لا ينبغي تحويل الإنسان عن طلب ما هو نافع له؛ لأنه لا يستطيع أن يعرف الجميع.
لا تستطيع أن تكافح حديد البصر بالعين
ولا تستخف بالأرمد حين يحوم حولك.
ونعرف الحقائق كثيرا، وقد وجدنا كثيرا من الاختراعات النافعة، ولنسل عدم معرفتنا ما يمكن أن يكون بين العنكبوت وحلقة زحل من صلات، ولنداوم على البحث فيما هو في متناولنا. (55)
وإذا ما وقعت صاعقة على الأماكن المنخفضة فإن البراهين تعوز الشعراء ومن لا يعرفون غير البرهنة على أمور هذه الطبيعة.
ليس التشبيه برهانا في الشعر أو النثر، وإنما يستخدم للتجميل في الشعر، وينفع في النثر للإبانة، وجعل الأشياء محسوسة أكثر مما هي عليه، فالشعراء - الذين شبهوا مصائب الأكابر بالصاعقة التي تخبط الجبال - يأتون بتشبيهات معاكسة إذا ما حدث العكس. (56)
وتركيب الروح والبدن هذا هو الذي جعل جميع الفلاسفة تقريبا، يخلطون بين تصور الأشياء، فيعزون إلى الأبدان ما ليس خاصا بغير الأرواح، ويعزون إلى الأرواح ما لا يلائم غير الأبدان.
لو كنا نعرف ما الروح لأمكننا أن نتوجع من عزو الفلاسفة إليه ما هو غير خاص به، ولكننا لا ندري ما الروح ولا البدن، فليس لدينا أي فكر عن أحدهما، وليس لدينا غير أفكار ناقصة جدا عن الآخر؛ ولذا فإننا لا نعرف حدودهما. (57)
وكما أنه يقال جمال شعري يجب أن يقال جمال هندسي وجمال دوائي، ومع ذلك فإن هذا لا يقال مطلقا؛ وسبب هذا أن موضوع علم الهندسة معروف جيدا، وأن موضوع علم الطب معروف جيدا. وأما الظرافة التي هي موضوع الشعر، فلا يعرف الشيء الذي تقوم عليه، ولا يعرف النموذج الطبيعي الذي يجب أن يقلد، فاخترع لعدم هذه المعرفة بعض العبارات الغريبة، فقيل: العصر الذهبي، نادرة زماننا، الفوز المقدر، النجم الجميل، إلخ. وتدعى هذه الرطانة بالجمال الشعري، ولكن الذي يتصور امرأة لابسة وفق هذا النموذج يبصر آنسة أنيقة مستورة بالمرايا وبسلاسل من نحاس أصفر.
وهذا خطأ بالغ، فلا ينبغي أن يقال: «جمال هندسي» و«جمال دوائي» وذلك لأن القضية والمسهل لا يؤثران في الحواس تأثيرا مقبولا مطلقا؛ ولأن اسم «الجمال» لا يطلق على غير الأشياء التي تفتن الحواس، كالموسيقا والتصوير والبيان والشعر وفن البناء المحكم، إلخ.
अज्ञात पृष्ठ