فقال المستر ولز - مجيبا سؤالي: أضف إلى العلوم دينك هذا، ولا أظن أن أمة من الأمم تحتاج أكثر من ذلك - إذا عملت به - لرقيها وعمرانها.
سوريا ولبنان
لا شيء بلا شيء
حقوق الشعوب الصغيرة، حرية الشعوب الصغيرة، استقلال الشعوب الصغيرة؛ كلمات يرددها اليوم السياسيون والمصلحون في العالم المتمدن، ويردد صداها زعماء الشعوب الصغيرة وكتابهم دون أن يدركوا أسبابها ويتدبروا معناها. ونحن السوريين من هؤلاء الشعوب وفينا من مرددي الصدى كثيرون، منهم المتحمس السليم النية الذي يقيس أمور بلاده بأمور بلاد أقام فيها وجهل تاريخها وتقاليدها، ومنهم الشاعر الناثر الذي يظن أن الكمالات في نظم القصائد وتحبير المقالات، ومنهم الصحافي الذي لا يهمه من الوطنية والاستقلال إلا ما جاء منهما في شكل الدينار، ومنهم التاجر الذي يجهل حتى تاريخ بلاده ولا يعلم من حوادث الماضي والحاضر إلا ما تنشره وتمسخه الجريدة التي يطالعها. وكلهم وطنيون إما قلبا وإما قالبا فقط، كلهم على اختلاف نزعاتهم وتباين مقاصدهم، ينشدون الحرية ويطلبون الاستقلال.
وقد فاتهم أن لا شيء بلا شيء، لا شيء مجانا.
حقوق الشعوب الصغيرة، حرية الشعوب الصغيرة، استقلال الشعوب الصغيرة. مليح. على الرأس والعين، وقد طالما بشرنا بهذه المبادئ وطالبنا بها بين قومنا في الوطن - حتى في عهد عبد الحميد - وبين الأميركيين في هذه البلاد، ولكنه، وإن أكبرنا نظرية فيها الحقيقة، لا يفوتنا عملية فيها حقيقة أخرى، فمن النظريات التي نعتقد بها ونثبتها في الناس باللغتين العربية والإنكليزية أن ينبغي أن يكون للشعوب الصغيرة ما للشعوب الكبيرة من الحقوق المدنية والسياسية والدينية والاجتماعية.
على أنه إذا طالعنا التاريخ وتدبرنا مغزاه يتضح لنا أن الشعوب الكبيرة إنما نالت حقوقها بالسعي والجهاد، بالعلم والتهذيب، بالتضحية والمفاداة، وأن لها من القوة المادية والمعنوية ما يمكنها من حفظ هذه الحقوق والدفاع عنها عندما تهضم أو تمتهن، أجل، قد نالت حقوقها بالسيف وصانت حقوقها بالسيف، هذا ما يعلمنا التاريخ، هذا ما تعلمنا حوادث اليوم، بل هذا هو معنى الحرب الحاضرة.
وما كان في الماضي بالنظر إلى هذه الأصول الاجتماعية والوطنية سيكون أيضا في المستقبل، فكيف ننال حقوقنا نحن السوريين؟ أنظن أنها تجيئنا مجانا من هذه الدولة أو من تلك الأمة؟ أنظن أنها تهدى إلينا لوجه الله أو من أجل الإنسانية والمبادئ الدموقراطية؟ لا شيء بلا شيء، لا شيء مجانا، الحرية لا تشرى إلا بالدم، الاستقلال لا ينال إلا بالتضحية.
إذا طلبنا الحرية والاستقلال إذن فبالسيف ينبغي أن نطلبهما، وإذا تم لنا ذلك فبالتهذيب والوحدة الوطنية نحافظ عليهما، قف معنا عند هذا أيها القارئ ... إننا لا نكتب شغفا بالكتابة ولا نتحرى في ما نكتبه مجرد الألفاظ الرنانة والتنميق الفارغ. إن في كل كلمة فكرا نريده ونحب أن نقدمه جليا للقراء، قلنا بالسيف ينبغي أن نطلب حريتنا، أما إذا طلبناها اليوم بغير السيف، إذا طلبناها بالكلام، بالكتابة، بالعرائض، وإن كنا متحدين في ما نطلب، فلا ننال منها إلا شبه الحرية. أي: الحرية الناقصة المقيدة بإرادة من ساعدونا لننالها والمقيدة كذلك بمصلحتهم السياسية، وهذا معقول؛ لأن الطبع البشري وإن تغيرت الحكومات لا يتغير، ومن الحقائق الطبيعية أن كل شيء بين الناس وبين الأمم متبادل، لا شيء بلا شيء، لا شيء مجانا.
أنت مثلا مظلوم، وظالمك أقوى منك، فلا تستطيع وحدك أن تنال حقك منه، ترى نفسك بين أمرين، الطاعة أو التمرد، فتعيش في الحال الأولي عبدا وقد تموت في الثانية حرا. أما إذا أحببت أن تعيش حرا فتستعين على الظالم بجارك القوي، فيقول لك الجار: يدي ويدك عليه، فإذا قلت: لا أستطيع أن أقاتل، يقول هو في نفسه سأقاتل إذا عنه وأتقاضاه من عمله وحريته شيئا لقاء ما سأبذله في سبيله. وقد يقول لك: سأقاتل إذا عنك من أجل الإنسانية، فتقول: نعم الجار، لو لم يكن دمي من دمه لما كان يقاتل عني ليحررني من ربقة الظلم. ولكن الحقيقة هي أنه لا يقاتل عنك إلا إذا كان له غرض فيك.
अज्ञात पृष्ठ