وقوله تعالى ١: ﴿وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه﴾ فقد قيل: المراد به: ما يثقل ويشق، بحيث يكاد يفضي إلى إهلاكه، كقوله تعالى: ﴿اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُم﴾ ٢. وكذلك قال النبي ﷺ في المماليك: "لا تكلفوهم ما لا يطيقون" ٣.
وقوله تعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَة﴾ تكون إظهارًا للقدرة٤.
١ من هنا سيبدأ المصنف في الرد على الأدلة التي استدل بها أصحاب المذهب الأول، وهم المجوّزون للتكليف بالمستحيل.
وبيان ذلك: أن المستدلين بالآية قالوا: "بأن المحال لا يسأل دفعه، فإنه مندفع بذاته" فأجاب المصنف: بأن الآية لا تدل على جواز التكليف بما لا يطاق، إذ قد يقع السؤال بما لا يجوز على الله غيره نحو قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء: ١١٢] .
ولم يدل دليل على أن الله -سبحانه- يجوز أن يحكم بالباطل.
وتمدح -سبحانه- بقوله: ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد﴾ [ق: ٢٩] مع أنه لا يجوز عليه الظلم.
ولئن سلمنا أن المحال لا يسأل دفعه، فإنهم سألوا أن لا يكلفهم ما يشق عليهم، وهذا متعارف في اللغة أن يقول الشخص لما يشق عليه: لا أطيقه، لأنهم علموا جواز تكليف ما لا يطاق فسألوا نفيه" انظر: نزهة الخاطر "١/ ١٥٥".
٢ سورة النساء من الآية: ٦٦: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ .
٣ حديث صحيح: رواه البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بروايات مختلفة. ولفظ مسلم باب صحبة المماليك عن أبي هريرة ﵁ أنه ﷺ قال: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". انظر: فيض القدير جـ٥ ص٢٩٢.
٤ أي: لا بمعنى أنه طلب من المعدوم أن يكون بنفسه.