रिचर्ड फेनमैन: उनका विज्ञान में जीवन
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
शैलियों
غير أن جيلمان كان على نقيض فاينمان في عدة وجوه؛ فقد كان - مثل جوليان شفينجر - طفلا معجزة. تخرج من المدرسة الثانوية في سن الخامسة عشرة، وتلقى أفضل عروضه من جامعة ييل، وهو عرض كان محبطا له، لكنه قبله على أي حال. وفي سن التاسعة عشرة تخرج وانتقل إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث نال درجة الدكتوراه في سن الحادية والعشرين. وقد أخبرني ذات مرة أنه كان يستطيع نيل الدكتوراه في عام واحد لو أنه لم يضيع وقته في محاولة جعل موضوع رسالته مثاليا.
لم يتقن جيلمان في سن الحادية والعشرين علم الفيزياء فحسب، وإنما أتقن «كل شيء». وكان من أبرز الأشياء افتتانه باللغات، ودراسة أصول الكلمات، والنطق، والعلاقات. ومن الصعب أن تجد شخصا عرف موراي دون أن يصحح له هذا الأخير طريقة نطق اسمه!
غير أن جيلمان كان يختلف اختلافا مميزا عن شفينجر أدى إلى انجذابه إلى فاينمان. فلم يكن يطيق أولئك الذين يزينون جهودهم التي تكون تافهة غالبا بصبغة رسمية مزخرفة. كان جيلمان قادرا على الرؤية عبر حجب الخداع والتحايل، وقلة من الفيزيائيين هم من كان يمكنهم رفض أعمال الآخرين كما كان يفعل هو. غير أن جيلمان علم من خلال أبحاث فاينمان، ومن خلال الاستماع إلى أحاديثه، أنه عندما كان يعمل في الفيزياء، لم يكن هناك أي هراء، أو ادعاء، أو تحايل، ولا أي شيء سوى الفيزياء. وعلاوة على ذلك، كانت حلول فاينمان بالغة الأهمية بحق. وعلى حد تعبير جيلمان: «ما كان يعجبني دائما في أسلوب ريتشارد هو تخليه عن التنميق في عروضه. لقد سئمت علماء الفيزياء النظرية الذين يزخرفون أعمالهم بلغة رياضية منمقة أو يبتكرون أطرا رنانة زائفة لإسهاماتهم التي كانت في بعض الأحيان غاية في التواضع. أما أفكار ريتشارد، التي كانت في الغالب فعالة ومؤثرة وتتسم بالعبقرية والأصالة، فكانت مقدمة بأسلوب مباشر كنت أجده ممتعا ومجددا.»
كان هناك وجه آخر من أوجه شخصية فاينمان لم يرق لجيلمان على الإطلاق، وهو حب الاستعراض. وعلى حد وصفه لاحقا: «كان [فاينمان] يقضي وقتا طويلا ويبذل جهدا مضنيا في اختلاق حكايات عن نفسه.» ولكن في حين أن تلك السمة أزعجته فيما بعد وأثارت أعصابه، ففي أعقاب وفاة فيرمي عام 1954، وبينما كان يفكر في المكان الذي قد يرغب في العمل فيه إذا رحل عن جامعة شيكاجو، ومع من يرغب في العمل، بدا الخيار واضحا له.
كان جيلمان، بالاشتراك مع عالم الفيزياء النظرية فرانسيس لو، قد أجرى عملية حسابية مبكرة مميزة عام 1954 مستعينا بأساليب فاينمان في التعامل مع الديناميكا الكهربائية الكمية في محاولة لمعرفة ما يمكن أن يحدث بالضبط للنظرية عندما يستكشف المرء مقاييس أصغر وأصغر، وبالتحديد المنظومة غير القابلة للرصد في الأحوال العادية التي تضمنت وصفة فاينمان للتخلص من قيم ما لانهاية فيها تعديل النظرية على نحو مصطنع متكلف. وكانت النتيجة مدهشة، وعلى الرغم من أنها كانت فنية ومن الصعب متابعتها وفهمها في ذلك الحين، فقد وضعت في نهاية الأمر الأساس لكثير من التطورات التي تحققت في فيزياء الجسيمات خلال سبعينيات القرن العشرين.
اكتشف جيلمان ولو أنه نتيجة لتأثيرات الأزواج الافتراضية من الجسيمات والجسيمات المضادة التي يجب إدخالها في المسألة عند دراسة تأثيرات ميكانيكا الكم على الديناميكا الكهربائية الكمية، تعتمد الكميات القابلة للقياس فيزيائيا، مثل الشحنة الكهربية للإلكترون، على النطاق الذي تقاس عنده. وفي الواقع، في حالة الديناميكا الكهربائية الكمية، كانت الشحنة الفعالة التي يحملها الإلكترون، ومن ثم قوة التفاعل الكهرومغناطيسي، تبدو وكأنها تزداد أثناء اختراق سحابة الأزواج الافتراضية المكونة من إلكترونات وبوزيترونات التي تحيط بكل جسيم.
