احذروا من اتخذ السياسة حرفة والسيادة بابا للارتزاق؛ فإن المعدة والأهواء والمطامع تنسيهم الشعب والدستور والحرية.
احذروا المصلحين الكاذبين الذين يتزلفون من الشعب اليوم كما كانوا أمس يتزلفون من السلطان ووزرائه، فإن طالب الوظيفة واحد، إن أحرق بخوره أمام الباشاوات أو أمام الجماعات.
تحذروا من جهل الشعب العاتي كما كنتم تتحذرون البارح من ظلم الحكومة العاتية، فالتاريخ شاهد على ما ارتكبه الشعب باسم الحرية من المظالم والفظائع، واحذروا في انتخاب المبعوثين نفوذ رجال الدين فالعضو الذي ينتخبونه يؤثر في المابين مصلحتهم على مصلحة الأمة. احذروا أيضا نفوذ الأغنياء الذين لا يهمهم من الحرية والدستور سوى ارتفاع الأسعار في البورص وهبوطها. إذا شبع الزنجي بال على التمر.
احذروا من ينتمي إليكم اليوم ممن يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن الحق، أولئك الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها في سبيل الأمة والوطن والخير العام.
وبكلمة أعم: احذروا الحرية التي لا ينيرها التهذيب والتهذيب الذي لا تنيره الحرية. (4) الثورة الأدبية
11
سادتي وسيداتي
قبل أن أبدأ بالكلام أطمئنكم ألا أكلمكم هذه الليلة بالرموز والألغاز، بل في نيتي أن أجرد الأشياء من زيناتها وأسميها بأسمائها، فإن ذكرت العقاب مثلا لا تظنوني أشير إلى شيء خفي تحته أو فوقه أو وراءه أو فيه بل أريد العقاب بعينه، وإن قلت: هبت الشرقية، فلا تقولوا ما أجمل هذا الصور الخيالية، فإني أقصد النار الحقيقية تلك التي لو مر العقاب فوقها لوقع فيها مشويا. قد حان لنا أن ندعو المعول معولا - على حد قول إخواننا الأميركيين - وبناء على ذلك سنبقى على الأرض هذه الليلة بعيدين عن القمر والجوزاء وعن تبرقش الشعراء.
لما وقفت أمامكم في السنة الماضية شعرت بوجودي معكم في غور الحياة، بل في أردن الموت، وأما الآن فأراني - والحمد لله - أخاطبكم وأنتم في سهول الصحة تستنشقون هواء الحرية، فمن أردن الموت إلى سهول الحياة وحقول الحرية إنها لخطوة خطيرة، ولكنها صغيرة، هي خطوة إلى الأمام ولكنها لا تغني عن رحلتنا الطويلة شيئا من الإقدام فإن حولنا وجهنا إلى مشرق الشمس نرى الجبال قائمة في طريقنا لا تعترضنا في سيرنا بل لتشحذ منا الهمة وتوقظ فينا النشاط.
وكلما صعدنا في جبل نشاهد فوقنا روح ما تجسد من الآمال، وهي تدعونا إلى ما فوقها من الجبال، وإن الأمة التي تستيقظ من سباتها وتنفض عنها غبار فتور الأجيال ينبغي لها أن تواصل السير بالسرى وإلا تقهقرت فسقطت ثانية في الوهدة التي قامت منها. ولا يخفى عليكم أن الطريق وعرة، والزاد قليل، والنفس مضناة من إقامتها طويلا في الغور، والأحمال ثقيلة، والأدلاء كثيرون، ولكننا سنتوقف - إن شاء الله - في مسيرنا على رغم هذه الصعوبات والعقبات إذا اتخدنا شمس العلم دليلنا، والآداب والفنون زادنا.
अज्ञात पृष्ठ