من بعض شمائِله، بطبعٍ أرقّ من بُرْد النسيم هلْهَلَه الشَّمال، وأصْفى من رِيق مُدامَةٍ صفَقها العَذْب الزّلال، فدارتْ بيننا شَمُول آدابٍ ظلَّ لها ثَغْرُ الأنس باسمًا، وانتظمتْ عقودُ عُهُودٍ كان لها كفُّ المودَّةِ ناظمًا، ولمَّا يرْضَ مُقامَه بحلب، وفطَم أملَه مما أدرَّ الدهر له بها وحلب، لأن زامِرَ الحيِّ لا يُطرب، وما كل حاملةٍ إذا أُنْتِجَتْ تُنجِب، سار عنها وسلك الطريق، حتى نزل بين وادي العُذَيْب والعَقِيق، فلما أخذ الله كريمَتيْه، وعوضه جنَّةَ عَدْن لديه، تربَّعتْ أقدامُ أقدامِه، وقد سُقِط في يديْه، فقد ينتظر دعوتَه حتى تلقَّاه، وإن كان مع الرَّكب اليمانين هَواه.
على المرءِ أن يسْعَى لما فيه نفعُه ... وليس عليه أن يساعِدَه الدَّهْرُ
فما دار بيننا من كؤس الأدب، ما كتبتُه إليه وقد قدم من حلب:
حَتَّى مَ يغزوني صُدودُه ... والصبرُ قد كُسِرتْ جنودُهْ
سكرانُ من ألحاظِه ... قامتْ على قلبي حُدودُهْ
وسَقيمِ طَرْفٍ لم تزلْ ... أبدًا لواحِظُنا تعودُهْ
برَقتْ بوارقُ وَصْلهِ ... والهجرُ قد خَرِستْ رعودُهْ
غصنٌ تَمِيلُ به الصَّبا ... في كُثْبِ أرْدَافٍ تَئُودُهْ
لم أدْرِ فاتِرُ جَفْنِه ... والخِصْرُ أسْقَمُ أم عهُودُهْ
نَشوانُ يعبثُ بي كما ... عبَثْت بآمالي وُعودُهْ
لولا مِياهُ الحُسْنِ جا ... لتْ فيه لاحترقَتْ خدودُهْ
1 / 79