أما بعد، فهذا كتابٌ مختصَرٌ جامعٌ لكثيرٍ من أوصاف رسول الله ﷺ وأفعاله، وجُملٍ من أقواله، حملنا على تأليفه أنّا مكلَّفون بالإِيمان به ﷺ، وذلك يقتضي معرفته ليصادف تصديقُنا محلَّه، وكمال التّعريف يحصل بذكر الاسم والنَّسبِ والوصفِ والأفعالِ والأقوالِ.
أما الاسم، فلأنّه السِّمة الدَّالّة على مسمَّاه متى ما أطلق فُهِم منه، قال الله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥].
وأما النَّسبُ، فلأنَّ الله تعالى قسم بني آدم إلى ما قسمهم إليه من الشعوب والقبائل لذلك، فقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: ١٣].
وأما الصّفات، فلأنَّها تُزيْلُ ما يبقى من الجهالة بعد التَّعريف بالاسم والنَّسب، وتجعل المنعوت كالحاضر، فإذا كانت صفاتُه جميلةً حقّقت محبّته في سُويداء القلب.
وأما الأفعال، فلأنّها شواهِدُ الرِّجال، ولهذا كان العالم معرِّفًا للخالق تعالى.
وأما الأقوال، فلأنّها المعرِّف الواضح لعلم القائل وكماله، ولهذا قيل: "المَرْءُ مَخْبوءٌ تحتَ لِسَانِه" وعامة الكتب النَّقلِيَّة موضوعة لضبطها.
أما الأفعال، فلم نرَ من اعتنى بجمعها مفصّلةً قبل كتابنا هذا، وإنّما تُذْكَرُ في أثناء الأقوال، وذلك لأن القول عندهم أدلُّ من الفعل، وهو كذلك إلا أن لفعل القائل زيادة تأكيد ليست للقول وحده خصوصًا، وقد قال رسول الله ﷺ فيما رواه البخارى ومسلم رحمهما الله عن عائشة ﵂:
1 / 18