रसाइल
رسائل ابن حزم الأندلسي
अन्वेषक
إحسان عباس
प्रकाशक
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
ابن إبراهيم الطليطلي (١)، عن القاضي بمصر بكر بن العلاء (٢)، في قول الله ﷿: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ (الضحى: ١١) أن لبعض المتقدمين فيه قولًا، وهو أن المسلم يكون مخبرًا عن نفسه بما أنعم الله تعالى به عليه من طاعة ربه التي هي من أعظم النعم، ولاسيما في المفترض على المسلمين اجتنابه واتباعه.
وكان السبب فيما ذكرته أني كنت وقت تأجج نار الصبا وشرة الحداثة وتمكن غرارة الفتوة مقصورًا محظرًا علي بين رقباء ورقائب؛ فلما ملكت نفسي وعقلت صحبت أبا علي الحسين بن علي الفاسي في مجلس أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي (٣) شيخنا وأستاذي ﵁، وكان أبو علي المذكور عاقلًا عاملًا، ممن تقدم في الصلاح والنسك الصحيح وفي الزهد في الدنيا والاجتهاد للآخرة، وأحسبه كان حصورًا لأنه لم تكن له امرأة قط، وما رأيت مثله جملة علمًا وعملًا ودينًا وورعًا، فنفعني الله به كثيرًا وعلمت موقع الإساءة وقبح المعاصي. ومات أبو علي ﵀ في طريق الحج.
ولقد ضمني المبيت ليلة في بعض الأزمان عند امرأة من بعض معارفي مشهورة بالصلاح والخير والحزم، ومعها جارية من بعض قراباتها من اللاتي قد ضمتها معي النشأة في الصبا، ثم غبت عنها أعوامًا كثيرة، وكنت تركتها حين أعصرت ووجدتها قد جرى على وجهها ماء الشباب ففاض وانساب، وتفجرت عليها ينابيع الملاحة فترددت وتحيرت، وطلعت في سماء وجهها نجوم الحسن فأشرقت
(١) هو دون ريب محمد بن ابراهيم بن اسماعيل الطليطلي ويعرف بابن المشكيالي، وقد رحل إلى المشرق، وسمع بمصر بكر بن العلاء القشيري، سمع منه كتابه في أحكام القرآن، وكان ورعًا متقللًا من الدنيا، توفي سنة ٤٠٠ (الصلة: ٤٦١) . (٢) انظر التعليق السابق. (٣) قد مر التعريف بهما، ص: ١٩٦، ١٩٧.
1 / 273