رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم
رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم
शैलियों
رد شبهات حول عصمة النبى ﷺ
هذا الكتاب
يتناول فيه المؤلف الرد علي الطاعنين في عصمة سيدنا رسول الله ﷺ من أعداء الإسلام من المستشرقين، وأذيالهم ممن يسمون أنفسهم (القرآنيون) وذلك من خلال عدة قضايا:
- التأكيد علي عصمة سيدنا رسول الله ﷺ، من كل ما يمس عقله، وعقيدته بسوء، من التمسح
بالأصنام، أو الحلف بها، أو أكل ما ذبح على النصب.... الخ، والجواب عما ورد في ظاهر القرآن والسنة مما يتعارض مع تلك العصمة.
- التأكيد علي عصمته ﷺ من تسلط الشيطان عليه، وكفايته منه، والجواب عما ورد فى القرآن الكريم، والسنة النبوية من تعرض الشيطان له ﷺ بالأذى فى جسمه، أو على خاطره بالوسوسة.
- التأكيد علي عصمته ﷺ فى فكره واجتهاده، وفي خلقه وهديه، وفيمايبلغ عن ربه ﷿. والجواب عما ورد في ظاهر القرآن والسنة مما يتعارض مع تلك العصمة.
- بيان إن شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول عصمة سيدنا رسول الله ﷺ قائمة على إنكار نبوته ﷺ، إذ لم تكن لدى معظمهم القناعة العلمية، ولا الإيمان الراسخ بهذه النبوة، وبخاصة أولئك الذين جمعوا بين الإستشراق والتبشير، وألبسوا أفكارهم أردية كنسية متطرفة.
- بيان إن شبهات أعداء السنة المطهرة - ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - حول عصمة سيدنا رسول الله ﷺ قائمة على إعلان الكفر صراحة بالشطر الثانى من الوحي الإلهى وهو سنة سيدنا رسول الله ﷺ، وسيرته العطرة الواردة فيها.
- بيان أن الآيات المتشابهات التى استدل بها أعداء الإسلام، وأعداء السنة، على عدم عصمة رسول الله ﷺ، واردة فى مقام المنة على رسول الله ﷺ، وفيها بيان عظيم مكانته وفضله عند ربه ﷿ فى الدنيا والآخرة، بأعظم ما يكون البيان!! .
- بيان أن ما استدل به أعداء الإسلام من أحاديث على عدم عصمته ﷺ لا حجة لهم فيها، لأن ما استدلوا به أحاديث مكذوبة، وضعيفة، وأخرى صحيحة؛ مع ضعف دلالتها على ما احتجوا به.
- ودار اليقين، وقد سبق لها أن طبعت للمؤلف كتابه «السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها» فإنه يسعدها اليوم أن تطبع كتابه هذا «رد شبهات حول عصمة النبيصلى الله عليه وسلم
في ضوء القرآن والسنة» .
ونسأل الله ﷿ التوفيق والسداد ...
جامعة الأزهر كلية أصول الدين بالقاهرة قسم الحديث وعلومه رسالة دكتواره وموضوعها رد شبهات حول عصمة النبى ﷺ فى ضوء السنة النبوية الشريفة مقدمة من الباحث عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى المدرس المساعد بقسم الحديث وعلومه بالكلية إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد المهدى عبد القادر عبد الهادى أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة ١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م
جامعة الأزهر كلية أصول الدين بالقاهرة قسم الحديث وعلومه رسالة دكتواره وموضوعها رد شبهات حول عصمة النبى ﷺ فى ضوء السنة النبوية الشريفة مقدمة من الباحث عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى المدرس المساعد بقسم الحديث وعلومه بالكلية إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد المهدى عبد القادر عبد الهادى أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة ١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م
1 / 1
قال الله ﷿
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِن جِنَّةٍ إِن هُو إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (١)
﴿وَمَا كَانَ لَكُم أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ﴾ (٢)
ويرحم الله القائل
هو النعمة العظمى هو الرحمة التى ... *** ... تجلى بها الرحمن فى السر والجهر
أيروم مخلوق ثناءك بعدما ... *** ... أثنى على أخلاقك الخلاق؟ (٣) .
الإهداء
إلى النور الخالد.
إلى من أرجو الله تعالى شفاعته يوم الدين.
بأبى أنت وأمى يا سيدى يا رسول الله!
هل لى أن أستأذن فى أن أطرق
باب خدمتك بإهدائك هذه الرسالة؟
عماد الشربينى
_________
(١) الآية ١٨٤ الأعراف.
(٢) جزء من الآية ٥٣ الأحزاب.
(٣) ينظر: شرح الزرقانى على المواهب اللدنية ٨/٣٨٤، ٣٩٠.
(٤) الآية ١٤ لقمان.
