ونحن نعلم أن كل أمير تولى من أمور المؤمنين شيئا، فهو أمير المؤمنين غير أنهم لم يطلقوا هذه اللفظة إلا للخلفاء خاصة، ونعلم أن الكيس هو العقل إذا عنوا به ضد الحمق، ولكنك لو وصفت رجلا فقلت: إن فلانا لعاقل كنت قد مدحته عند الناس. ولو قلت: إنه كيس كنت قد قصرت في وصفه وقصرت به عن قدره إلا عند أهل العلم باللغة؛ لأن العامة لا تلتفت إلى معنى الكلمة إلا إلى حيث جرت منها العادة في استعمالها في الظاهر مع الحداثة والعزة وخساسة القدر وصغر السن، فقد روينا عن علي - رضي الله عنه - أنه تبجح بالكيس حين بنى الكوفة. وقال:
أما تراني كيسا مكيسا
بنيت بعد نافع مخيسا
حصنا حصينا وأميرا كيسا
وقال آخر: ما يصنع الأحمق المرزوق بالكيس، ونعلم أن الصلاة: رحمة غير أنهم قد حرموها إلا على الأنبياء، كذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وسمع سعد بن أبي وقاص أخا له يلبي ويقول: يا ذا المعارج، فقال: نحن نعلم أنه ذو المعارج، ولكن ليس كذلك كنا نلبي على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إنما كنا نقول: لبيك اللهم لبيك. وكان أبو إبراهيم المزني قال في بعض ما طالب به داود بن علي خلف الأصبهاني فقال: وإن قال كذا فقد خرج من الملة، والحمد لله، فانتقد عليه ذلك داود وقال: تحمد الله على أن يخرج مسلم من الإسلام؟! هذا موضع استرجاع، وللحمد مكان يليق به، ونحن نقول على المصيبة:
إنا لله وإنا إليه راجعون (البقرة: 156).
فامتثل هذه الرسوم والمذاهب واجر على آدابهم، فلكل رسوم امتثلوها، وتحفظ في صدور كتبك وفصولها وافتتاحها وخاتمتها، وضع كل معنى في موضع يليق به، وتخير لكل لفظة معنى يشاكلها، وليكن ما تختم به فصولك في موضع ذكر الشكوى بمثل: والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وفي موضع ذكر البلوى، نسأل الله دفع المحذور، ونسأل الله صرف السوء، وفي موضع المصيبة بمثل:
إنا لله وإنا إليه راجعون ، وفي موضع ذكر النعم بمثل: والحمد لله خالصا والشكر لله واجبا؛ فإنها مواضع ينبغي للكاتب تفقدها؛ فإنما يكون كاتبا إذا وضع كل معنى في موضعه، وعلق كل لفظة على طبقتها من المعنى، فلا يجعل أول ما ينبغي له أن يكتب آخر كتابه في أوله، ولا أوله في آخره؛ فإني سمعت جعفر بن محمد الكاتب يقول: لا ينبغي للكاتب أن يكون كاتبا، حتى لا يستطيع أحد أن يؤخر أول كتابه ولا يقدم آخره.
अज्ञात पृष्ठ