रसाय अहज़ान
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
शैलियों
سأحدثك عن هذا الجمال كما أوحته إلي عواطفي التي ما تزال تدأب لا تأتلي كالنحل على الأزهار والألوان، وكما رأيته في تلك الحقائق الساحرة التي كانت تفيض بمعانيها على الجميلة فتكسبها غرابة الجمال وتمثلها لعيني في ثلاثة ألوان: لون من وجهها ولون من دمها ولون من قلبي، سأنثر لك الجميلة وأسرار جمالها وتأثير جمالها نثرا ألفني والله قبل أن أؤلفه؛ وما صعد إلى فكري وانحدر من قلمي إلا بعد أن وفدت عليه الجمرات الحمر فغلى في القلب وتبخر واندفع وطار إليك في كلام كالندى على الورق الأخضر. •••
إن في نفس هذا الإنسان أعماقا بعيدة تنحدر أغوارها من مهوى إلى مهوى إلى ما لا نعلم؛ لأن النفس ما برحت جزءا من الأزل كبعض النور من النور، ينفصل عنه وهو مستقر فيه.
وقد نثر الله في أعماق الفضاء هذه المصابيح المتقدة التي اهتدى في ضوئها الفكر الإنساني إلى شيء من الإدراك الأسمى؛ من ذلك النور الذي يشتعل ويتوهج في أقطار السموات كلها، وكما ترى في أعماق الفضاء ترى في أغوار النفس؛ فلا بد لهذه مما لا بد منه لتلك من معاني النور الإلهي؛ فالكوكب يضيء في أعماق الفضاء، والوجه الجميل يضيء في أعماق النفس.
ألم تر إلى المحب الذي أدنفه الحب كيف يشعر أنه متصل بالنور الأزلي من الحسن الذي يعشقه؛ وكيف يرى في أطواء نفسه أخفى الوساوس وأدقها كأنها مكشوفة لعينه على الضوء؛ وكيف يظل أبدا في حبه كأنما يبحث في الأرض عما ليس في الأرض، ويحاول أن يجد في قلبه ما لا يخلق في القلب، وكأنه وحده الذي يعلم من نفسه أن فوق كل طبقة طبقة أعلى، وتحت كل عمق عمقا أسفل، فلا يقنع بشيء لا من عاليها ولا من سافلها؟ وانظر كيف يجعله حبه العظيم يرى العالم كله صغيرا حقيرا؛ وإذا اتفقت له ساعة من حبيبته رآها عجيبة كأنها ليست من الحياة أو ليست إلا بالحياة؛ فهل وسعت نفسه من الحب شيئا لا سبيل لأن يقاس معنى العالم به؛ أم صارت أعماقها تطاول أعماق الفضاء؛ فهو بالحب كائن فيما حوله وما حوله كائن فيه؟ •••
لا أرى سر الجمال إلا أنه شيء حقيقي من تلك القوة السماوية التي نسميها الجاذبية؛ فكأن الله حين يبدع الجميل يرسل في دمه مع الذرة الإنسانية ذرة من مادة الكواكب هي سر عشقه وجاذبيته ، وهي بعينها معنى تلك القوة التي لا يزال الجميل يخضع بها كما يخضع الفلك المدار، ويتسلط على عاشقه كما تتسلط الأقدار، ويبث في الدم الإنساني مع مادة الدم مادة من النار.
وما أساليب الدلال أو ما نراه دلالا في الجميل المعشوق إلا اضطراب تلك الذرة من سكونها؛ فإنها متى تحركت للجاذبية جعلت الجميل يتلألأ من كل جهاته وانبعثت في كل ناحية منه نورا فوضعت لكل شيء فيه معنى من المعاني الخيالية؛ إذ هي معنى كل شيء فيه.
ولو أنك سألت عاشقا أن يصادم من يحب ويتسع لهجرها ونبذها ويتجافى عن هواها لكانت عاقبة ذلك في نفسه ويقينه ما يعلم من العاقبة في مصادمة الأرض لكوكب من الكواكب؛ إذ يتحطم ولا يغني شيئا في تعطيل قوة الجذب المنصبة من قمره الجميل على كرة قلبه الضعيفة.
وكما نجد للكواكب في نظام السماء نعرف نحوا من ذلك لكواكب الجمال في نظام النفس، فليس كل ظريف جميل يجذب حسنه في كل دائرة على ما شاء وشاء الهوى، وإلا فسدت الأرض وأصبح الجنسان فيها كحجري الطاحون لا عمل للأعلى إلا أن يطحن على الأسفل ... بل إن لكل جميل فلكا لا تعدوه قوة جذبه فإذا هي تخطته إلى فلك غيره بطل عملها أو عملت على ضعف أو وقعت ثم موقع صوت القنبلة، يخرج منها وليس فيه شيء منها، ذلك بأن الله قد سلط على هذه الأرواح السماوية مواد مختلفة من ثقل الأرض لا تبرح تدافع تلك المادة من جاذبية السماء فإما أبطلتها وإما كسرت من حدتها وإما أضعفتها وإما طمست عليها؛ ما لم تكن النفسان العاشقة والمعشوقة من فلك واحد في القدر الجاري عليهما.
فلو أن أرق من غمز الحب على قلبه من الشعراء الذين يجعلون الكلمة الواحدة كلاما طويلا، يحدثك يوما عن تلك الجميلة التي كلف بها واختبلته بحبها
1
अज्ञात पृष्ठ