रसाइल इख्वान अल-सफा और खिलान अल-वफा
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
शैलियों
وأما الإسفندري فهو نحاس مزج بالقلعي، والمفرغ نحاس وأسرب، والمرداسج من الأسرب إذا أحرق الزنجار مع النحاس، والإسفيذاج من الأسرب والحموضة، والإسريخ منه ومن الكبريت، والزنجفر من الزئبق والكبريت، والمرتك من الأسرب، وأما منافعها - أعني هذه الأحجار - ومضارها فهي معروفة بين الناس، وقد ذكرت في كتب الطب بشرحها، ومن الجواهر المعدنية الزئبق والكبريت.
فأما الكبريت فهو حجر دهني لزج يلصق بالأحجار المعدنية عند ذوبانها، ويحترق بالنار ويحرق الأحجار معه؛ لأنه دهن كله.
وأما الزئبق فهو جسم رطب سيال، يطير إذا أصابته حرارة النار، لا صبر له على حر النار، وهو يخالط الأجسام المعدنية بالتدبير ويرخيها ويكسرها ويوهنها، فإذا أصابت تلك الأجسام حرارة النار طار الزئبق ورجع إلى حالته الأولى صلبا كما كانت، ومثله مع هذه الأحجار كمثل الماء مع الطين اليابس إذا غلبه الماء استرخى وتفتت، فإذا أصابته حرارة النار أو حرارة الشمس جف وعاد كما كان أولا.
واعلم أن الكبريت والزئبق أصلان للجواهر المعدنية الذائبة، كما أن التراب والماء أصلان للأجسام الصناعية كاللبن والآجر والكيزان والغضاير والقدور، وكل ما يعمل من الطين، وقد تقدم ذكر كيفية تكوين الجواهر المعدنية الذائبة وعلل اختلاف طبائعها وصفاتها في فصل قبل هذا، ومن الجواهر المعدنية أيضا أنواع الأملاح والشبوب والبوارق والزاجات؛ فمنها عذب كملح الطعام والملح الأندراني، ومنها مر كملح الصاغة، ومنها حاد كالنوشادر، ومنها قابض كالشبوب والزاجات، ومنها دواء كالنفطي والهندي، ومنها بوارق الخبز، ومنها شوارج تصلح للدباغة، ومنها ملح القلى والنورة والرماد والبول يستعمله أصحاب الكيميا، وكل هذه رطوبات ومياه تختلط بتراب بقاع الأرض تحرقها حرارة الشمس أو النار أو حرارة المعدن، فتنعقد وتصير أملاحا وشبوبا وبوارق وفنون الزاجات، ومن الجواهر المعدنية أنواع الزرانيخ والمرقشيشا والمغنيسا والشادنج والكحل والتوتيا، ومنها الزجاج والبلور والمينا والطلق والشنج والعقيق والفيروزج والسنبادج والجزع واللازورد والعنبر والدهنج، ومنها القير والنفط والجص والإسفيذاج وما شاكلها.
واعلم يا أخي أن لكل نوع من الجواهر خواص ومنافع ومضار تركنا ذكرها مخافة التطويل؛ إذ قد ذكرها الحكماء في كتبهم وهي موجودة في أيدي الناس، ولكن نذكر من خواص بعضها طرفا، ليكون دليلا على الباقي الذي لم نذكره منها، فأما الدهنج فهو حجر يتكون من معدن النحاس وطبيعته باردة لينة؛ لأنه دخان مرتفع من الكبريت المتولد من معدن النحاس، وهو أخضر مثل الزنجار، فإذا صار في موضع من جبال المعدن تكاثف وتلبدت أجزاؤه بعضها على بعض، وتجسد وتحجر فهو مختلف الألوان أخضر كدر حسن اللون، وفيه خاصية سم؛ من سقي من سحالته تقطع[1] أمعاه وأمرضه وألهب معدته، وإن شرب وهو صحيح أضر، وهو يصفو مع الهواء ويتكدر معه، ويذهب تكسير الذهب وتشقيقه عند الطرق، ومع التناكر يكون أقوى فعلا، وإن ذوب ذلك وجعل مع الذباب على لسع الزنابير سكنها، وإن سحق وأذيب بالخل وطلي على القوباء أذهبها وينفع في السعفة التي في الرأس.
