وبسب رثاء كرومويل هذا رد والر على الملك شارل الثاني بالجواب الذي يوجد في معجم بيل، وذلك أن الملك الذي جاءه والر، على حسب عادة الملوك والشعراء، ليقدم إليه قطعة محشوة مدحا فلامه على وضعه لكرومويل ما هو خير منها، فاسمع جواب والر: «مولاي، ننجح، نحن معشر الشعراء في الأوهام أكثر مما في الحقائق.» فلم يكن هذا الجواب من الإخلاص كجواب سفير هولندة، الذي أجاب عندما توجع هذا الملك من إكرامه أقل من إكرام كرمويل: «آه! يا مولاي، إن كرومويل هذا كان شيئا آخر.»
وليس غرضي أن أعلق على أخلاق والر وغيره، فأنا لا أقدر الناس بعد موتهم بغير آثارهم، وكل شيء ما خلا هذا يكون قد زال في نظري، وإنما ألاحظ أن والر، الذي نشئ في البلاط مع دخل ستين ألف فرنك، لم يكن من الغباوة والبلادة ما يتخلى معه عن مواهبه، ولم ير كونتات دورسه ، وروسكومون، ودوكا بكنغام، واللورد هليفاكس وكثير غيرهم أن مما يشين مقامهم ظهورهم من أكابر الشعراء ومشاهير الكتاب، وكان لهم من الفخر بآثارهم أكثر مما بأسمائهم، وهم قد شملوا الآداب بعين رعايتهم كما لو كانوا ينتظرون ثراءهم منها، وهم - فضلا عن ذلك - قد جعلوا الفنون أعظم حرمة لدى الشعب الذي يحتاج - في كل حال - إلى قيادة الكبراء، والذي يظهر - مع ذلك - أقل اقتداء بهم في إنكلترة مما في أي مكان آخر في العالم.
الرسالة الثانية والعشرون
حول مستر بوب وبعض مشاهير الشعراء
كنت أود أن أحدثكم عن مستر بريار، الذي هو من أكثر الشعراء لطفا في إنكلترة، والذي رأيتموه في باريس وزيرا مفوضا وسفيرا فوق العادة في سنة 1712، وكنت أقدم إليكم فكرة عن شعر اللورد رسكومون واللورد دورسه وغيرهما، لولا أنني أشعر بأن مثل هذا يتطلب مجلدا كبيرا، ولولا أنني لن أعطيكم - بعد كبير عسر - غير فكرة عن هذه الآثار ناقصة جدا، والشعر ضرب من الموسيقا، فيجب سماعه للحكم فيه، أجل، إنني عندما ترجمت لكم بعض قطعات من هذه الأشعار الأجنبية، وضعت لكم علامات ناقصة عن موسيقاها، ولكنني لا أستطيع أن أعرب عن ذوق شدوها.
وتوجد - على الخصوص - قصيدة أقنط من إطلاعكم عليها، وتسمى هوديبراس، وموضوعها الحرب الأهلية والمذهب البيوريتاني الذي حول إلى مهزأة، وهذه هي مزيج من دون كيشوت وأهجية منيبه، وهذه هي أكثر ما وجدت فيه من ظرف بين جميع الكتب التي قرأت، ولكن مع كونها أكثر ما تتعذر ترجمته، ومن يظن أن الكتاب الذي يشتمل على جميع مهازئ البشر، والذي ينطوي على أفكار أكثر مما على كلمات، يحتمل الترجمة؟ وذلك أنه يشير بأسره إلى مغامرات خاصة، وتقع أعظم مهزأة، خاصة على علماء اللاهوت الذين لا يدركهم غير قليل من الناس، فلا بد من شرح في كل ثانية، ومتى شرحت الفكاهة عادت لا تكون فكاهة؛ ولذا يعد كل شارح للنكت غبيا.
من أجل هذا لا تدرك في فرنسة كتب الأريب الدكتور سويفت الذي يدعى رابله إنكلترة، وله شرف كونه قسيسا مثل رابله، وأن يسخر من الجميع كما يسخر رابله، ولكنني أرى من التجني عليه أن يدعى بهذا الاسم ، فقد نشر رابله، في كتابه المبهم الأهوس أقصى مرح وأعظم سفاهة، وقد أسرف في التنطع والقذع والإملال، وشرى قصة الصفحتين الصغيرة الحسنة بمجلدات من الحماقات، ولا تجد غير نفر قليل من غريبي الذوق من يتلذذون بالوقوف على هذا الأثر وتقديره، وأما بقية الأمة فتسخر من نكت رابله وتزدري كتابه، وهو يعد أول الهازلين. ومما يغيظ أن يتصف بمثل ذهنه، فيستعمله استعمالا هزيلا، فهذا فيلسوف سكران لم يكتب في غير وقت سكره.
ومستر سويفت هو رابله من حيث استقامة الحس وحسن المعاشرة، وليس عنده ما عند الأول من مرح في الحقيقة، ولكنه يتصف بما يعوز قسيس مورون من رقة وعقل واختيار وحسن ذوق، فتنم أشعاره على ذوق فائق لا يبارى تقريبا، وتبدو النكتة الجيدة نصيبه في النظم والنثر، ولكن لا بد من السفر إلى بلده كيما يدرك جيدا.
وأسهل عليكم تكوين فكرة عن مستر بوب، فهذا الشاعر هو - على ما أعتقد - أرشق شعراء إنكلترة، وأكثرهم صحة، وأعظمهم انسجاما، وهو قد حول صفير البوق الإنكليزي إلى ألحان الناي، ويمكن ترجمته؛ وذلك لوضوحه البالغ، ولأن موضوعاته عامة في الغالب ومن نابض جميع الأمم.
وستعرف فرنسة - عما قليل «رسالته في النقد» التي ترجمها السيد راهب رسنل نظما.
अज्ञात पृष्ठ