(٥) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب البر والصلة، باب فى شكر المعروف ٤/٢٥٥ رقم ٤٨١١، والترمذى فى سننه كتاب البر والصلة، باب ما جاء فى الشكر لمن أحسن إليك ٤/٢٩٨ رقم ١٩٥٤، وقال: حسن صحيح، وأخرجه أحمد فى المسند ٢/٢٥٨، ٢٩٥، ٣٠٢، ٣٠٣، والبخارى فى الأدب المفرد ١/٣٠٩ رقم ٢١٨، والحديث صححه الشيخ أحمد محمد شاكر فى تحقيقه للمسند ١٣/٢٤٦ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
1 / 2
كلمة شكر وتقدير
... انطلاقًا من قول الله ﷿: ﴿أن اشكر لى ولوالديك إلىَّ المصير﴾ (٤)، وقول رسول الله ﷺ: "لا يَشْكُرُ اللهَ منْ لاَ يَشكُرُ الناسَ" (٥) .
أحمد الله ﷿؛ أن جعلنى تلميذًا من تلاميذ هذه المدرسة المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، وأن منَّ علىَّ بالبحث فى هذا الموضوع الجليل، والحمد لله أولًا وآخرًا على عونه وتوفيقه لإتمام هذا البحث، وأسأله ﷿ أن يتقبله خالصًا لوجهه الكريم.
وأتقدم بجزيل الشكر وعرفان الجميل لوالدىَّ، اللذين شملانى برعايتهما وعطفهما حتى تمكنت من إتمام هذا العمل، أدعو الله ﷿ أن يغفر لهما ويرحمهما، وأن يبارك فى دينهما، وبدنهما، وأموالهما، وأن يجعل ذلك فى ميزان حسناتهما يوم القيامة.
كما أتقدم بجزيل الشكر وعرفان الجميل، لأستاذى وشيخى الجليل، فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد المهدى عبد القادر، على الرعاية والعناية التى شملنى بها، ما أعجزنى عن أداء شكره.
وهذا البحث مدين لفضيلته منذ أن كان أطروحة وحتى تمت الموافقة عليه، والبحث وصاحبه ثمرة من ثمرات غرسه المبارك.
وأخيرًا: لا أملك إلا أن أدعو الله ﷿ أن يبارك فى دينه، وبدنه، وأهله، وولده، وماله، وأن يجزيه عنى وعن الإسلام خير الجزاء.
ثم إن أجمل الشكر وأحسنه لمشايخى وأساتذتى الأجلاء، بكلية أصول الدين المباركة، على ما قدموا لى من عون على الموافقة على اختيار هذا الموضوع، وعلى ما قدموا لى من توجيهات وإرشادات، وتشجيع دائم، حتى تمكنت من إتمام هذا العمل. وإن استطردت لذكر أسمائهم لطال بى المقام ولكن مالا يدرك كله، لا يترك جله، فأخص بالذكر منهم؛ فضيلة الأستاذ الدكتور/ عزت عطية أستاذ ورئيس قسم الحديث بالكلية، والأستاذ الدكتور/ مروان شاهين، والأستاذ الدكتور/ بهاء الشاهد، الأساتذة بقسم الحديث بالكلية، فلهم ولسائر مشايخى وأساتذتى منى جزيل الشكر، وصالح الدعاء، وجزاهم الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
ولا يفوتنى أن أتقدم بجزيل الشكر، وعرفان الجميل، لكل من كانت له يد عون أو نصح أو إرشاد، أو توجيه، أو غير ذلك حتى أنجزت هذه الرسالة.
الله ﷿ أسأل أن يجزي الجميع عني، وعن الإسلام خير الجزاء
وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه.
1 / 3
المقدمة
... الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير، الحمد لله رب العالمين الذي هدانا وعلَّمنا، ومنَّ علينا، وتفضل ببلوغ المراد من خدمة سنة سيد المرسلين، التي فسرت الكتاب الكريم،، وبينته للناس، وحيًا بوحي، ونورًا بنور، فاكتمل بهما الدين القويم، والصراط المستقيم.
... اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب العالمين، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت علي نفسك.
... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وعصمه في دينه وخلقه، ليكون أمينًا علي وحيه، مبينًا لكتابه، خاتمًا لأنبيائه ورسله، ولتقوم به الحجة والقدوة علي هذه الأمة إلي يوم الدين.
... اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلي آله، وصحبه البررة الأوفياء، أئمة الدين، وصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين.
... ورضي الله عمن تبع سنتهم، وسلك طريقتهم، واقتفيَ أثرهم، ونصرهم إلي يوم الدين.
ثم أما بعد
... فإن الله تعالي يقول في كتابه العزيز: ﴿قل الحمد الله وسلام علي عباده الذين اصطفي﴾ (١) ويقول سبحانه: ﴿وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار﴾ (٢) .
... إن رب العزة في هاتين الآيتين ونحوهما، يبين لكافة عباده أنه اختار واصطفي من خلقه أناسًا أخيارًا، عصمهم في ظاهرهم وباطنهم، ورضاهم وغضبهم قبل النبوة وبعدها، لما علمَه ﷿ فيهم من أنهم سيكونون هداة للخلق يخرجونهم من الظلمات إلي النور، ويهدونهم إلي صراط العزيز الحميد.
... وهذا الاصطفاء الذي يتحدث عنه رب العزة، هو اصطفاء وهم لا يزالون في عالم الغيب لم يخلقوا بعد.
