وكان اسم هذه المرأة رقية، وقيل: فاطمة بنت مر الخثعمية، وكانت من أجمل النساء وأعفهن فدعته إلى نكاحها فظن أنها تريد الحرام، فأنشد بما قال، وأما قولها: لك مثل الإبل التي نحرت عنك، وذلك أن عبد المطلب لم يكن له ولد إلا الحارث، فجرت بينه وبين عمه عدي مخاصمة ومجاورة فعيره بقلة العدد فغضب عبد المطلب وقال: لله علي لئن رزقني الله تعالى عشرة ذكور أن أجعل أحدهم نذرًا نحيرة. ثم افترقوا فلما مضت من الدهر أعوام، ولد لعبد المطلب عشرة أولاد ذكور سوى الحارث، وست بنات، فلما بلغ الذكور عشرة قال: لابد من الوفاء فجمعهم، وأقبل إلى الكعبة فأحال عليهم القداح فخرجت القدح على عبد الله، وكان يحبه، فأخذ بيده، وجاء به إلى إساف ونائلة فأضجعه وربطه، فبلغ ذلك أخواله بني مخزم فجاءوه في جماعة من قريش، فقالوا: ما هذا الذي تفعل، والله ما أحسنت عشرة أمه ثم تريد نحر ولدها، فارتحل نحو الحجاز فإن من أهله عرافة عالمة، ولها تابع من الجن، ففعل عبد المطلب، ورحل معهم فأتوها وأعطوها رشوتها، وأخبروها، فقالت: انصرفوا وأحضروا إبلًا وصاحبكم واستقسموا على عشرة من الإبل وعليه حتى تبلغوا رضى ربكم. فعادوا راجعين إلى مكة، فأوقفوا عشرة من الإبل وعبد الله، ودعوا صاحب الأزلام فاستقسم على عبد الله والإبل فخرجت على عبد الله، فزادوا عشرة فوقعت على عبد الله، فلم يزل يزيد عشرة عشرة حتى بلغت الإبل مائة، فخرج القدح على الإبل، وفعل ذلك ثلاث مرات، وهي تقع على الإبل، فخلى عن عبد الله، ونحرت الإبل لا يدفع عنها طائر ولا سبع ولا إنس، ولذلك أشار بقوله ﷺ: "أنا ابن الذبيحين" يعني بهما إسماعيل ﵇ وأباه عبد الله.
ولما أتى عبد المطلب أهيب عمها، وقيل أبوها وهب، وخطب منه آمنة لعبد الله فزوجه إياها، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا فدخل بها عبد الله، فحملت برسول الله ﷺ وانتقل ذلك النور إليها، وكان ذلك يوم الإثنين، في شعب أبي طالب، عند الجمرة الوسطى، وقيل: إن عبد الله بعد ما دخل على آمنة أتى المرأة التي عرضت نفسها عليه، فقال لها: مالك لا تعرضي علي ما عرضت بالأمس؟ فقالت له: فارقك النور الذي كان معك، فما لي بك حاجة.
وقال الكلبي ﵁ ثبت عندي للنبي ﷺ خمسمائة أم من قبل أمه وأبيه فما وجدت فيهن سفاحًا. وعن أنس ﵁ أنه قرأ ﷺ (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) بفتح الفاء، وقال: "أنا أنفسكم نفسًا وصهرًا وحسبًا، ليس في آبائي من لدن آدم سفاح، كلها نكاح".
1 / 24