يصح ذلك وفيهم جم غفير في كل بلد لا يعرفون ممن في بلاد أحدا [1] إلا الواحد والاثنين فاما الباقون فلا يعرفون، ومن هذا حكمه فإنه تستحيل المكاتبة بينهم. ولو كان ذلك مما يصح أيضا لوجب ان يظهر في أوجز مدة لأن ما يجرى هذا المجرى من الأمور العظيمة التي يتواطؤ الناس عليها فإنها لا يجوز أن يخفى بل لا بد من ظهورها في أسرع الأوقات.
فأما ما يجرى مجرى التواطؤ أيضا فمفقود فيهم، لأن ذلك لا يكون إلا إما رغبة في العاجل أو رهبة، وكلا الأمرين منتفيان عن النص لأن الذي ادعي له النص لم يكن له سوط فتخاف سطوته فيدعو ذلك الى افتعال النص عليه [2] بل كانت الصوارف حاصلة فيما يختص هو به من الفضل من نشره [3] وكتمان مناقبه، ولا كان له أيضا دنيا فيكون الطمع في نيلها داعيا الى وضع النص له.
ولو كان الأمران أيضا حاصلين لمن ادعي له النص لما جاز أن يكون ذلك داعيا الى افتعال خبر بعينه الا من جهة التواطؤ الذي أبطلناه. وانما يجوز ان يكون الأمران داعيين الى وضع فضيلة ما له في الجملة، فأما أن يكون داعيا الى وضع فضيلة بعينها على صيغة مخصوصة فإن ذلك من المحال حسب ما قدمناه.
وليس لأحد أن يقول إذا جاز أن ينقلوا الخبر الصدق لكونه صدقا ويكون علمهم أو اعتقادهم لصدقه داعيا الى نقله من غير تواطؤ [فلم] لا يجوز أن ينقلوا الكذب لمجرد كونه كذلك من غير تواطؤ، لأن الدلالة فرقت بين الموضعين، لأنا نعلم ان العلم أو الاعتقاد لكون الخبر صدقا داع الى نقله، والاعتقاد لقبح الشيء أو كون الخبر كذبا وان جاز ان يكون داعيا على بعض الوجوه، فلا يجوز أن يشمل ذلك الخلق الكثير. على ان العلم بقبح الشيء لا يكون داعيا الى فعله بل هو صارف عن فعله، وانما يدعو في بعض الأوقات لأمر زائد على كونه قبيحا من نفع أو دفع مضرة وقد بينا ان كليهما لم يكن في خبر النص، ولو كان لكان داعيا الى وضع الفضائل المختلفة دون ان يكون ذلك داعيا الى وضع فضيلة بعينها.
وجميع ما قدمناه من وجوه البطلان في الطرق التي بينا فإنه يبطل أيضا ان
पृष्ठ 119