रसाइल इख्वान अल-सफा और खिलान अल-वफा
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
शैलियों
مثال ذلك: أن الذين يولدون في البلاد الحارة ويتربون هناك وينشأون على ذلك الهواء؛ فإن الغالب على باطن أمزجة أبدانهم البرودة، وهكذا أيضا الذين يولدون في البلدان الباردة ويتربون هناك، وينشأون على ذلك الهواء، يكون الغالب على باطن أمزجة أبدانهم الحرارة؛ لأن الحرارة والبرودة هما ضدان لا يجتمعان في حال واحدة، في موضع واحد، ولكن إذا ظهر أحدهما استبطن الآخر واستجن؛ ليكونا موجودين في دائم الأوقات؛ إذ كانت المكونات لا وجود لها ولا قوام إلا بهما، والدليل على ما قلنا أن مزاج أبدان أهل البلدان الجنوبية من الحبشة والزنج والتربة وأهل السند وأهل الهند، فإنه لما كان الغالب على أهوية بلادهم الحرارة بمرور الشمس على سمت تلك البلاد في السنة مرتين سخنت أهويتها، فحمي الجو فاحترقت ظواهر أبدانهم واسودت جلودهم وتجعدت شعورهم لذلك السبب وبردت بواطن أبدانهم، وابيضت عظامهم وأسنانهم، واتسعت عيونهم ومناخرهم وأفواههم بذلك السبب.
وبالعكس في هذا حال أهل البلدان الشمالية وعلتها أن الشمس لما بعدت من سمت تلك البلاد وصارت لا تمر عليها لا شتاء ولا صيفا، غلب على أهويتها البرد وابيضت لذلك جلودهم، وترطبت أبدانهم، واحمرت عظامهم، وأسنانهم، وكثرت الشجاعة والفروسة فيهم، وسبطت شعورهم، وضاقت عيونهم، واستجنت الحرارة في بواطن أبدانهم لذلك السبب، وعلى هذا القياس توجد صفات أهل البلدان المتضادة بالطباع والأهوية يكونون مختلفين في الطباع والأخلاق في أكثر الأمر وأعم الحالات.
وإذ قد تبين بما ذكرنا طرف من تغير أخلاق الناس من جهة اختلاف ترب البلاد وتغير أهويتها؛ فنريد أن نذكر طرفا من أسباب موجبات أحكام النجوم، فنقول: إن الذين يولدون بالبروج النارية في الأوقات التي يكون المستولي عليها الكواكب النارية مثل المريخ وقلب الأسد وما شاكلهما من الكواكب؛ فإن الغالب على أمزجة أبدانهم الحرارة وقوة الصفراء، والذين يولدون بالبروج المائية في الأوقات التي يكون المستولي عليها الكواكب المائية مثل الزهرة والشعرى اليمانية؛ فإن الغالب على أمزجة أبدانهم يكون الرطوبة والبلغم.
وهكذا الذين يولدون بالبروج الترابية في الأوقات التي يكون المستولي عليها زحل وما شاكله من الكواكب الثابتة، فإن الغالب على أمزجة أبدانهم اليبوسة والمرة السوداء.
وهكذا الذين يولدون بالبروج الهوائية في الأوقات التي يكون المستولي عليها المشتري وما شاكله من الكواكب الثابتة؛ فإن الغالب على أمزجة أبدانهم الدم والاعتدال. يعرف حقيقة ما قلنا وصحة ما وصفنا أهل الصناعات والتجارب.
وإذ قد تبين بما قلنا وذكرنا ما الأسباب والعلل الموجبة لوجود الأخلاق المركوزة في الجبلة؛ فنريد أن نبين ما الأخلاق المركوزة في الجبلة، وما المكتسبة بالعادة الجارية منها، وما الغرض في ذلك، وما الفرق بينهما، يعني: الأخلاق المكتسبة والمركوزة.
(6) فصل في ماهية الأخلاق
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الأخلاق المركوزة في الجبلة هي تهيؤ ما في كل عضو من أعضاء الجسد يسهل به على النفس إظهار فعل من الأفعال أو عمل من الأعمال أو صناعة من الصنائع أو تعلم علم من العلوم أو أدب من الآداب أو سياسة من غير فكر ولا روية، مثال ذلك أنه متى كان الإنسان مطبوعا على الشجاعة فإنه يسهل عليه الإقدام على الأمور المخوفة من غير فكر ولا روية، وهكذا متى كان مطبوعا على السخاء يسهل عليه بذل العطية من غير فكر ولا روية، وهكذا متى كان الإنسان مطبوعا على العفة سهل عليه اجتناب المحظورات المحرمات من غير فكر ولا روية.
وهكذا من كان مطبوعا على الاعتدال؛ سهل عليه الحكومة في الخصومات والعدل والنصفة في المعاملات، وعلى هذا المثال والقياس سائر الأخلاق والسجايا المطبوعة في الجبلة المركوزة فيها، إنما جعلت؛ لكي ما يسهل على النفس إظهار أفعالها وعلومها وصنائعها وسياساتها وتدبيرها بلا فكر ولا روية.
وأما من كان مطبوعا على الضد من ذلك فهو يحتاج عند استعمال هذه الخصال وإظهار هذه الأفعال إلى فكر وروية واجتهاد شديد وكلفة ولا يفعل الإنسان هذه الأمور إلا بعد أمر ونهي ووعد ووعيد ومدح وذم وترغيب وترهيب، وعلى هذا المثال يكون كل حكم في الطبع خلافه، يحتاج صاحبه إلى أمر ونهي وفكر واجتهاد ورغبة، وبهذه العلة وردت أكثر أوامر الناموس ونواهيه؛ ولهذا السبب كان وعده ووعيده وترغيبه وترهيبه، ولو كان الإنسان الواحد مطبوعا على جميع الأخلاق لما كان عليه كلفة في إظهار كل الأفعال وجميع الصنائع، ولكن الإنسان المطلق الكلي هو المطبوع على قبول جميع الأخلاق وإظهار جميع الصنائع والأعمال لا الإنسان الجزئي.
अज्ञात पृष्ठ