राय फ़ी आबी अला

अमीन खुली d. 1385 AH
220

राय फ़ी आबी अला

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

शैलियों

ليكن أبو العلاء رجلا ملما بالأبحاث الفلسفية والمذاهب، وليكن قد ضمن شعره هذه المذاهب والأبحاث أو شيئا منها، أو ليكن أبو العلاء حكيما كأولئك الحكماء الذين عرفهم العرب في الجاهلية، ورأوا في أشعارهم ثمار تجارب، وخلاصة فكر، وجمل حقائق عملية. ليكن أبو العلاء شيئا من ذلك أو ما يشبهه. أما أن يكون فيلسوفا يتخذ البحث والتفكير العقلي عملا له، ويعتمد في ذلك على مقدرة منطقية عقلية فما أظن وما أظن ...! فليس على المنطق العقلي تعرض أقواله، ويحكم بتناقضها، ويلتمس لها التعليل.

إنما أبو العلاء رجل وجداني، أديب متفنن، أو هو واعظ وخطيب أحيانا كما سترى. وكل أولئك مما يراض بمنطق الوجدان والعاطفة، لا بغيره من منطق العقل والفكر، فلنسأل على ضوء هذا التقدير.

لماذا تناقض أبو العلاء؟

1

لماذا تناقض الأديب المتفنن في نثره وشعره هذا التناقض الشامل، الذي عم الدين والدنيا، والأدب، والعلم، والفلسفة حينما يعرض لشيء منها؟ إن للقدماء - عند نظرهم في الدينيات واضطراب الرجل فيها - تعليلا أدبي الأصل والمرجع، هو ما ساقه الذهبي عن ابن سلفة؛ إذ يقول: من عجيب رأي أبي العلاء، تركه تناول كل مأكول لا تنبته الأرض شفقة بزعمه على الحيوانات، حتى نسب إلى التبرهم، وأنه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع وإنكار الرسل، وتحريم الحيوانات وإيذائها، حتى الحيات والعقارب؛ ففي شعره ما يدل على غير هذا المذهب، وإن كان لا يستقر به قرار، ولا يبقى على قانون واحد، بل يجري مع القافية إذا حصلت كما تجيء لا كما يجب.

1

تعليل باندفاع الشاعر ومتابعة القافية دون تحرج، وقد يكون لهذه المتابعة بعض التأثير، وبخاصة إذا ضم إليها ميل أبي العلاء للصنعة اللفظية، وإدارة المعنى على التحسين اللفظي وصنعة البديع الشكلية.

ولكن مثل هذا التعليل لا يكفي ولا يقنع، بل هو أهون من أن يوقف عنده؛ ذلك لأن الرجل يتناقض في النثر كما يتناقض في الشعر، يناقض بعض نثره بعضا كما يناقض بعض شعره بعضا، وكما يناقض نثره شعره، وليس هذا النثر بالقليل، بل هو فيما وصل إلينا يضاهي شعره. فهل يعلل هذا كله بالخضوع للقافية، أو الجريان معها إذا حصلت كما تجيء؟! أحسب أن هذا تعليل لا يصلح حتى في متقابلات شعره وحدها؛ لأن صاحبنا ليس بالذي تغلبه القافية أو تضيق به، وهو الذي التزم ما لا يلزم، ونظم الآلاف من الأبيات، لم يتجل فيها ضيق النفس، ولا قلق القافية ... ثم هو في كل حال تعليل سطحي ممن يدرس رجلا كشاعرنا أقحم نفسه والفن في كل شيء، ثم هو في الوقت نفسه تعليل لا يستقيم في متقابلات النثر، وقد رأيتها فيما سقنا من الشواهد الوافرة المستوفاة تساوق متقابلات الشعر، وتجيء معها في كل موضوع، فلا يمكن الوقوف عند هذا التعليل، بله الاكتفاء به في درس متفنن كبير كأبي العلاء، وإنه لتعليل يكشف عن سطحية الدراسة الأدبية، وذهابها مع الظواهر المتبادرة القاصرة ذهابا لن يتيسر لنا معه تفهم شيء من هذا الأدب تفهما جديرا بأهميته الفنية وقيمته الحيوية، وهو - كما قلت وأقول دائما - فهم الأدب والأديب في الألفاظ والظواهر الخارجة التافهة الخادعة، لا في الكيان النفسي والوجود الفني.

2

على أنا نجاوز هذا التعليل الذي يبدو أن القدماء أرادوا به أن يخففوا التبعة في الناحية الدينية، أو أن يقولوا فيها شيئا ما، يسكت الناقدين أو يهون وقع ما أثر عن أبي العلاء في هذا الجانب الديني الذي تتأثر به النفوس في ذلك العصر تأثرا قويا، وتنتبه إليه أكثر مما تنتبه إلى غيره، فتعنى به، وتلتمس فيه المعاذير. وفي هذه السبيل يفصلون الجانب الاعتقادي من حياة الإنسان عن سائر حياته النفسية، أو قل: إنهم يفضلونه ويهتمون به أكثر من جوانب النفس الأخرى، على حين لا نرى نحن من الصواب في شيء ما، الفصل بين حياة الإنسان الاعتقادية والفنية - أو الوجدانية بعامة - وحياته العقلية الفكرية؛ لأنها كلها من الناحية النفسية متصلة متفاعلة.

अज्ञात पृष्ठ