राय फ़ी आबी अला
رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه
शैलियों
ولم أعرض عن اللذات إلا
لأن خيارها عني خنسنه
وهكذا يصر أبو العلاء على أن يحسن فهم نفسه، ويرد فعاله إلى أصولها النفسية، كما أصر على أنه عاش كسائر الناس، ولها كما لهوا وجد كما جدوا، فليس من الخير في شيء أن يعلل فعله بالفلسفة والتفلسف والدعاوى الواسعة.
تغاير آرائه ظاهرة نفسية
انتهت حياة أبي العلاء على هذه الحال التي صار إليها في دوره الثاني، فأمضى حياة كلها إنكار للواقع واستعلاء عليه، ورغبة في تكميل ما نقصه، فيوما ينكر آفته ويوما ينكر بشريته، حينا يطلب الدنيا بغير آلتها، وآنا يخرج نفسه من الدنيا وهو فيها، ذكاؤه دافع، وآماله واثبة، واقعه قاس، ونقصه غير يسير، ورغبته في التكمل جامحة، فهو ونفسه أبدا في جذاب كما قال:
إني ونفسي أبدا في جذاب
أكذبها وهي تحب الكذاب
1: 123
وفي هذه الحال النفسية واجه أبو العلاء الحياة في حس مرهف وشعور دقيق، وروح ساهرة، وراح يدون خواطره تدوينا موسعا مفصلا دقيقا شاملا للعوالم النفسية المختلفة التي تمر به ويمر بها، مدركا في دقة أخفى غوامض هذه العوالم النفسية، فهل يستغرب بعد ذلك أن يغضب هذا الرجل، فيواثب القدر، ويهاجم الأقداس، ويلعن الناس، أو أن ينظر إلى حاله، فيرى الأمر حظا واتفاقا لا غير، ويلعن هذا الحظ؟ أو أن يروض نفسه فتلين حينا وتسخر من الحياة ومن فيها، ومن متع الدنيا والمتقاتلين عليها، وتشوه ذلك تشويه زاهد، ممعن في التجرد والتخلي، أو أن تشعر هذه النفس الدقيقة بالحياة الواقعة كما أخضعت الناس، وخضعوا لها، فتحلل من ذلك ما تحلل تحليلا بارعا، وتصفه وصفا قديرا، أو أن تلجأ هذه النفس إذا قسا عليها الواقع إلى فسيح الرحمة الإلهية ورحب العوالم السماوية؟ لا بعد في شيء من ذلك، ولا غرابة أبدا، بل شأن النفس المكبوتة هذا الكبت المتطلعة ذلك التطلع أن تتنقل مثل هذا التنقل.
ولو أن رجلا عاديا خالصا من هذا الصراع الدائم في نفس أبي العلاء قد راح يدون خواطر نفسه في شعور تام بها، وتتبع متنبه لها، واستيعاب شامل لعوالمها، لمر في الحياة بنواحي مختلفة، تختلف بها خواطره، ولخرج بشبيه لما قاله أبو العلاء يختلف فيه مرحه عن غضبه، وهزيمته عن نجاحه، وفرحه عن حزنه، فكيف بأبي العلاء وهو يتردد بين أمرين أحلاهما مر؛ بل هما مرير وأمر، واقع قاس وإنكار جريء؟
अज्ञात पृष्ठ