وبما أن هذه الغريزة الخفية هي أصل المجتمع الأول وأساسه اللازم؛ فإنها تصدر عن كرم الله كما هو الأحرى، وهي وسيلة سعادتنا أكثر من أن تكون شعورا ببؤسنا، ولا أعرف ماذا كان آباؤنا الأولون يفعلون في جنة الدنيا، ولكن إذا كان كل واحد منهم لم يفكر في غير نفسه؛ فإن حياة الجنس البشري تكون قد عرضت للخطر، أو ليس من غير المعقول أن يذهب إلى أنهم كانوا ذوي حواس كاملة؛ أي وسائل عمل تامة، للتأمل فقط؟ أو ليس من المضحك أن تستطيع رءوس مفكرة أن تتصور أن الكسل عنوان للعظمة وأن العمل تنزيل لطبيعتنا؟ (25)
ولذا فإن سينياس عندما كان يقول لبروس، الذي كان ناويا هو وأصدقاؤه أن يتمتع بالراحة بعد فتح قسم كبير من العالم، إن الأفضل أن يعجل سعادته بنفسه متمتعا بهذه الراحة منذ ذلك الحين من غير أن يطلبها بمشاق كثيرة، كان يقدم إليه نصيحة تلاقي مصاعب كبيرة، ولم تكن قط أكثر صوابا مما عقد هذا الطامح الشاب نيته عليه، فهذا وذاك كانا يفترضان إمكان رضى الإنسان عن نفسه وقناعته بأطايبه الحاضرة، وذلك من غير ملء فراغ فؤاده بآمال خيالية، وهذا خطأ، فما كان بروس ليستطيع أن يكون سعيدا قبل فتح العالم، ولا بعده.
إن مثل سينياس حسن في أهاجي دبريئو، لا في كتاب فلسفي، فالملك العاقل يمكن أن يكون سعيدا في منزله، وما يقدم إلينا عن بروس مجنونا لا يستدل به على بقية الناس. (26)
ويجب أن يعترف بأن الإنسان هو من الشقاء ما يسأم معه، حتى عند عدم وجود سبب غريب للسأم، وذلك بفعل وضعه الخاص.
فالإنسان - على العكس - كثير السعادة من هذه الناحية، وترانا مدينين كثيرا لصانع الطبيعة الذي أناط السأم بالسكون؛ كيما يلزمنا أن نكون نافعين للقريب ولأنفسنا. (27)
ومن أين أتى كون هذا الرجل الذي فقد ابنه الوحيد منذ قليل، والذي أثقلته القضايا والخصومات، كثير الاضطراب في هذا الصباح، فعاد الآن لا يفكر في شيء من هذا؟ لا تعجبوا من ذلك، فهو منهمك في مشاهدته أين يمر أيل تتعقبه كلابه بهمة منذ ست ساعات، وليس أكثر من هذا ما ينتظر من الإنسان مهما كان مملوءا كربا، فإذا ما أمكن جعله يلهو بعض اللهو كان سعيدا في أثناء ذلك الوقت.
وحسنا ما يصنع هذا الإنسان، فاللهو أشفى للألم من الكينا للحمى، فلا نلم الطبيعة على هذا مطلقا، والطبيعة مستعدة لمساعدتنا دائما. (28)
ولنتصور عددا من الناس مقرنين في القيود، وأن هؤلاء الناس محكوم عليهم بالموت، فيذبح بعضهم في كل يوم على مرأى من بعض، فيبصر الباقون وضعهم الخاص من خلال وضع أمثالهم، وهم - إذ ينظر بعضهم إلى بعض مع الألم وبلا أمل - ينتظرون دورهم، وهذه هي صورة حال الناس.
لا مراء في أن هذه المقارنة ليست صائبة، فالتعساء المقيدون الذين يذبح الواحد منهم بعد الآخر تعساء، لا لأنهم يألمون فقط؛ بل لأنهم يحسون ما لا يألم منه الآخرون أيضا، وليس المصير الطبيعي للإنسان أن يقيد، ولا أن يذبح وإنما صنع الناس، كما صنع الحيوان والنبات؛ ليكثروا ويعيشوا حينا من الزمن، ولينسلوا أمثالهم ويموتوا، أجل، يمكن إظهار الإنسان في الأهجوة من الناحية السيئة كما يراد، ولكن إذا ما نظر إلى عقله اعترف بأنه أكمل جميع الحيوانات وأكثرها سعادة وأطولها عمرا؛ ولذا فإن علينا أن نهنئ أنفسنا معجبين بسعادتنا وطول عمرنا بدلا من أن نتوجع من العجب من تعس الحياة وقصرها؛ ولذا فإنني إذا ما نظرت في الأمر مثل فيلسوف أقدمت على القول بأنه يوجد كثير من الصلف والتهور في الزعم بأنه يجب أن نكون بطبيعتنا أحسن مما نحن عليه. (29)
وقد اضطهد الحكماء الذين قالوا بين الوثنيين بعدم وجود إله غير الله، كما مقت اليهود وأبغض النصارى أكثر من اليهود.
अज्ञात पृष्ठ