रसाय अहज़ान
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
शैलियों
4
في كل حركة صائدا يطلبه ... وتنفجر لعينيك في حركاتها وكلماتها كما يتفجر أمام الظمآن ينبوع الماء العذب، وما رأيتها مرة إلا أحسست نفسي تصورها تصويرا كأن الشمس والقمر قد صنعاها في الحسن صنعة جديدة، وتنتحل هذه الظبية أحيانا كبرياء الأسد فيكون ذلك منها في باب الدلال مخاشنة بين طبعي وطبعها تبث بها في الحب قوة تبلغ قوة الافتراس في أسد جريح.
تريد الهوى وتعرفه وتنفخ في ناره وتذكي ضرامها بما لا يخمد ولا ينطفئ، ولكن ... ولكن لترى من كل ذلك كيف أحترق.
تلك هي أيها العزيز؛ من أي الجهات اعتبرتها لا ترى أوصافها تنتهي إلا كما تنتهي أطراف الواحة الخضراء في رمال كالأقيانوس الجاف تقحمك المتالف،
5
وتبث لك مصايد الموت في كل جهة، ولا يخرجك منها إلا أن يكون عمرك أوسع منها؛ ومع ذلك فلا تخرج إلا حيا نصفه موت أو ميتا نصفه حياة، إن عاشقها المسكين في كل ما يناله من حبها ليمشي إلى الجدب بخطوات خضر تعد عليه واحدة واحدة؛ فههنا نبع يروي وهناك روضة تتنفس، وثم سرحة تفيء بظلها؛ وما شئت من متاع أحسن ما تنظر، ومن روح أجمل ما تبتغي، ومن نعمة أبدع ما تتحفى بك النعمة؛ ثم تنتهي من الواحة؛ لأنك كنت تندفع ولا تحس ويسار بك ولا تدري؛ وتنتهي بعد الفضاء الجميل الأخضر إلى ذلك الفضاء المخيف الأبيض بياض عظام الموتى ... فضاء الصحراء المهلكة التي تقول لك أول ما تتلقاك: ليس من يحس بك ههنا فحيث شئت فمت ...
كانت والله قدرا مقدورا لو علمت كيف تنتهي لاتقيت كيف بدأت، ولكني جئتها وأنا أقدر أن أراها كما هي وأدعها كما هي، فإذا القدر مخبوء فيها، وإذا هو قد طلع علي في ألحاظها، وإذا أنا أراها فلا أدعها، وكان طريقي إليها بين رؤيتها وتركها، أبدأ وأعود؛ فلما تخطيت أولها لم أر لها آخرا، ولما بدأت عدلت بي إلى الناحية التي كنت أجهلها فلم أدر كيف أعود. •••
وهي شاعرة تغمر أفقا واسعا بأشعة خيالها، ولو أن نجمة سألت الله أن يخلقها امرأة فتنزل على الشعراء بوحي السماء وخيال السماء وأسرار السماء لكانتها، غير أنها لا تحسن عربية الكتابة الفصحى فإذا كتبت وقليلا ما تكتب
6
اختبطت في مثل البحر اللجي ففرت إلى الساحل ورقصت هناك على رشاش الموج، وهي تألم لذلك النقص فيها وما أظرف ما تراه في سببه؛ إذ تقول: إن المصري والسوري ومن يشبههما قد بلغوا من ضعف القومية التاريخية بحيث يريد أكثرهم الكمال لشخصه لا لتاريخه، ولنفسه لا لأمته؛ فينسل أحدهم من تاريخه ويغامر في آداب أمة حية كالفرنسية والإنجليزية، ويستفرغ فيها كل همه فيدرك في خمس سنوات ما لا يأتيه به التاريخ المصري أو السوري في خمسين سنة لو بقي في أمته وادعا يترقب نضج تاريخها، والشرقي إذا خرج من الشرق أحس أنه ترك وراءه بلاد القبور والمدافن والجثث المحنطة، واستقبل بلادا أصبحت الطبيعة فيها أسرع من أهلها في العمل للحياة والأحياء فهم يخدمون نواميس الكون لتخدمهم على الأرض لا في السماء، وكانت إذا انتهت إلى مثل هذا قلت لها: إنك لتتكلفين أن تجعلي للانهاية حدودا أربعة ... بل أربعة ذات قياس ومساحة وإلا فابتلي أوروبا بمثل ما بلي الشرق منها أربعين سنة في جد السياسة وهزلها فإنك والله لا ترين منهم يومئذ إلا الزنوج البيض ... وكانت تقول ما أعجزني في أجناس الكتب إلا كتب اللغة العربية؛ لقد أحضرت شيخا يدارسني كتابا منها فكانا كتابين ... الذي أراه هو الذي أسمعه والذي أسمعه هو الذي أراه، ثم تغرق في الضحك وتقول في كلام ظريف كأنه يضحك ضحكا آخر: فأنا والله في حاجة لإتقان هذه اللغة إلى عمامة وعشرين سنة في الأزهر ... •••
अज्ञात पृष्ठ