فأقول: ركب مولانا السلطان[الملك الناصر] - خلد الله ملكه - بنية صالحة أخلصها في سبيل ربه، وعزيمة ناجحة ماثلت في المضاء سمر عواليه وبيض قضبه. وهمم تحمي حمى الإسلام وتغيث كالغيث الهاطل، وتأتي ببأس شديد لا يثبت لديه ذووا القنا والقنابل، من قلعة مصر التي هي كنانة الله في أرضه، بجيوشه التي نهضت بسنن الجهاد وفرضه. يقدمها في خدمته - خلد الله سلطانه - أمراؤه الذين كأنهم ليوث غاب، أو غيوث سحاب. [أو بدور ليال، أو عقود لآل] معتضدا ببضعة من الرسول، منتصرا بابن عمه الذي لا يسمو أحد من غير أهل بيته لشرفه ولا يطول. ملتمسا بذلك بركة هذا البيت الشريف النبوي الذي طالما كانت الملائكة من نجده وجنده، مستنزلا بيمنة الإيمان سحب كرمه، مستدعيا صادق وعده. وسار على اسم الله بالجاريات التي تعدوا في سبيل الله النجاد وتعلوا الهضاب، وسري يقطع المنازل، ويطوي المراحل طي السجل للكتاب. والجيوش المنصورة بين يديه أعز الله سلطانه، قد أرهفت حد سيوفها، وأشرعت أسنة حتوفها، وهي تسير كالجبال، وتبعث للعدى ما يرهب من طيف الخيال، فبينا الركائب قد استقلت في السري، ورقمت في البيداء من أعناق جيادها سطورا من قرأها استغنى بحسنها عن القرى. وإذا بالبشير قد وفد، ونجم المسرة قد وقد. وأخبر بأن جملة من التتار قصدوا القريتين للإغارة. وما علموا أن ذلك مبدأ خمولهم الذي فتح للإسلام بسعادة مولانا السلطان - خلد الله ملكه - باب الهنا والبشارة. وغرتهم الآمال، وساقتهم إلى الحتوف الآجال. فنهض بعض العساكر المؤيدة فأخذهم أخذ القرى وهي ظالمة، وأعلمهم أن السيوف الناصرية ما تترك لهم بقوة الله بعد هذا العام يدا في الحروب مبسوطة ولا رجلا في المواقف قائمة. وأرى الله العدو مصارع بغيه، وعاقبة استحواذه، وتلا لسان الوعد الصادق على حزب الإيمان وعدكم الله مغانم كثيره تأخذونها فعجل لكم هذه.
ووصل مولانا السلطان - خلد الله ملكه - غزة، والإسلام بحمد الله قد زاد قوة وعزة، ثم رحل - أعز الله أنصاره - بعزم لا يفتر عن المسير، وسار - خلد الله سلطانه - وقد حلف النصر أن لا يفارق ركابه وأنه يسير معه حيث سار ويصير في خدمته حيث يصير.
पृष्ठ 43