129

रसाइल इख्वान अल-सफा और खिलान अल-वफा

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

शैलियों

إن الكلام كله ثلاثة أنواع، فمنها ما هي سمات دالات على الأعيان يسميها المنطقيون والنحويون الأسماء، ومنها ما هي سمات دالات على تأثيرات الأعيان بعضها في بعض، ويسميها النحويون الأفعال ويسميها المنطقيون الكلمات، ومنها ما هي سمات دالات على معان كأنها أدوات للمتكلمين تربط بعضها ببعض، كالأسماء بالأفعال، والأفعال بالأسماء، يسميها النحويون الحروف، ويسميها المنطقيون الرباطات.

فالأسماء هي كل لفظة دالة على معنى بلا زمان، كقولك: زيد وعمرو وحجر وخشب وما شاكلها من الألفاظ، والفعل مثل ضرب يضرب وعقل يعقل، وهو كل لفظة دالة على معنى في زمان، والحروف مثل قولك: من وفي وعلى وما شاكلها من ألفاظ مذكور شرحها في كتب النحو. وبالجملة: ينبغي لمن يريد أن ينظر في المنطق الفلسفي أن يكون قد ارتاض أولا في علم النحو قبل ذلك.

واعلم يا أخي أن الكلمات والأسماء إذا اتسقت صارت أقاويل، والأقاويل نوعان فمنها ما يقع فيه الصدق والكذب ومنها ما لا يقع فيه لا الصدق ولا الكذب، وهذه أربعة أنواع: الأمر والسؤال والنداء والتمني، والذي يقع الصدق والكذب فيه يسمى الأخبار، والأخبار نوعان إما إيجاب صفة لموصوف، وإما سلبها عنه كقولك: النار حارة وليست بحارة، فقولك: ليست بحارة سلب، فالإيجاب إما أن يكون صدقا وإما أن يكون كذبا، وكذلك السلب مثل قولك: إذا قلت النار حارة فصدق، وإذا قلت: باردة فكذب، وإذا قلت: النار ليست بباردة فصدق، وإذا قلت: ليست بحارة فكذب، فقد تبين لك كيف يكون السلب والإيجاب تارة صدقا وتارة كذبا.

واعلم بأن الإيجاب والسلب تارة يكون حكما حتما، وتارة شرطا واستثناء، فالإيجاب الحتم مثل قولك: الشمس فوق الأرض وهو نهار، والشرط مثل قولك: إن كانت الشمس فوق الأرض فهو نهار، وكذلك حكم السلب مثله، مثال ذلك ليست الشمس فوق الأرض ولا هو نهار، والشرط والاستثناء مثل قولك: إن كانت الشمس ليست فوق الأرض فليس هو نهارا.

واعلم بان الحكم نوعان: تارة يكون الصدق والكذب فيه ظاهرين، وتارة يكونان فيه خفيين، بيان ذلك أنه متى كان قول القائل محتملا للتأويل؛ لم يتبين فيه الصدق والكذب، ومتى كان غير محتمل للتأويل بان فيه الصدق والكذب.

واعلم بأن القول يكون غير محتمل للتأويل متى كان محصورا، والمحصور من الأقاويل ما كان عليه سور، وسور الأقاويل نوعان كلي وجزئي، فالسور الكلي مثل قولك: كل إنسان حيوان، فهذه صدق وظاهر بين؛ لأن عليه سورا كليا، والكذب الظاهر البين مثل قول القائل ليس واحد من الناس حيوانا فكذب ظاهر؛ لأن عليه سورا كليا، وأما السور الجزئي فمثل قولك: بعض الناس كاتب، وبعض الناس ليس بكاتب، والصدق فيهما ظاهر بين؛ لأن عليهما سورا جزئيا.

وأما ما كان من الأقاويل غير المحصورة فهو الذي ليس عليه سور، وهو نوعان مهمل ومخصوص، فالمهمل مثل قولك: الإنسان كاتب، والإنسان ليس بكاتب، فلا يتبين فيه الصدق والكذب؛ لأنه لا يمكن للقائل أن يقول: أردت بعض الناس، وأما المخصوص فمثل قول القائل: زيد كاتب، وزيد ليس بكاتب، فلا يتبين فيهما الصدق والكذب؛ لأنه يمكنه أن يقول: أردت بزيد الفلاني، وأما إذا جعل على كل قول قائل سور كلي كما وصفنا، فيتبين الصدق عند ذلك؛ لأنه لا يمكنه أن يقول: أردت غير ما أوجبه الحكم.

واعلم أنه يجب على المستمع أن يلزم القائل ما يوجبه قوله ويطالبه به لا بما في ضميره؛ لأن الضمائر لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، فقد تبين بهذا المثال أن الكلام إذا لم يكن محصورا بسور لا يتبين فيه الصدق ولا الكذب ظاهرا.

واعلم بأن الأسوار إنما تحصل الصفات للموصوفات وتحتاج أيضا أن يكون الموصوف محصلا بصفات معلومة معروفة، وذلك أن الموصوف إذا لم يكن معروفا باسم فلا يتبين فيه الصدق والكذب في القول؛ مثل قولك: غير الإنسان حيوان وغير زيد كاتب وما سوى الحيوان جواهر ميتة، وما شاكل هذه الألفاظ التي هي سمات لأعيان غير معروفة، بل مشتركة لكل شيء سوى ذلك المستثنى منه.

واعلم يا أخي بأن السلب والإيجاب هما حكمان متناقضان في اللفظ والمعنى جميعا، لا يجتمعان في الصدق والكذب في صفة واحدة في زمان واحد من جهة واحدة في إضافة واحدة؛ لأنه رفع الشيء الذي أوجب من الشيء الذي أوجبته له على النحو الذي أوجبته له، في الوقت الذي أوجبته له، من الوجه الذي أوجبته له، ومتى نقصت من هذه الشرائط واحدة جاز اجتماعها على الصدق والكذب جميعا، مثال ذلك قولك: بعض الناس كاتب، وبعض الناس ليس بكاتب، وفي الصبي: إنه كاتب بالقوة ليس بكاتب بالفعل، وإليه أشار بقوله - عليه السلام: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين.» عنى كنت نبيا بالقوة لا بالفعل، وفي الرجل الواحد أنه عالم بشيء ليس بعالم بشيء آخر، وصائم في رمضان بالنهار ليس بصائم بالليل، وكبير بالإضافة إلى ما هو أصغر منه وليس بكبير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، والكلب ليس يتحرك؛ لأن الكلب اسم مشترك، وكذلك يتحرك اسم يقع فيه الحركات الست.

अज्ञात पृष्ठ