_________
(١) الآية ٥٩ النمل.
(٢) الآية ١٧ ص
1 / 4
.. وهو ما يُظهر أن عصمة سيدنا رسول الله ﷺ، وسائر الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام – مبنية على إرادة إلهية يمتنع معها وقوع المعصية منهم.
... ويقول ﷿: ﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءَنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُرًا من قبله أفلا تعقلون﴾ (١) .
... ففى قوله: ﴿فقد لبثت فيكم عُمُرًا من قبله﴾ يقدم رب العزة حياة رسوله ﷺ، وسيرته الطاهرة قبل بعثته، دليلًا على عصمته ونبوته. والمعنى فى الآيتين: إنى جئتكم بالقرآن عن إذن الله لى فى ذلك ومشيئته وإرادته، والدليل على أنى لست أتقوله من عندى ولا افتريته؛ أنكم عاجزون عن معارضته، وأنكم تعلمون صدقى وأمانتى منذ نشأت بينكم إلى حين بعثنى الله ﷿، لا تنتقدون علىَّ شيئًا تُعِّيرونى به. ولهذا قال: ﴿فقد لبثت فيكم عُمُرًا من قبله أفلا تعقلون﴾ أى: أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل!
... والقارئ لسيرة سيدنا رسول الله ﷺ، لا يشك فى عصمته فقد كانت نشأته ﷺ، منذ ولدته أمه إلى أن بعثه الله ﷿ رحمة للعالمين، أكمل نشأة، تولاه الله تعالى فأدبه، ورباه فكمِله، ورعاه فحفظه مما كان يشين حياة قومه من وثنية، وعادات مستقبحة، حتى غدا أكمل إنسان فى بشريته، فلم تعرف له فى سيرته هفوة، ولم تحص عليه فيها زلة، بل إنه امتاز بسمو الخلق، ورجاحة العقل، وعظمة النفس، وحسن الأحدوثة بين الناس، ثم نبأه الله تعالى وبعثه، فنمت فيه هذه الفضائل وترعرعت حتى أصبحت حياته فريدة فى تاريخ هذه الحياة الدنيا.
_________
(١) الآيتان ١٥، ١٦ يونس.
1 / 5
.. فمن أين له هذا؟ وهو اليتيم الذي تعرض منذ طفولته لمحنة اليتم والفقر! وهو الأمي الذي لم يجلس طيلة حياته إلي معلم يثقف عقله! وهو الذي نشأ في بيئة سيطرت عليها الجاهلية سيطرة كاملة في مجال العقيدة والفكر، وفي مجال الأخلاق والسلوك، وطبعت الناس بطابعها البغيض حتي لا تكاد تجد إنسانًا يسلم من وراثة البيئة، وعدوي التقاليد الجاهلية الموروثة عن الآباء والأجداد. فكيف نجا سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من تلك المؤثرات القوية؟.
... إنك لا تستطيع أن تدرك سر كمال عقله وعقيدته وأخلاقه، وبراءته من كل نقائص ومثالب بيئته التي نشأ فيها إلا أن تقول: إنه الإعداد الإلهي للنبوة و﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾ (١) إنها العصمة الربانية التي حفظته صلي الله عليه وسلم من بيئة الجاهلية أربعين عامًا لم يصبه أذي من غبارها، فشب أكمل الناس خَلْقًا وخُلُقًا.
... وشهد له صلي الله عليه وسلم بتلك العصمة ربه ﷿ في عشرات الآيات القرآنية منها إجمالًا قوله تعالي: ﴿قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثني وفرادي ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد﴾ (٢) .
... وقوله سبحانه: ﴿ما ضل صاحبكم وما غوي﴾ (٣) ففي هاتين الآيتين ونحوهما كان التعبير فيها بـ "صاحبكم" تذكيرًا وتقريرًا بأن كفار مكة أعرف الناس به، فرسول الله صلي الله عليه وسلم لم يفارقهم، وهم لم يفارقوه، بل صحبهم وصحبوه، ولازمهم ولازموه، وهذا يفيد أن كفار مكة في اتهامهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعدم العصمة ووصفه بالضلال والجنون والسحر مكابرون، والدليل حاله قبل نبوته حيث صحبتهم له منذ نشأته بينهم، واعترافهم له بالأمانة والصدق، ورجاحة العقل، والخلق القويم.
_________
(١) جزء من الآية ١٢٤ الأنعام.
(٢) الآية ٤٦ سبأ.
(٣) الآية ٢ النجم.
1 / 6
.. وإذا طعن كفار قريش قديمًا فى عصمة رسول الله ﷺ، وتبعهم من لا يعتد بخلافهم من الفضيلية والأزارقة من الخوارج والكرامية وغيرهم، فقد ظهر حديثًا أذيالهم من المنكرين للسنة النبوية، الزاعمين أن رسول الله ﷺ غير معصوم، ويجوز عليه ما يجوز على سائر البشر من الذنوب؛ كما زعموا أن سيرة رسول الله ﷺ الواردة فى السنة المطهرة تختلف عنها فى سيرته فى القرآن الكريم، وأن فى الأحاديث المتعلقة بسيرته ﷺ ما يطعن فى عصمته، ويشوه شخصيته.
