وَابْنُ مَسْعُودٍ (١) وَتَأَوَّلَا فِيهِ قَوْلَ الله تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)﴾ [سبأ: ٢٣].
فَهَلْ مِنْ حَوَاسٍّ أَقْوَى مِنَ السَّمْعِ وَالنَّظَرِ؟.
فَمَنْ يَلْتَفِتُ إِلَى بِشْرٍ وَتَفْسِيرِ بِشْرٍ، وَيَتْرُكُ النَّاطِقَ مِنْ [٥/ظ] كِتَابِ اللهِ، وَالمَأْثُورِ مِنْ قَول رَسُول اللهِ، إِلَّا كُلُّ مَخْبُولٍ مَخذُول.
ثُمَّ طَعَنَ المُعَارِضُ فِي رُؤْيَةِ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَرُدَّهُ بِتَأْوِيلِ ضَلَالٍ وَبِقِيَاسِ مُحَالٍ، فَقَالَ: لَمْ تَرَهُ عَيْنٌ فَتَسْتَوْصِفَهُ.
فَنَظَرْنَا إِلَى مَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، و﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وَرُوِيَ فِيهِ أَقَاوِيلُ مُسْنَدَةٌ، وَغَيْرُ مُسندَة، فلابد مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ.
فَيَزْعُمُ المُعَارِضُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ، عَن أبي حنيفَة: «أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ كَمَا يَشَاءُ أَنْ يَرَوْهُ».
فَبَيَّنَ فِي ذَلِكَ صِفَات هَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، -يَعْنِي المَرِيسِيَّ ونظرائه الَّذِينَ قَالُوا: لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ-، أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَرَى يَوْمَئِذٍ آيَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: رَآهُ يَعْنِي أَفْعَالَهُ، وَأُمُورَهُ وَآيَاتِهِ كَمَا قَالَ الله فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)﴾ [آل عمران: ١٤٣]، فَالمَوْتُ لَا يُرَى وَهُوَ مَحْسُوسٌ، إِنَّمَا يُدْرَكُ عَمَلُ المَوْتِ، فَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرَادَ هَذَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنَّا بِالله، وَبِمَا أَرَادَ مِنْ هَذِهِ المَعَانِي، وَوَكَلْنَا تَفْسِيرَهَا وَصِفَتَهَا إِلَى الله.