باب الدلالة على امامة أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام)
يدل على إمامته (عليه السلام) ما تواترت به الشيعة مع كثرتها وتباعد ديارها وتباين آرائها واختلاف هممها وقد بلغوا من الكثرة إلى حد لا يتعارفون ولا يتكاتبون ولا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد- وقد نقلوا خلفا عن سلف مثلا عن مثل في فصول [1] شرائط التواتر فيهم، الى أن اتصل نقلهم بالنبي عليه وآله السلام بأنه نص على أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعله القائم مقامه بعده بلا فصل.
فلا يخلو حالهم في ذلك من أحد أمرين: اما أن يكونوا صادقين أو كاذبين، فان كانوا صادقين فقد ثبتت إمامته حسب ما ذكرناه، وان كانوا كاذبين لم يخل كذبهم من أحد أمور: إما أن يكون قد اتفق لهم الكذب فنقلوه على جهة التنحت، أو تواطئوا عليه، أو جمعهم على ذلك ما يجرى مجرى التواطؤ، أو اتفق أحد ذلك في أحد الفرق الناقلة فيما بيننا وبين نبينا (عليه السلام)، أو كان الأصل فيهم واحدا ثم انتشر الخبر عنه وظهر. وإذا بين فساد جميع ذلك لم يبق الا ان الخبر صدق حسب ما قدمناه.
ولا يجوز أن يكون قد اتفق لهم الكذب من غير تواطؤ، لأن العادة مانعة من وقوع أمثال ذلك ونظائره، ألا ترى انا نعلم استحالة أن يتفق الشعراء جماعة كثيرة التوارد في قصيدة واحدة على وزن واحد وروي واحد ومعنى واحد، وكذلك يستحيل على مثل أهل بغداد أن يتكلموا- كلهم- بكلام واحد أو غرض واحد، ويجرى ذلك في الاستحالة مجرى اتفاقهم على أكل طعام واحد، والتزيي بزي واحد وما يجرى مجرى ذلك. وإذا ثبتت استحالة جميع ما ذكرناه فما ذكرناه لاحق به في الاستحالة.
ولا يجوز أن يكونوا تواطئوا عليه لأن التواطؤ اما ان يكون وقع منهم باجتماع بعضهم الى بعض، وهذا مما يعلم استحالته فيهم لكثرتهم وتباعد ديارهم وأوطانهم، أو يكون وقع التواطؤ منهم بالتكاتب والتراسل، وهذا أيضا محال، لانه من المحال ان يكاتب الشيعة في أقطار الأرض بعضهم بعضا ويتفقوا على شيء بعينه. وكيف
पृष्ठ 118