... وقد استند هؤلاء المشاغبون فى عصمة النبى ﷺ إلى بعض النصوص القرآنية التى قد يُتوهم من ظاهرها أن رسول الله ﷺ، كان فى ضلال أو غفلة أو شك، وكذلك نصوص ورد فيها بعض التنبيهات الموجهة مباشرة إلى ضمير خطابه ﷺ.
... كما استندوا أيضًا إلى بعض الأحاديث التى قد يتوهم من ظاهرها عدم عصمة رسول الله ﷺ فى عقيدته وقلبه، وبلاغه للوحى، واجتهاده، وسلوكه وهديه.
... وهذا ما دفعنى إلى اختيار موضوع هذه الرسالة: "رد شبهات حول عصمة النبى ﷺ فى ضوء السنة النبوية الشريفة" وقد هدفت من تسجيله إلى عدة أهداف منها:
أولًا: بيان أن عصمة الأنبياء وعلى رأسهم سيدنا رسول الله ﷺ ضرورة دينية، وأنها سبيل حجية وحى الله تعالى من القرآن والسنة.
ثانيًا: أن يكون هذا البحث هاديًا لمن تأثر من أبناء الإسلام بشبهات أعداء السنة حول عصمة رسول الله ﷺ، مما يوجب على من عرف الحق أن يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان.
1 / 7
ثالثًا: إرادة توطيد إيمان المؤمنين، وتقوية محبتهم لرسول الله ﷺ، ومعرفتهم بمكانته العليا، وحفاوة الله تعالى به فى تربيته حتى فى الآيات المتشابهات التى يتعلق بها أعداء الإسلام ومقلدوهم من المسلمين، مما يظهر أن ما ورد من ظاهر تلك الآيات مما يمس عصمته غير مراد.
رابعًا: بيان أن سيرة رسول الله ﷺ الواردة فى صحيح السنة المطهرة تعتبر فى ميزان العقل البشرى والعلمى معجزة، لا تستطيع الأمم جميعها فى الحاضر والمستقبل أن تفعل مثلها، إذ لم يحفظ لنا التاريخ من بين جميع الأمم، حياة رجل منذ طفولته إلى وفاته، مثلما حفظه المسلمون عن رسولهم ﷺ بكل دقة، وبكل حب وإخلاص.
خامسًا: بيان أن أئمة السيرة ورواتها لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة إلا تثبيت ما هو ثابت منها بمقياس علمى دقيق، يتمثل فى قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكل من السند والمتن، وفى قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم؛ ولا تستطيع أى أمة من الأمم فى السابق واللاحق أن تأتى بمثل هذا الميزان العلمى، أو حتى تلتزمه فى ميدان التطبيق العمِلى.
سادسًا: بيان أن سيرة رسول الله ﷺ لها أهميتها فى فهم الإسلام قرآنًا، وسنةً، وحضارةً٠
سابعًا: بيان أن حملة التشكيك فى السيرة العطرة الواردة فى السنة النبوية مرض عقلى، ووباء فكرى، يصيب الحاقدين، وهو مذهب الذين فى قلوبهم مرض، الذين يستهدفون أن يفقد المسلمون الصورة التطبيقية لحياة رسول الله ﷺ، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته، فأحببت أن تكون لى مشاركة فى رد تلك الحملة، وإيقاف زحفها، مع من بذلوا جهودًا فى الدفاع عن السيرة، لحماية حصنها من التهديم والتخريب، راجيًا بذلك المثوبة من الله تعالى.
1 / 8
ثامنًا: بيان أن الباطل مهما لمع بريقه، وتكاتف من ورائه أناس على تقويته، إلا أنه سرعان ما يخفت هذا اللمعان، ولا يجنى أصحاب هذا الباطل من وراء باطلهم إلا الخيبة والخسران.
وما شأن شراذم البغى قديمًا وحديثًا، ومحاولاتهم النيل من سيرة المعصوم ﷺ، وسنته المطهرة، إلا كشأن من قال عنه الأعشى بن قيس:
كناطح صخرة يومًا ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
خطة البحث:
... تتكون خطة البحث فى الموضوع إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة.
أما المقدمة فقد ضمنتها: سبب اختيار الموضوع، وأهميته، وخطة البحث ومنهج البحث فيه.
... أما التمهيد فيشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: التعريف بالعصمة، وبيان دلالتها على حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية، والاقتداء بالنبى ﷺ.
المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام قرآنًا وسنةً، وحضارةً٠
... أما الأبواب فهى:
الباب الأول: عصمة رسول الله ﷺ فى عقله وبدنه ودفع الشبهات ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: عصمته ﷺ فى عقله وبدنه كما يصورها القرآن الكريم والسنة النبوية، ويشتمل على تمهيد ومبحثين:
المبحث الأول: دلائل عصمته ﷺ فى عقله من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
المبحث الثانى: دلائل عصمته ﷺ فى بدنه من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها ويشتمل على تمهيد ومبحثين:
المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى ﷺ فى عقله وبدنه والرد عليها، ويشتمل على تمهيد وخمسة مطالب: ...
المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه ﷺ والجواب عنها.
1 / 9
المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه ﷺ والجواب عنها.
المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله ﷺ بتقوى الله ﷿، ونهيه عن طاعة الكافرين، ونهيه عن الشرك، والجواب عنها.
المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله ﷺ بتعرض الشيطان له والجواب عنها.
المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله ﷺ والجواب عنها.
المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى ﷺ فى عقله وبدنه والرد عليها ويشتمل على تمهيد وخمسة مطالب:
المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره ﷺ" والرد عليها.
المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي" والرد عليها.
المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم" والرد عليها.
المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله ﷺ" والرد عليها.
المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أهجر" والرد عليها.
الباب الثانى: عصمة رسول الله ﷺ فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: عصمته ﷺ فى تبليغ الوحي كما يصورها القرآن الكريم والسنة النبوية، ويشتمل على تمهيد ومبحثين:
... ... المبحث الأول: التعريف بالوحي، وكيفياته.
المبحث الثانى: دلائل عصمته ﷺ فى تبليغ الوحي من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
... الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى والرد عليها، ويشتمل على تمهيد وأربعة مطالب:
1 / 10
.. ... ... المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليها.
المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية والرد عليها.
المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية والرد عليها.
المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها.
المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة النبوية حول الوحي الإلهى والرد عليها ويشتمل على تمهيد وأربعة مطالب: ...
المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله ﷺ قاصرة على بلاغ القرآن فقط والرد عليها.
المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله ﷺ ليست له سنة نبوية والرد عليها.
المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله ﷺ إلا فى القرآن فقط والرد عليها.
المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله ﷺ تأليه وشرك والرد عليها.
الباب الثالث: عصمة رسول الله ﷺ فى اجتهاده ودفع الشبهات ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: عصمته ﷺ فى اجتهاده كما يصورها القرآن الكريم والسنة النبوية ويشتمل على مبحثين:
... ... المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه ﷺ.
المبحث الثانى: دلائل عصمته ﷺ فى اجتهاده من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله ﷺ يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى والرد عليها.
الباب الرابع: عصمة رسول الله ﷺ فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات ويشتمل على تمهيد وسبعة فصول:
الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله ﷺ فى كتب السنة والتاريخ عنها فى القرآن الكريم والرد عليها.
الفصل الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى ﷺ بامرأة من الأنصار" والرد عليها.
1 / 11
الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى ﷺ عند أم سليم وأم حرام" والرد عليها.
الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه ﷺ على نسائه فى ساعة واحدة" والرد عليها.
الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله ﷺ نسائه فى المحيض" والرد عليها.
الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته ﷺ لعائشة رضى الله عنها استماع الغناء والضرب بالدف" والرد عليها.
الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة" والرد عليها.
الخاتمة: وفيها نتائج هذه الدراسة، ومقترحات، وتوصيات، والفهارس العلمية للبحث.
... هذا ولم أتعرض لتحرير مبحث أو مطلب إلا بعد أن رجعت إلى ما أمكننى الاطلاع عليه من الكتب المؤلفة فيه كبيرها وصغيرها، فقد يوجد فى الصغير مالا يوجد فى الكبير.
... ولم أكتب شيئًا إلا بعد أن أعتقد صحته وأطمئن إليه، غير متأثر برأى أحد ممن كتب فيه كائنًا من كان، معاصرًا أو غير معاصر، ولم أتردد فى مخالفته متى تبين لى أنه قد أخطأ، مع بيان وجهة نظرى فى ذلك، ومع احترامى له، واعترافى بفضله، وتقديرى لعلمه، واعتقادى أنه "صاحب آيات، وسباق غايات".
... وقد يؤخذ علىَّ: أنى قد أطلت فى بعض المباحث، أو كررت بعض العبارات، أو أظهرت فى محل إضمار، أو غير ذلك. ولكنى قصدت بهذا كله توفية البحث حقه، وإتمام الفائدة، وزيادة الإيضاح، وعدم وقوع الناظر فى اللبس.
... وإذا كانت الدراسة الموضوعية الصادقة هى تلك التى تعتمد على النصوص والوثائق؛ فقد التزمت هذه الرسالة - إلى حد كبير - بإيرادها كشواهد ودلائل على ما عالجته من مسائل وقضايا.
1 / 12
منهجى فى البحث:
كل ما عرضته فى الرسالة من شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوى قديمًا وحديثًا، المتضمنة الطعن فى عصمة رسول الله ﷺ، فإنى قرنت ذلك بالرد الحاسم الذى يبين بطلان وزيف تلك الشبه والمطاعن معتمدًا فى ذلك على القرآن الكريم والسنة المطهرة، والسيرة العطرة، وكلام أهل السنة قديمًا وحديثًا. فإن كان من جهد فى هذه الرسالة فإنما هو ثمرة الوقوف على أكتاف العلماء، ونتاج المربين الذين ربونا صغارًا، وحملونا كبارًا، والمنة لله وحده، وهو ولى الجزاء، وشكر الله للعلماء بذلهم.