على الرغم من ذلك، كان فاينمان الذي اشتهر بتجاهل أبحاث الآخرين وهو يحاول بصفة مستقلة اشتقاق جميع نتائج الفيزياء - أو إعادة اشتقاقها في كثير من الأحيان - شديد الانبهار بالبحث الذي أجراه جيلمان ولو، وأخبر جيلمان بذلك عندما زار كالتك لأول مرة. في الحقيقة، قال فاينمان إنها العملية الحسابية الوحيدة في الديناميكا الكهربائية الكمية التي علم بها ولم يشتقها هو نفسه مستقلا عن الآخرين. وعندما نتأمل هذا الآن، نجد أنه كان مدهشا بعض الشيء لأن أثر نهج جيلمان ولو كان من شأنه أن يؤدي إلى تأويل مختلف تماما لعملية التخلص من قيم ما لانهاية في نظرية مجال الكم عن التأويل الذي ظل فاينمان يؤكد عليه لفترة من الوقت. إنه يعني - كما سترون لاحقا - أن أسلوب فاينمان لإعادة التطبيع - الذي ظل يعتقد دوما أنه ليس سوى وسيلة بدائية مصطنعة لا بد أن يحل محلها ذات يوم فهم جوهري حقيقي للديناميكا الكهربائية الكمية - يعكس في حقيقة الأمر حقيقة فيزيائية أساسية ذات أهمية جوهرية في أسلوب عمل الطبيعة عند أصغر مقاييسها.
عند وصول جيلمان إلى كالتك، كان من الواضح له، ولكثير من أفراد مجتمع الفيزياء، أنه ربما صار أعظم عقلين في مجال الفيزياء في جيل واحد موجودين معا في معهد واحد. واستعد الجميع لنتائج التفاعل بين هذين العقلين.
وعلى الرغم من أنه من عدم الإنصاف حتما أن نختار سمة واحدة لنصف بها عمل عقل عميق ومبدع كعقل جيلمان، فإنه كان بالفعل قد بدأ يضع بصمته على علم الفيزياء، واستمر في فعل ذلك، عن طريق الكشف عن تناظرات جديدة في الطبيعة عند أصغر مقاييسها. إن التناظر أمر جوهري لفهمنا الحالي للطبيعة، غير أن أهميته يساء فهمها على نطاق واسع في الوعي العام، وربما كان ذلك يرجع جزئيا إلى أن الأشياء التي تتسم بقدر كبير من التناظر في الفيزياء تعتبر أقل إثارة من المنظور الفني. ففي المعتاد، كلما كانت التناظرات في العمل الفني أكثر زخرفة، حظي بالمزيد من التقدير. وهكذا نعتبر الثريا الجميلة التي تضم الكثير من القطع المنحنية المتطابقة تحفة فنية نفيسة. والعمل الفني الذي أبدعه إم سي إشر، وفيه العديد من نسخ الأسماك أو غيرها من الحيوانات مطمورة داخل الصورة، مثال آخر على هذا. ولكن في الفيزياء، التناظرات التي تحظى بأعلى تقدير هي تلك التي تجعل الطبيعة أقل تنميقا وزخرفا. فالشكل الكروي الممل، على سبيل المثال، أكثر تناظرا بكثير من الهرم رباعي الأسطح.
السبب في هذا هو أن التناظرات في الفيزياء تعني أن الأشياء أو النظم لا تتغير عندما نغير نحن منظورنا. فمثلا، عندما ندير هرما رباعي الأسطح بزاوية 60 درجة على محور أي سطح من أسطحه، سيبدو متطابقا. ولكن الكرة أكثر تناظرا لأننا لو أدرنا الكرة بأي زاوية كانت، صغيرة أم كبيرة، فإنها تبدو كما هي دون تغيير. إن إدراكنا لحقيقة أن التناظرات تعني ضمنيا أن الشيء لا يتغير عندما نغير منظورنا له يجعل أهمية التناظرات في علم الفيزياء - بالتأمل اللاحق للمسألة - تكاد تبدو بديهية. غير أنها لم تكن كذلك حتى جاءت عالمة الرياضيات الألمانية الشابة إيمي نويثر لتميط اللثام عما صار الآن يسمى «نظرية نويثر» عام 1918 لتظهر بوضوح المعاني الضمنية الرياضية الأساسية للتناظرات في علم الفيزياء.
अज्ञात पृष्ठ