रावदा बहिया
شرح اللمعة
فكان من أثر ذلك ظهور (مدرسة حلب) لبني زهرة، وظهور نشاط ثقافي شيعي في (جبل عامل)، فقد كثرت (المدارس الفقهية الشيعية) في جبل عامل، وقوى النشاط الثقافي في هذا القطر.
وأول مدرسة فقهية افتتحت في هذا القطر هي (مدرسة جزين) للشهيد الاول، ويبدو أنها كانت طليعة النشاط الثقافي والسياسي الشيعي في جبل عامل، فحين اكتمل الشهيد دراسة في الحلة، وفرض نفسه على الاوساط الثقافية، واحتل لنفسه مكانة رفيعة فيها رجع إلى (جزين) مسقط رأسه وفيها ابتدأ بنشاط ثقافي وسياسي ملموس لنشر التشيع والفقه الشيعي في هذه الاقطار، فأسس معهدا كبيرا لتدريس الفقه والاصول على مستويات مختلفة في جزين، عرف ب: (مدرسة جزين).
وقدر لهذه المدرسة بفضل عناية مؤسسها الشهيد أن تربي عددا كبيرا من الفقهاء والاصوليين، وأن تخرج جمعا كبيرا من المفكرين لاسلاميين(1). ذلك جانب من ثقافة الشهيد وآثاره في الفقه والاصول، وما ترك من أثر كبير في تطوير مناهج دراسة الفقه والاصول، وتماذج من تلاميذه من الفقهاء ومنشآته الثقافية. ويخال إلي أن القارئ يستطيع بعد هذا العرض السريع للجانب الثقافي من حياة الشهيد ان يلمس طرفا من شخصية الشهيد الثقافية وأثره الكبير في (تاريخ الفقه الشيعي).
شعر الشهيد
لم يقتصر الشهيد - كما ذكرنا طي الحديث المتقدم - على الفقه والاصول والدراسات الكلامية، وانما كان مع ذلك أديبا كاتبا وشاعرا بالاضافة ألى كونه فقيها من الرعيل الاول.
ونثر الشهيد كما نلمسه نحن من خلال كتبه (كاللمعة الدمشقية والقواعد والذكرى والدروس) يمتاز بقوة الادلة والبساطة والوضوح وعدم الالتواء والتعقيد، ولا يجد الباحث في نثر الشهيد شيئا من التعقيد والالتواء، واصطناع السجع والزخرفة البديعية التي كان يتعارفها الكتاب فيما سبق.
وشعره - وإن قل - يمتاز بالرقة، ودقة التصوير، وروعة الديباجة والمس المباشر للنفس، وجمال التعبير، وجودة الاداء.
فمن شعره:
غنينا بنا عن كل من لا يريدنا وإن كثرت أوصافه ونعوته
ومن صد عنا حسبه الصد والقلا ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته(1)
ومنه قوله في المناجاة:
عظمت مصيبة عبدك المسكين في نومه عن مهر حور العين
الاولياء تمتعوا بك في الدجى بتهجد وتخشع وحنين
فطردتني عن قرع بابك دونهم أتري لعظم جرائمي سبقوني
أوجدتهم لم يذنبوا فرحمتهم أم أذنبوا فعفوت عنهم دوني
إن لم يكن للعفو عندك موضع للمذنبين فأين حسن ظنوني(2)
पृष्ठ 124