بينت مواضع الايات التى وردت فى الرسالة بذكر اسم السورة، ورقم الآية فى الهامش، مع وضع الآية بين قوسين.
عزوت الأحاديث التى أوردتها فى الرسالة إلى مصادرها الأصلية من كتب السنة المعتمدة، فإن كان الحديث فى الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، بذكر اسم الكتاب، واسم الباب، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث، وأقدم فى التخريج من ذكرت لفظه، مع البيان غالبًا لدرجة الحديث من خلال أقوال أهل العلم بالحديث، أو دراستى للسند، إن كان الحديث فى غير الصحيحين، وفيما عدا ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أو رده.
اعتمدت فى التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى "بشرح فتح البارى" لابن حجر، والمنهاج "شرح صحيح مسلم" للنووى، لصحة متون الأحاديث فى الشرحين، ولصحة عرضهما على أصول الصحيحين، وتسهيلًا للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح، وإتمامًا للفائدة بالاطلاع على فقه الحديث المخرَّج.
التزمت عند النقل من أى مرجع، أو الاستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع فى الفهرست.
عند النقل من فتح البارى، أو المنهاج شرح مسلم للنووى، أذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول، تيسيرًا للوصول إلى الكلام المنقول، نظرًا لاختلاف رقم الصفحات تبعًا للطبعات المتعددة.
1 / 13
اكتفيت فى تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعًا، ولم أخالف فى ذلك إلا فى القليل عندما تقتضى الترجمة الدفاع عن شبهة.
ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شئ من كلامهم، مع ذكر مصادر تراجمهم، بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة.
شرحت المفردات الغريبة التى وردت فى بعض الأحاديث مستعينًا فى ذلك بكتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة، وشروح الحديث.
ثم ختمت الرسالة بفهارس سبعة هى:
فهرس الآيات القرآنية.
فهرس الأحاديث والآثار.
فهرس الأعلام المترجم لهم.
فهرس الأشعار.
فهرس القبائل والبلدان والفرق.
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات التى اشتملت عليها الرسالة.
هذا وإنى – يعلم الله – ما فرطت ولا توانيت، ولا كان منى ميل إلى كسل أو ركون إلى راحة، فإن فاتنى شئ فى أثناء الكتابة، أو لم أذكر أمرًا كان ينبغى ذكره، أو طرأ على سهو أو نسيان، فهذا لأن عمل الإنسان لا يخلو من نقص مهما كانت عنايته. وعذرى فى ذلك ان الكمال المطلق لله ﷿.
ولا أدعى، وليس لى أن أدعى أنى جئت فى هذه الرسالة بشئ كان خافيًا على العلماء والباحثين، وإنما حاولت بعون الله تعالى، جمع كلام الأئمة بين دفتى رسالة واحدة، حيث تتبعت الدرر المنثورة لشريعتنا الغراء فى بطون الكتب، ونظمتها فى سلك واحد، ولم أجد على قلة إطلاعى مَن عالج هذا الموضوع بهذه الصورة.
فما كان فى البحث من صواب، فهو من الله ﷿ وبتوفيقه، وما كان من خطأ فمن نفسى، ومن الشيطان، والله برئ منه ورسوله، ولله وحده الكمال والعزة والجلال.
وفى الختام: الحمد لله رب العالمين؛ على عونه وتوفيقه لإتمام هذا البحث حيث سهل لى صعبه وذلل أمامى عقباته.
1 / 14
.. وإنى لأرى لزامًا على أن أسجل هنا وافر شكرى وعظيم تقديرى، وصادق دعواتى لشيخى وأستاذى الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد المهدى عبد القادر عبد الهادى، إذ كان أول من أشار علىَّ بالكتابة فى هذا الموضوع، ثم أحاطه بدقيق ملاحظاته، وكامل متابعاته، وجليل تصحيحاته، فى مدة جمعه وتحريره، يقرأه المرة تلو الأخرى، ويضفى عليه كمالًا وجمالًا فى الحين بعد الآخر، حتى جاء على هذا النحو الذى هو عليه، والذى أرجو أن يسر قارئيه، ويفيد طالبيه ومبتغيه؛ فلفضيلته منى جزيل الشكر وصالح الدعاء، وجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
ولا يفوتنى فى هذا المقام أن أقدم شكرى أيضًا: لكل من أفادنى من مشايخى وزملائى بكتاب، أو إرشاد، أو أى نوع من المساعدة.
اللهم تقبل هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم، اللهم اجعلنى جندًا من جنود كتابك، جندًا من جنود سنة نبيك ﷺ، اللهم لا تجعلنى شقيًا ولا محرومًا، اللهم لا تعذب لسانًا يخبر عنك، ولا عينًا تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدمًا تمشى إلى طاعتك، ولا يدًا تكتب حديث رسولك وصفيك ﷺ. اللهم لا تدخلنى النار، ولا تفضحنى فيها، فقد علم أهلها أنى كنت أذب عن دينك، وأدافع عن شرعك، وأظهر مكانة وحيك، وأبين عظمة وعصمة نبيك وخليلك وصفيك ﷺ.
