रसाय अहज़ान
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
शैलियों
4
وأول ما لعن الله به الشيطان، وحسبها من الشر أنها ذهبت بجميع حسنات شيخ الملائكة (كان
5 ...) فهوى بعدها من لعنة الله في أعماق لا تنتهي، ولا يزال فيها طائرا إلى أسفل ... وما برحت هذه الكبرياء ثقيلة على الأرواح الصافية الكريمة ولو كانت ممن تحق له، ولو كانت من شجرة تحييها الشمس ويقوم على حفظها ناموس الكون، والمسيح لم يفر إلى ظلها من حر بل إلى ثمرها من جوع؛ فلما أتاها بجوعه تلقته بزهوها، قال لها بلسان قلبه العظيم: هأناذا، فقالت له: وهأناذه أخرى غير التي تريد، ظل جائعا وظلت خضراء تتموج لعينيه شبعا وريا ما تستحي ولا تتواضع بجفاف ورقة منها تسقط عذرا عند قدميه، كانت في غير حالته القائمة بروحه، وكان في غير حالتها القائمة بروحها؛ فكل ذنبها في روحه هو وفي حالته هو وفي حسه هو؛ فاشمأز منها فيبست ولعنها فماتت ورآها ظلاما فأطفأ سنتها إلى الأبد، هكذا يفعل الروح الأقوى بالروح الأضعف حين يختلفان، والمتكبر دائما هو الأضعف وإن ظهر أنه الأقوى؛ فلو صدمته روح عاتية بما فيها من بغضه وازدرائه لوقعت منه موقع أظلاف الفيل من النملة الضعيفة؛ فإن فوق كبرياء المخلوق ناموسا ثابتا من كبرياء الخالق ما لجأ إليه مكسور القلب بكاسر قلبه إلا وضعه والله ثمت موضع حبة القمح تحت حجر الطاحون الضخم لا يبقي ولا يذر. •••
وكنت اتكلم وكأني مرتفق تحت جناح جبريل كما قلت وإن الكلام لينفذ إلى دمها مع أنفاسها؛ فما أتيت على آخره حتى رأيتها قد اصفرت وارتاعت وقالت: ويلي منك فهل أنت مسيح جديد؟ إني لأسمع ألفاظك هذه وكأني أسمعها من يوم بعيد لم يأت بعد ولكنه آت؛ لأنه يتكلم ويقول بكلامه أنا موجود وإن كنت بعيدا عنك، فأردت أن أخفف عنها فرفعت طرفي إلى خيمتنا وقلت: اسمعي يا شجرة التين ... فانفجرت ضاحكة وقالت كم قلت لي أنت دويهية، وزعمت أن هذا يسمونه تصغير التعظيم فأنت دويهتان، فضحكت وقلت: أولست معي ...
لقد حل ذلك اليوم الذي سمعته يتكلم في الغيب، وآه من تلك الدويهية ومن كبريائها وفلسفتها، آه من فتاة تقول لك فيما تقول: إن أمي ولدت نفسي ونفسي هي ولدتني؛ فلا ترج أن تصيب في طباع أنثى وإلا ضل ضلالك أيها الحبيب ... قلت فماذا بقي من معنى أيها الحبيب إذن؟
فضحكت من عبوسها - وهي حين تتفلسف تظللها سحب من الفكر فتراها قد غامت فيها، ولا يبقى لك أمل إلا في وميض من ابتسامتها يتمزق ثم يسرع فيلتئم - أتدري ماذا كان جوابها؟ قالت: خلقنا لهذا الحب من قبل يومنا؛ ولعل يومنا إذا جاء كان يوم بغض منك أو مني، قلت: فمعنى «أيها الحبيب» في فلسفتك أيها البغيض ...؟
قالت: كلا كلا لا أدري، ولكني أتكلم بلغة النطق؛ وفي ناموس الفهم الإنساني لغة غيرها وفي ناموس الأقدار لغة غير اللغتين، فإنك لتراني ولكني أرى في أخرى، والأخرى ترى فيها ثالثة، هذا أشعر به ولا أدري كيف أصفه فإن عبرت عنه بلغة النطق انقلب كلامي عن جهته فصار من كلام الموسوسين والممرورين والمجانين، أنا أحسن الكلام مع السماء وأنت تحسن الفهم عن السماء، فحاجتي إليك هي أن تتكلم في روحي وحاجتك إلي هي أن أتكلم في قلبك.
أتستطيع أن تلبسني جلدك وتخيطه علي و... فقلت مهلا مهلا أنك أنت الآن لا تتكلمين ولا التي فيك بل تلك الثالثة ... وإذا كان استهلال كلامها سلخ جلدي ... وهنا وضعت يدها على فمها وجعل يغت ضحكها ويتكسر على صلابة قلبها تكسر قطع البلور الثمين في غير نظام ولا مهل.
ولما سكنت مما غشيها قالت: أنت برهمي؟ قلت: وهذه شر من الأولى فهل خطر لك أني أعبد بقرة؟ قالت: وهذه شر من الاثنتين فقد انتقمت مني بلطف ... ولكن ألا تعرف أن الحب في رأي أكثر الناس كزواج البراهمة، إذا اقترن الرجل منهم بامرأة فقد أعدها للحرق إن بقيت بعده وللموت إن بقي بعدها؟ قلت: أعرف هذا في عقد البراهمة وحسب فلا تنز بك الفلسفة نزوتها فلسنا في النار ولا في دخانها، قالت: وما تقول في نار تعرفها؟ ولفظت هذه العبارة بصوت خرج يرتجف كأنه جاذب قلبها وفر إلي فرارا؛ وأنزلت في مقطعها نبرة استفهام حلو رقيق يمازجه شيء من التوبيخ في منتهى الظرف.
فأطرقت شيئا وقلت: اسمعي؛ ما أنت محاطة بست جهات بل بست علامات استفهام؛ وإن فلسفتك هذه جعلتك ما لا أدري ألغزا في إنسانة أم إنسانة في لغز؛ وعلى أيهما فإن العمر يذهب في فهمك وأحتاج بعد إلى عمر جديد في حبك، ولن تبعثني فلسفتك من قبري يوما إذا سويت بجسدي الحفرة، لقد وضعك حسنك في طريقي موضع البدر يرى ويحب ولا تناله يد ولا تعلق بنوره ظلمة نفس، لكن كبرياءك نصبتك نصبة الجبل الشامخ كأنه ما خلق ذلك الخلق المنتثر الوعر إلا لتدق به قلوب المصعدين فيه، وتهتز أجراسها اهتزازا عنيفا متصلا في حبال الأنفاس والزفرات، كوني من شئت أو ما شئت؛ خلقا مما يكبر في صدرك أو مما يكبر في صدري، كوني ثلاثا من النساء كما قلت أو ثلاثة من الملائكة، ولكن لا تكوني ثلاثة آلام، انفحي نفح العطر الذي يلمس بالروح واظهري مظهر الضوء الذي يلمس بالعين، ولكن دعيني في جوك وفي نورك، اصعدي إلى سمائك العالية ولكن ألبسيني قبل ذلك جناحين، كوني ما أرادت نفسك ولكن أشعري نفسك هذه أني إنسان. •••
अज्ञात पृष्ठ