रसाइल इख्वान अल-सफा और खिलान अल-वफा
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
शैलियों
(8) فصل في حاجة الإنسان إلى المنطق
واعلم أيها الأخ أنه لو أمكن الناس أن يفهم بعضهم من بعض المعاني التي في أفكار نفوسهم من غير عبارة اللسان لما احتاجوا إلى الأقاويل التي هي أصوات مسموعة؛ لأن في استماعها واستفهامها كلفة على النفوس من تعليم اللغات وتقويم اللسان والإفصاح والبيان، ولكن لما كانت نفس كل واحد من البشر مغمورة في الجسد، مغطاة بظلمات الجسم، حتى لا ترى واحدة منهما الأخرى إلا الهياكل الظاهرة التي هي الأجسام الطويلة العريضة العميقة، ولا يدري ما عند كل واحد منها من العلوم إلا ما عبر كل إنسان عما في نفسه لغيره من أبناء جنسه، ولا يمكنه ذلك إلا بأدوات وآلات مثل اللسان والشفتين واستنشاق الهواء وما شاكلها من الشرائط التي يحتاج الإنسان إليها في إفهامه غيره من العلوم واستفهامه منه، فمن أجل هذا احتيج إلى المنطق اللفظي وتعليمه والنظر في شرائطه التي يطول الخطاب فيها.
فأما النفوس الصافية غير المتجسدة فهي غير محتاجة إلى الكلام والأقاويل في إفهام بعضها بعضا من العلوم والمعاني التي في الأفكار، وهي النفوس الفلكية؛ لأنها قد صفت من درن الشهوات الجسمانية، ونجت من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، واستغنت عن الكون مع الأجساد المظلمة التي هي أسفل السافلين وعالم الكون والفساد، وارتفعت إلى أعلى أفق العالم العلوي، وسرت في الجواهر النيرة والشفافة التي هي الكواكب والأفلاك، وذلك كما توجب الحكمة الإلهية والعناية الربانية؛ إذ لم تقرن بالأجسام الساترة، ولم تحتج إلى كتمان أسرارها ولا إلى إخفاء ما في ضمائرها؛ إذ كانت صافية من الخبث والدغل وبريئة من الإضمار للشر، فقرنت بالجواهر النيرة والأكر الشفافة التي يتراءى الجزء منها في الكل، والكل يتراءى في الجزء، كما تتراءى وجوه المرايا المجلاة بعضها في بعض، وكما تتراءى وجوه الجماعة المتقابلين في عين الواحد منهم، ووجه الواحد في أعين الجميع، فهم غير محتاجين إلى الإخبار عن الإضمار ولا السؤال عن كتمان الأسرار؛ لأنهم في الإشراق والأنوار التي هي معدن الأخيار والأبرار.
فاجتهد يا أخي فلعل نفسك تصفو وهمتك تعلو من الرغبة في هذه الدنيا الدنية التي ذمها رب العالمين، فقال - عز وجل: @QUR07 أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر إلى قوله: @QUR06 وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وقال تعالى: @QUR06 زين للناس حب الشهوات من النساء الآية، وقال تعالى: @QUR010 قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات الآية، وقال تعالى: @QUR014 تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.
واعلم بأنه إذا عدم الجنس عدم جميع أنواعه معه، وإذا عدم النوع عدم جميع أشخاصه معه، وليس من الضروري إذا وجد الشخص وجد النوع كله، ولا إذا وجد النوع وجد الجنس كله، واعلم بأن الأجناس أربعة أنواع؛ ثلاثة يستعملها صاحب اللغة في أقاويله، وواحد يستعمله صاحب الفلسفة في أقاويله، فالذي يستعمله صاحب اللغة من هذه الثلاثة؛ أحدها جنس البلدي والآخر جنس الصناعي والآخر جنس النسبي، فالجنس البلدي كقولك لجماعة تشير إليهم فتقول: البغداديون والبصريون والخراسانيون وما شاكله، والصناعي كقولك لجماعة تشير إليهم فتقول: نجارون حدادون خبازون وما شاكله، والنسبي كقولك لجماعة: هاشميون علويون ربعيون، وأما الذي يستعمله الفيلسوف في أقاويله فهو عشرة ألفاظ بيناها في قاطيغورياس.
الرسالة الحادية عشرة في المقولات العشر التي هي قاطيغورياس
بسم الله الرحمن الرحيم
وإذ قد فرغنا من ذكر الستة الألفاظ التي في إيساغوجي وبينا ماهية المعاني التي تدل عليها واحدا واحدا؛ فنريد أن نذكر العشرة الألفاظ التي في قاطيغورياس ونبين معانيها ونصف كيف هي، وأن كل لفظة منها اسم لجنس من الأجناس الموجودة، وأن المعاني كلها كيف هي داخلة تحت هذه العشرة الألفاظ.
اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الحكماء الأولين لما نظروا إلى الأشياء الظاهرة بأبصار عيونهم، وشاهدوا الأمور الجليلة بحواسهم؛ تفكروا عند ذلك في معاني بواطنها بعقولهم، وبحثوا عن خفيات الأمور برويتهم، وأدركوا حقائق الموجودات بتمييزهم ، وبان لهم أن الأشياء كلها أعيان غيريات مرتبة في الوجود كترتيب العدد ومتعلقة مرتبطة بعضها ببعض في البقاء والدوام عن العلة الأولى الذي هو الباري سبحانه كتعلق الأعداد ورباط بعضها ببعض من الواحد الذي قبل الاثنين - كما بينا في رسالة العدد.
ولما تبين لهم هذه الأشياء - كما ذكرنا - لقبوا وسموا الأشياء المتقدمة في الوجود الهيولى، وسموا الأشياء المتأخرة في الوجود الصورة، ولما بان لهم أن الصورة نوعان مقومة ومتممة كما بينا في رسالة «الكون والفساد» سموا الصور المقومة جواهر، وسموا الصور المتممة أعراضا، ولما بان لهم أيضا أن الصور المقومة حكمها حكم واحد، قالوا: إن الجواهر كلها جنس واحد، وكذلك لما تبينوا أن الصور المتممة أحكامها مختلفة قالوا: إن الأعراض مختلفة الأجناس، وهي تسعة أجناس مثل تسعة آحاد، فالجوهر في الموجودات كالواحد في العدد، والأعراض التسعة كالتسعة الآحاد التي بعد الواحد، فصارت الموجودات كلها عشرة أجناس مطابقة لعشرة آحاد، وصارت الأعراض مرتبة بعضها تحت بعض كترتيب العدد وتعلقه في الوجود عن الواحد الذي قبل الاثنين.
अज्ञात पृष्ठ