ومن الجواهر المعدنية البازهر:[2] وهو جوهر لين أملس مختلف الألوان، وأصله كان رطوبة هوائية دهنية جمدت في معدنه بطول الزمان ، وهو حجر شريف تظهر منه أفعال كريمة؛ وذلك أنه ينفع من السموم القاتلة حارة كانت أو باردة، حيوانية كانت أو نباتية أو معدنية تلك السموم، ونحتاج أن نزيد في شرح هذا الباب؛ إذ كانت عقول الناس قد تحيرت في كيفية أفعال السمومات والترياقات والبازهرات[3] في الأجسام الطبيعية؛ لأنها أجسام جامدات، وقد قام البرهان على أن الجسم لا فعل له من حيث هو جسم، ولا العرض له فعل أيضا؛ لأنه أعجز من الجسم بكثير، فيجب أن نذكر أولا كيفية الأفعال التي تظهر من هذه الأجسام بعضها من بعض، ثم نبين من الفاعل بالحقيقة لها، وفيها ومنها وبها، أما السموم فنوعان حارة وباردة، فالباردة منها تجمد الدم والرطوبات الروحانية اللطيفة التي في أعضاء الحيوان التي بها صحة المزاج وقوام الحياة، والحارة منها تذوب الدم، وتلك الرطوبات وتطيرها، فتفنى ويذوب بدن الحيوان مع ذوبانها فيهلك، فأما دبيب السموم الحارة في أبدان الحيوانات، فمثل دبيب لون الزعفران إذا وقع في الماء صبغه في لحظة، وأما الباردة منها فهي مثل فعل الإنفحة إذا وقعت في اللبن الحليب جمدته في أقرب مدة، وأما دبيب البازهرات والترياقات المضادة أفعالها لأفعال تلك السموم فهو مثل فعل الحموضات إذا وقعت على صبغ الزعفران غسلته من ساعتها، ومنعته أن يذوب إذا بودر بها، وأما ما الفاعل المحرك لهذه الأجسام فهو قوة روحانية من قوى النفس الكلية الفلكية السارية في جميع الأجسام من لدن فلك القمر إلى منتهى مركز الأرض، وهي المسماة الطبيعة، فهذه الأجسام الجزئيات من الحيوان والنبات والمعادن هي للطبيعة كالآلات والأدوات للصانع الفاعل، يفعل بها وفيها ومنها أفعالا مختلفة وأعمالا مقننة بعضها ببعض، كالنجار الذي يفعل النشر بالمنشار ويعمل النحت بالفأس والثقب بالمثقب والكشاء بالإرتدج ويبرد بالمبرد، والفاعل واحد والأفعال مختلفة بحسب الآلات والأدوات والأغراض المقصودة، وهذه القوة الفاعلة المتقدم ذكرها هي التي يسميها الأطباء والفلاسفة الطبيعة، ويسميها الناموس ملائكة، والطبيب هو خادم الطبيعة، يناولها ما تحتاج إليه في وقت الحاجة كما يناول التلميذ الأستاذ أدواته وقت حاجته ويخدمه بها .
فصل
واعلم يا أخي أن هذه النفوس الجزئية المتجسدة الخادمة للنفس الكلية إذا أحسنت في خدمتها للنفس الكلية وطلبت الأجر والجزاء من الله فلها منزلة جليلة عند الله وكرامة ومكافأة بعد مفارقتها هياكلها، سواء كانت خدمتها في إصلاح أمر الدين أو الدنيا، فإنه لا يذهب لها عند الله شيء إذا كانت محتسبة لوجه الله - تعالى - وطالبة لما عنده من الوجه المقصود منه إليه، فلا يفوتها نصيبها من الدنيا كما ذكر برزويه الطبيب في كتاب كليلة ودمنة: إن الزراع لم يزرع طلبا للعشب، بل للحب، ولا بد للعشب أن ينبت، إن شاء الزراع أو لم يشأ، كذلك طالب الأجر والجزاء من الله - تعالى - لا يفوته نصيبه من الدنيا وما قسم له، ما أراده أو لم يرد، كره أو رضي، زهد أو رغب، طلب أو لم يطلب، وتصديق هذا الرأي قول الله تعالى: @QUR024 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
واعلم يا أخي أن عبادة الله ليست كلها صلاة وصوما، بل عمارة الدين والدنيا جميعا؛ لأنه يريد أن يكونا عامرين، فمن يسعى في صلاح أحدهما أو كلاهما فأجره على الله؛ لأنه مالكهما جميعا والناس كلهم عبيده، وأحب عباده إليه من سعى في صلاح عباده وعمارة عالميه جميعا، وأبغض عباده من سعى في فسادهما جميعا أو في فساد أحدهما، كما ذكر الله جل جلاله: @QUR024 إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ... الآية، وقال تعالى: @QUR06 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
ومن الجواهر المعدنية الماس، وطبيعته البرودة واليبوسة في الدرجة الرابعة، وقل ما تجتمع هاتان الطبيعتان في شيء من الأحجار المعدنية، فبهذه الخاصية صار لا يحتك بجسم من الأحجار المعدنية إلا أثر فيه أو كسره أو هشمه إلا جنسا من الأسرب، فإنه يؤثر فيه ويكسره ويفتته مع رخاوته ولينه ونتن رائحته.
अज्ञात पृष्ठ