يقولُ لنا لسانُ الحالِ منهُ ... وقولُ الحقِّ يعذبُ للسّميعِ
فوجهي والزَّمانُ وشهرُ وضعي ... ربيعٌ في ربيعٍ في ربيعِ
وذكر في كتاب "التبيين" كان وضعه ﷺ في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، وكانت قبل دارًا لعقيل ابن أبي طالب، ولم تزل بيد أولاده إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف بمائة ألف دينار. وقيل: إن الأصح كان مولده بمكة، وهم يزورونه في كل عام، وقيل في شعب بني هاشم وفي كلام ابن دحية، أن الدار التي ولد فيها ﷺ لما حجت الخيرانة أم الرشيد أخرجتها من دار محمد بن يوسف، وبنتها مسجدًا، وقيل: إن تلك الدار عند الصفا بنتها زبيدة زوجة الرشيد أم الأمين مسجدًا لما حجت، وقيل: ولد في الردم، أي ردم بني جمح، ويعرف الآن بالمدعى لأنه يؤتى فيه الدعاء الذي يقال عند رؤية الكعبة، وقيل: في شعب أبي طالب، ومما نص عليه بعض الفقهاء، أنه يجب على الولي أن يعلم ولده إذا ميز أنه ﷺ ولد بمكة ومات بالمدينة، واختلف في عام ولادته ﷺ فقيل في عام الفيل. وقيل: في يومه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: ولد ﷺ يوم الفيل، وعن قيس بن مخرامة: ولدت أنا ورسول الله ﷺ يوم الفيل ضحى، وفي "تاريخ ابن حبان": ولد ﷺ عام الفيل في اليوم الذي بعث الله الطير الأبابيل على أصحاب الفيل. وذكر في "تاريخ المؤيد" أنه ولد يوم العاشر من ربيع الأول عام الفيل، وذلك بعد الفيل بخمسين يومًا، لأن الفيل كان في منتصف المحرم، وهذا هو المشهور، وقيل: ولد بعد الفيل بخمسة وخمسين يومًا، وقال بأربعين، وقال بشهر، وقيل بعشر سنين، وقال بثلاث وعشرين سنة، وقيل: بثلاثين سنة، وقيل بأربعين سنة، وقيل: بسبعين سنة.
وذكر الحافظ الدمياطي: أنه بعد الفيل بخمسة وخمسين يومًا، وهو الأصح وقال إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري، لا يشك فيه أحد من العلماء، وعليه الإجماع، وقيل: أنه ولد ﷺ قبل عام الفيل خمسة عشر عامًا، وهذا غريب منكر ضعيف وقال الحافظ النيسابوري: كان نور النبوة في وجه عبد المطلب يضيء كالغرة، وكانت قريش إذا أصابهم جذب أخذوا بيد عبد المطلب وصعدوا به إلى جبل ثبير يستسقون فيه فيسقون ببركة ذلك النور.
وقصة أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم ملك الحبشة بنى له كنيسة في اليمن، وأمر الناس بالحج إليها كالكعبة، وزخرفها وجعل فيها صلبان الذهب والفضة، ومنابر العاج، والأبنوس، ثم إن بعض العرب من كنانة دخل الكنيسة، وتغوط فيها ولوث جدرانها بالعذرة، ولطخ قبلتها فحلف أبرهة ليهدمن من الكعبة فسار بعسكره إلى الكعبة ومعه أفيال، وأعظمها فيه المسمى المحمود، فقاتل العرب وأسرهم، وتقدم ونزل قريبًا من الطائف، وأرسل خيله ونهبت إبل قريش، وفيها لعبد المطلب أربعمائة ناقة: وتحصنت قريش بجبال مكة، فجاء رسول أبرهة إلى عبد المطلب، وأخبره إنما جاء الملك لهدم البيت، فقال عبد المطلب: للبيت رب سوف يحميه، وسار عبد المطلب مع الرسول إلى أبرهة فأكرمه وأجلسه معه على السرير، فقال لترجمانه: قل له، فيا أتيت؟ فقال بطلب الجمال والخيل، فقال له: الجمال والخيل وتركت هدم البيت؟ فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وأما البيت فله رب إن شاء منعه. فقال أبرهة: ما كان ليمنعه مني ثم انصرف عبد المطلب بجماله وخيله وصعد على الجبل، وأحاطت عساكر أبرهة بالحرم، فأقبل عبد المطلب وأخذ بأذن الفيل محمود، وقال له: أبرك محمودًا فهذا بيت الله وحرمه فبرك محمود عند وادي محسر فصاروا يضربونه فلا يقوم فوجهوه إلى اليمن فهرول، وكذا إلى الشام، وسقوه الخمر ليذهب تمييزه فلم يفد ذلك، وكان عبد المطلب قد دخل البيت فأخذ بحلقة الباب، ومعه نفر من قريش فقال:
لاهمَّ إنَّ المرءَ يمنعُ رحلهُ ... فامنع رحالك
وانصر على آلِ الصليبِ ... وعابديه اليومَ آلك
لا يغلبنَّ صليبهم ... ومحالهم أبدًا محالك
1 / 27