اللهم اجعلنى وما عملت من عمل صالح فى ميزان أبوىَّ، واغفر لهما، وأكرمهما، وارحمهما كما ربيانى صغيرًا، وألبسهما حلة الكرامة، وشفع فيهما كتابك ونبيك.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ومولانا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الراجى عفو ربه الغفور
عماد الشربينى
1 / 15
التمهيد
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: التعريف بالعصمة، وبيان دلالتها على حجية القرآن الكريم والسنة النبوية، والاقتداء بالنبى ﷺ وينقسم إلى ما يلى:
أولًا: التعريف بالعصمة لغة وشرعًا، وبيان مواضعها من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثانيًا: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.
ثالثًا: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى ﷺ.
المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام قرآنًا وسنة وحضارة. وينقسم إلى ما يلى:
... أولًا: أهمية السيرة النبوية العطرة فى فهم القرآن الكريم.
... ثانيًا: أهمية السيرة النبوية فى فهم السنة النبوية.
... ثالثًا: أهمية السيرة النبوية فى إثبات أن للمسلمين تاريخًا وحضارةً.
المبحث الأول: التعريف بالعصمة، وبيان دلالتها على حجية القرآن الكريم
والسنة النبوية، والاقتداء بالنبى ﷺ
... وينقسم إلى ما يلى:
أولًا: التعريف بالعصمة لغة وشرعًا، وبيان مواضعها من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثانيًا: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.
ثالثًا: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى ﷺ.
أولًا: التعريف بالعصمة لغة وشرعًا
وبيان مواضعها من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
أ- المعنى اللغوى:
... العصمة وردت فى اللغة لعدة معان منها:
١- المنع. ... ... ٢- الحفظ.
٣- القلادة. ... ... ٤- الحبل.
... قال صاحب اللسان: "العصمة فى كلام العرب المنع، وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يوبقه، يقال عصمه، يعصمه، عصمًا: منعه ووقاه.
... وبهذا المعنى جاءت الكلمة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة.
1 / 16
قال تعالى على لسان سيدنا نوح ﵇ وابنه: ﴿يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين﴾ (١) وقال تعالى على لسان امرأة العزيز: ﴿ولقد راودته عن نفسه فاستعصم﴾ (٢) وقال سبحانه فى حق سيدنا محمد ﷺ: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾ (٣) وقال تعالى: ﴿قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءًا أو أراد بكم رحمة﴾ (٤) وفى الحديث قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به. فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله" (٥) والعصمة القلادة، وفى اللسان أيضًا أصل العصمة: الحبل وكل ما أمسك شيئًا فقد عصمه" (٦) .
... وبالإمعان فى هذه المعانى جميعها ترى أنها ترجع إلى المعنى الأول الذى هو "المنع" فالحفظ منع للشئ من الوقوع فى المكروه أو المحظور، والقلادة تمنع سقوط الخرز منها، والحبل يمنع من السقوط والتردى.
_________
(١) الآيتان ٤٢، ٤٣ هود.
(٢) جزء من الآية ٣٢ يوسف.
(٣) الآية ٦٧ المائدة.
(٤) الآية ١٧ الأحزاب.
(٥) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله... الخ ١/٢٣٣ رقم ٢٠، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد، باب دعاء النبى ﷺ الناس إلى الإسلام والنبوة... الخ ٦/١٣٠ رقم٢٩٤٦ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(٦) لسان العرب لابن منظور ١٢/ ٤٠٣ – ٤٠٥، وينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٤/٣٣٢، ومختار الصحاح للرازى ص٤٣٧، والقاموس المحيط للفيروز آبادى ٤/١٤٨، ١٤٩، والمصباح المنير لأحمد الفيومى ٢/٥٦٦.
1 / 17
.. وعلى المعنى الأول دار كلام حُذَاق المفسرين والأثريين، قال الإمام الطبرى (١) فى تفسيره لقوله تعالى: ﴿ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم﴾ (٢) قال: "وأصل العصم: المنع، فكل مانع شيئًا فهو عاصمه. والممتنع به معتصم به" (٣) وقال تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله﴾ (٤): يقول سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء فيمنعنى منه أن يغرقنى. ويعنى بقوله (يعصمنى) يمنعنى، مثل عصام القربة الذى يشد به رأسهما فيمنع الماء أن يسيل منها (٥) وفى قوله تعالى: ﴿قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءًا أو أراد بكم رحمة﴾ (٦) قال: من ذا الذى يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءًا فى أنفسكم (٧) .
_________
(١) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبرى، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، كان من الأئمة المجتهدين، ولم يقلد أحدًا، وكان إمامًا فى فنون كثيرة منها: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وغير ذلك، توفى سنة ٣١٠هـ له ترجمة فى: تاريخ بغداد للخطيب البغدادى ٢/١٦٢ رقم ٥٨٩، وطبقات المفسرين للداودى ٢/١١٠ – ١١٨ رقم ٤٦٨، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير ١/٢٢٢ رقم ٢٢.
