وهكذا فإن من الجلي أيضا - كما يبدو لي - أن المعجزات الباطلة الكثيرة والوحي الكثير الفاسد، وأضرار السحر الكثيرة لم تكن إلا لوجود ما هو صحيح منها.
يلوح لي أن الطبيعة البشرية لا تحتاج إلى الصحيح حتى تقع في الخطأ، فقد عزي ألف تأثير زائف إلى القمر قبل أن تتصور أقل صلة حقيقية بمد البحر، وقد صدق أول رجل مريض أول طبيب جاهل، ولم ير أحد سعالى ولا ساحرا يجول في الليل متنكرا بهيئة ذئب، وترى كثيرا من الناس قد اعتقدوا وجود هؤلاء، ولم ير أحد تحول المعادن. وترى كثيرا من الناس قد أفلسوا بسبب اعتمادهم على الإكسير، وهل كان الرومان والأغارقة وجميع الوثنيين لا يؤمنون بالمعجزات الكاذبة التي كانوا غارقين فيها، إذن، إلا لأنهم شاهدوا الصحيح منها؟ (42)
وينظم الميناء من يكونون في المركب، ولكن أين نجد هذه النقطة في الأخلاق؟
نجدها في المبدأ الآتي الذي قالت به جميع الأمم، وهو:
لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به. (43)
وأولو البأس لا يرون الحياة بلا سلاح، وهم يفضلون الموت على السلم، والآخرون يفضلون الموت على الحرب، وكل رأي يفضل على الحياة، التي يظهر أن حبها بالغ القوة طبيعي جدا.
هذا ما قاله تاسيت عن الكتلونيين، ولكن لا يوجد من قيل عنهم أو من يمكن أن يقال عنهم: «إنهم يفضلون الموت على الحرب.» (44)
وكلما وجد كثير ذكاء وجد مبدعون، ولا يجد السوقة فرقا بين الناس.
حقا إن المبدعين قليلون، والجميع - تقريبا - يسيرون ويفكرون ويشعرون، بفعل العادة والتربية، ولا شيء أندر من أن تسير نفس في طريق جديدة، ولكن كل واحد بين هذا الجمع من الآدميين الذين يسيرون معا ذو فروق صغيرة في المشية تنتبه لها الأبصار الدقيقة. (45)
ولذا توجد نفسان: نفس تنفذ نفوذا قويا عميقا في نتائج المبادئ، وهذه هي نفس السداد، ونفس تدرك كثيرا من المبادئ من غير أن تخلط بينها، وهذه هي النفس الهندسية.
अज्ञात पृष्ठ