان.

وعن أصل الهمبتة ونشأتها أن بدايتها كانت في أواخر عهد السلطنة الزرقاء وما بعدها في القرن الماضي إثر ضعف السلطة المركزية، وضعف الوازع الديني نتيجة للجهل الذي ضرب أطنابه على المجتمع السوداني من جراء سياسة التجهيل التي طبقها الحكم التركي؛ حيث أصبحت القبائل تغير على بعضها تسلب وتنهب، وكان هذا العهد يسمى «عهد القيمان»، وبعد سقوط السلطنة الزرقاء على يد الأتراك العثمانيين وقيام سلطة مركزية انحسرت ظاهرة القيمان وتقلصت وأصبحت تتم بعدد من الرجال يتراوح بين المائة والمائتين، وكانوا يسمون «النهاض». وفي عهد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري مطلع القرن الماضي تواصلت ولكن بعدد قليل من الرجال يتراوح بين الاثنين والثمانية. وبعد الاستقلال من الاستعمار واستقرار الغالبية من العرب الرحل وانتشار الوعي الديني والتعليم اندثرت هذه الظاهرة إلا من بعض الحوادث الفردية في أقاصي البوادي السودانية. • دوافع الهمبتة: عاش العرب في السودان منذ ما قبل تصدع الأخدود الأفريقي الآسيوي العظيم عندما كانت آسيا وأفريقيا قارة واحدة، ينداحون في الأرض، فلا تحدهم إلا الجبال بين الفرس والترك والبحر الأبيض المتوسط غربا، وعندما استشرى الجفاف والتصحر في شبه الجزيرة العربية، راحوا يهاجرون إلى وديان الأنهار في العراق والشام ومصر والسودان، وظلت الهجرات العربية تتواصل إلى السودان، وكانت آخرها هجرة حمير قبل الإسلام بخمسة قرون، الأمر الذي يؤكد أن الوجود العربي في السودان لم يكن أمرا طارئا. وواضح أن العرب لم يعيشوا في المنطقة الاستوائية من السودان بل استوطنوا شرقه ووسطه وشماله وغربه. وعندما وفد العرب إلى السودان بعد الإسلام عاشوا فيه كما كانوا يعيشون في جزيرتهم، وظلت حياة الترحال وراء الماء والكلأ هي ديدنهم. وقد توارث العرب في السودان الالتزام بقيم القبيلة وتقاليدها وأعرافها ومعاييرها الجماعية. وكما قلنا فإن تفشي الجهل أواخر السلطنة الزرقاء وسياسة التجهيل التي طبقها الغزاة الأتراك والإنجليز، وضعف الوازع الديني الناجم عن الجهل بالدين، جعل من «الهمبتة» مكان الاعتزاز والفخر، ودليلا على الشجاعة والبسالة والإقدام والنبل والكرم الفياض، وهي تكسب صاحبها تقدير واحترام القبيلة والمجتمع، حتى إن بعض القبائل لم تكن لتعترف للشباب ببلوغ قدر الرجال إذا لم يمارس الهمبتة، وكانت القبائل تتفاخر بهم، وتحتفل بهم حين يعودون بعد رحلة موفقة؛ ذلك أنهم يشركون في كسبهم كل محتاج في القبيلة من الأيتام والأرامل والمسنين والفقراء. كما أن الهمبتة كانت تكسب الرجل إعجاب الغواني؛ فالرجل الصنديد (الولد) الذي يخاف أن تعيره القبيلة بالخوف، عليه أن يمتطي (يخلف) ساقيه جملا فحلا (تيسا) رقيق الفم (قدومو) فإما أن يأتي بمال يرضي الظبية ذات الرضاب الذي يقطر عسلا (لهيجو مسكر) أو أن تثكله نساؤه ويحثون الرماد على رءوسهن، وهي عادة كانت سائدة في السودان عند موت عزيز حيث تملأ الأقداح بالرماد، وتحثوه الباكيات على رءوسهن. إن الباسل الذي يريد (بدور) أن يحظى بشكر القبيلة عليه أن يركب ويتوغل (يتوكر) في بلد العدو، فإما إن أتى (جاب) بما يرضي الظبية ذات الرضاب المطعم بالسكر، أو قضى وتبخترت الصقور الصلعاء فوق جثته وصوتت: «أب صلعة تيتل وكركر.» وواضح أن المرأة زوجة وبنتا وأختا وأما وخليلة في حالة حضور دائم في وجدان «الهمباتي» بل هي سبب رئيسي لاقتحام المخاطر وركوب الصعاب، إذ هي الواحة التي يعود إليها «الهمباتي» من حياة المخاطر، فتنسيه كل ما عانى من أهوال قاتلة ومشاق مرهقة، وفي كل أشعارهم يتضح كمون المرأة في وجدانهم، ووراء مجازفتهم بأنفسهم من أجل اكتساب ودها! • مجتمع الهمباتة: يتكون مجتمع الهمباتة من فئتين؛ الهمباتة الذين يقومون بنهب الإبل، و«العملا» الذين يقومون ببيع الإبل المنهوبة، والعملا غالبا من أشخاص كانوا همباتة ، ثم تركوها لأي سبب من الأسباب، وهم إلى جانب بيع الإبل المنهوبة يقومون بمساعدة الهمباتة بتقديم القروض لهم إذا ما أصبح احدهم خالي الوفاض، ويقومون بتجهيزهم (تشهيلهم)، وكانت بوادي السودان تزخر بهم مثلما تعج بالهمباتة، وهم معروفون بالاسم في كل قبيلة وكل منطقة، ولم يكن عمل العملا قاصرا على الرجال، بل إن «ستات المجالس» ممن احترفن صنع الخمر وتهيئة مجالس اللهو من الجواري اللائي نلن حريتهن بعد إلغاء الرق في السودان، كن يقمن ببيع الإبل المنهوبة كما يقمن بإقراض الهمباتي المال الذي يحتاجه ... يقول ود ضحوية:

الدرب البجيب كمش النقود موهين،

وما بمشيهو ديك بيتو أب جليدا لين،

الولد البيقوم من أم حمد متدين،

غصبا عنويا الساحر يسوقن بين.

अज्ञात पृष्ठ