قال ابن عبد الرحيم: وشعره يجري مجرى شعر المعلمين قليل الحلاوة خال من الطلاوة، وكان آخر عهدي به بتكريت في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة؛ فإنا كنا مقيمين بها واجتاز بنا وأقام عندنا مدة، ثم توجه إلى الموصل فبلغتني وفاته من بعد. وكان يذكر أن مولده بحلب سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. قال ياقوت: وعلي بن منصور هذا يعرف بابن القارح، وهو الذي كتب إلى أبي العلاء المعري الرسالة المعروفة برسالة ابن القارح، فأجابه أبو العلاء برسالة الغفران، وذكر اسمه فيها.
رسالة ابن القارح إلى أبي العلاء المعري
بسم الله الرحمن الرحيم
استفتاحا باسمه، واستنجاحا ببركته، والحمد لله المبتدي بالنعم المنفرد بالقدم، الذي جل عن شبه المخلوفين، وصفات المحدثين، ولي الحسنات، المبرأ من السيئات، العادل في أفعاله، الصادق في أقواله، خالق الخلق ومبديه، ومبقيه ما شاء ومفنيه، وصلواته على محمد وأبرار عترته وأهليه صلاة ترضيه، وتقربه وتدنيه وتزلفه وتحظيه.
كتابي - أطال الله بقاء مولاي الشيخ الجليل ومد مدته، وأدام كفايته وسعادته وجعلني فداءه وقدمني قبله - على الصحة والحقيقة، وبعد القصد والعقيدة وليس على مجاز اللفظ ومجرى الكتابة، ولا على تنقص وخلابة وتحبب ومسامحة، ولا كما قال بعضهم - وقد عاد صديقا له: كيف تجدك، جعلني الله فداك، وهو يقصد تحببا ويريد تملقا ويظن أنه قد أسدى جميلا يشكره صاحبه إن نهض واستقل، ويكافئه عليه إن أفاق وأبل عن سلامة تمامها بحضور حضرته وعافية نظامها بالتشرف بشريف عزته، وميمون نقيبته وطلعته، ويعلم الله الكريم - تقدست أسماؤه - أني لو حننت إليه، أدام الله تأييده حنين الواله إلى بكرها، وذات الفرخ إلى وكرها، أو الحمامة إلى إلفها، أو الغزالة إلى خشفها؛ لكان ذلك مما تغيره الليالي والأيام، والعصور والأعوام، لكنه حنين الظمآن إلى الماء، والخائف إلى الأمن والسليم إلى السلامة، والغريق إلى النجاة، والقلق إلى السكون، بل حنين نفسه النفيسة إلى الحمد والمجد؛ فإني رأيت نزاعها إليهما نزاع الأسطقسات إلى عناصرها، والأركان إلى جواهرها؛ فإن وهب الله لي مليا من العمر يؤنسني برؤيته، ويعلقني بحبل مودته، مرت كساري الليل ألقى عصاه، وأحمد مسراه، وقر عينا، ونعم بالا. وكان كمن لم يمسه سوء ولم يتخوفه عدو، ولا نهكه رواح ولا غدو، وعسى الله أن يمن بذلك بيومه، أو بثانيه وبه الثقة.
وأنا أسأل الله على التداني والنوى والبعاد إمتاعه بالفضل الذي استعلى على عاتقه وغاربه، واستولى على مشارقه ومغاربه، فمن مر على بحره الهياج، ونظر في لآلئ بدره الوهاج؛ خليق بأن يكبو قلمه بأنامله وينبو طبعه عن رسائله إلا أن يلقي إليه بالمقاليد، أو يستوهبه إقليدا من الأقاليد، فيكون منسوبا إليه، ومحسوبا عليه، ونازلا في شعبه، وأحد أصحابه وحزبه، وشرارة ناره، وقراضة ديناره، وسمك بحره، وثمد غمره، وهيهات ضاق فتر عن مسير.
ليس التكحل في العينين كالكحل، خلقوا أسخياء لا متساخين وليس السخي من يتساخى، لا سيما وأخلاق النفس تلزمها لزوم الألوان للأبدان، لا يقدر الأبيض على السواد، ولا الأسود على البياض، ولا الشجاع على الجبن، ولا الجبان على الشجاعة، قال أبو بكر العرزمي:
يفر جبان القوم عن أم رأسه
ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه
ويرزق معروف الجواد عدوه
अज्ञात पृष्ठ