(٢) الآية ١٠١ آل عمران.
(٣) جامع البيان عن تأويل آى القرآن ٤/٢٦.
(٤) الآية ٤٣ هود.
(٥) جامع البيان ٦/٣٠٩
(٦) الآية ١٧ الأحزاب.
(٧) جامع البيان ٢١/ ١٣٨.
1 / 18
.. فكلام هذا الإمام - رحمه الله تعالى - يدل على أن مادة (عصم) فى القرآن الكريم حيثما وردت بشتى تصريفاتها تدور على المنع والامتناع، وهو أصلها فى الوضع اللغوى. وقال ابن الأثير (١): العصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامى، والاعتصام الامتساك بالشئ افتعال منه. ومنه شعر أبى طالب (٢) يمدح النبى ﷺ:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... *** ... ثمال (٣) اليتامى عصمة للأرامل
أى يمنعهم من الضياع والحاجة (٤) .
ب- المعنى الشرعى:
... عرَّف المتكلمون والمحدثون من أهل السنة العصمة فى الشرع بتعريفات بعضها يختلف عن بعض لفظًا إلا أن المعنى واحد، وقد يختلف بعضها لفظًا ومعنى، والاختلاف فى المعنى يعود إلى من سلب اختيار المعصوم فى أفعاله، ومن أوجبه.
_________
(١) هو المبارك بن محمد الشيبانى الجزرى، يكنى أبا السعادات، ويلقب مجد الدين، ويعرف بابن الأثير وهو واحد من الأئمة الأعلام فى الحديث والفقه والنحو، قال ابن خلكان: كان فقيهًا محدثًا ورعًا مهيبًا من مؤلفاته الغزيرة والنافعة النهاية فى غريب الحديث، وأسد الغابة وغير ذلك مات سنة ٦٠٦هـ له ترجمة فى: وفيات الأعيان ٣/٢٨٩ - ٢٩١، وشذرات الذهب ٥/٢٢ - ٢٣، وطبقات الفقهاء والشافعيين لابن كثير ٢/٧٧٦، ٧٧٧.
(٢) هو عم رسول الله ﷺ واسمه عبد مناف. مات على دين قومه فى السنة العاشرة من البعثة، ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ٢/٣٠ نص رقم ٤١٦، والبداية والنهاية ٣/٢٤.
(٣) الثمال بالكسر الملجأ والغياث. وقيل هو المطعم فى الشدة. النهاية فى غريب الحديث ١/٢١٦.
(٤) النهاية فى غريب الحديث ٣/٢٢٥، وينظر: السيرة النبوية لابن هشام ١/٣٥٢، ٣٥٣ نص رقم ٢٧١.
1 / 19
.. وهذه التعريفات وإن اختلفت مناحيها فى التعبير، وتنوعت جوانب تناولها لمعنى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنها جميعها تنتهى إلى حفظ الله تعالى إياهم من مواقعة الذنوب والمخالفات بعد البعثة باتفاق المحققين المحقين، وقبل البعثة على التحقيق.
... ولعل من أحسن التعريفات للعصمة وأسلمها ما ذكره صاحب كتاب نسيم الرياض فى شرح الشفا للقاضى عياض بأنها: "لطف من الله تعالى يحمل النبى على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقًا للابتلاء" (١) ومن المستحسن فى تعريفها أيضًا من قال: "هى حفظ الله ﷿ للأنبياء بواطنهم وظواهرهم من التلبس بمنهى عنه، ولو نهى كراهة ولو فى حال الصغر مع بقاء الاختيار تحقيقًا للابتلاء (٢) .
... إن العصمة تعنى حفظ الله تعالى لأنبيائه عن مواقعة الذنوب الظاهرة والباطنة، وأن العناية الإلهية لم تنفك عنهم فى كل أطوار حياتهم قبل النبوة وبعدها، على ما هو المعتمد كما سيأتى تحقيقه، فهى محيطة بهم تحرسهم من الوقوع فى منهى عنه شرعًا أو عقلًا، وصدق القائل حين قال:
وإذا العناية لاحظتك عيونها ... *** ... نم فالمخاوف كلهن أمان
_________
(١) نسم الرياض فى شرح الشفا للقاضى عياض ٤/٣٩، وينظر: التعريفات للجرجانى ص١٥٠، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهانى ص٣٧٧، وفتح البارى ١١/ ٥١٠ رقم ٦٦١١، وشرح العقائد للسعد التفتازانى ١/٢٠٠، وشرح المواقف للجرجانى ٨/٢٨٠، ٢٨١، والمسامرة بشرح المسايرة لكمال بن الهمام ص٢٢٧، والنفحات الشذية فيما يتعلق بالعصمة والسنة النبوية لمحمد الطاهر الحامدى ص١٨ – ٢٠.
(٢) شرح الخريدة مع حاشية الصاوى للدردير ص١٠٤ بتصرف، وينظر: إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد بهامش حاشية محمد الأمير على جوهرة التوحيد ص١١٤.
1 / 20