रसाइल इख्वान अल-सफा और खिलान अल-वफा
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
शैलियों
ومن صناعتهم أيضا التزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة بضروب الأمثال والوصف البليغ، والمواعظ الحسنة والحكمة البالغة والتذكار والبشارة والإنذار بمعرفة واستبصار ويقين ودراية بلا شك ولا ريبة، وقال الله تعالى في مدحهم: @QUR013 ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
ومن علامات أولياء الله أيضا وصفات عباده الصالحين أنهم لا يذكرون في مجالسهم وخلواتهم أحدا إلا الله ولا يتفكرون إلا في مصنوعاته ولا ينظرون إلا إلى فنون إحسانه وعظيم إنعامه وجميل آلائه، ولا يعلمون إلا لله، ولا يخدمون إلا إياه، ولا يرغبون إلا إليه، ولا يرجون إلا منه، ولا يسألون إلا هو، ولا يخافون غيره، وهم من خشيته مشفقون؛ كل ذلك لصحة آرائهم وتحقق اعتقادهم في ربهم وشدة استبصارهم أنه لا يقدر على ذلك بالحقيقة إلا الله تعالى، وهذا الاعتقاد الحق والرأي الصحيح الجميل ، ينتج لهم من صحة معرفتهم بربهم وتيقن علمهم به؛ وذلك أنهم يرونه رؤية الحق في جميع متصرفاتهم، ويشاهدونه في كل حالاتهم، لا يسمعون إلا منه، ولا ينظرون إلا إليه، ولا يرون غيره على الحقيقة، فمن أجل ذلك انقطعوا إليه عن الخلق، واشتغلوا بالخالق عن المخلوق، وبالرب عن المربوب، وبالصانع عن المصنوع، وبالمسبب عن السبب، وتساوت عندهم الأماكن والأزمان، وانمحقت الأغيار عند رؤيتهم حقيقته، فتركوا الشك وأخذوا باليقين، وباعوا الدنيا بالدين، وربحوا السلامة من التعب والعناء، وعاشوا في الدنيا آمنين، ورحلوا عنها سالمين، ووصلوا إلى الآخرة غانمين؛ لأنهم كانوا في الدنيا محسنين، وما على المحسنين من سبيل.
وقد ذكر الله تعالى نعت هؤلاء القوم في القرآن في آيات كثيرة وأثنى عليهم ومدحهم، ووردت عن النبي - عليه السلام - أخبار كثيرة في نعتهم وصفتهم ومدحهم وحسن الثناء عليهم، ومن ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال في هذه الأمة أربعون رجلا من الصالحين على ملة إبراهيم الخليل - عليه السلام - فقيل: يا رسول الله: خبرنا عن ملة إبراهيم عند ربه، فقال: إنه كان حنيفا مسلما سليم القلب، وذلك أنه لما هم به قومه يقذفونه في النار بكت الملائكة في السماء رحمة له، فأوحى الله سبحانه إلى جبرائيل أن الحقه وأعنه إن استعان بك، فجاء جبرائيل - عليه السلام - وهو في المنجنيق ليرمى به في النار، فقال له: يا إبراهيم هل لك من حاجة؟ فلشدة تعلق قلبه بربه وتوكله عليه وثقته بوعده ويقينه بتخليصه إياه واستغنائه عمن سواه، قال: أما إليك فلا، فعند ذلك قال الله تعالى: @QUR07 يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، ويقال: إن من هؤلاء الأربعين رجلا أربعة منهم الأبدال، وإنما سموا الأبدال؛ لأنهم بدلوا خلقا بعد خلق، وصفوا تصفية بعد تصفية.
وذلك أن هؤلاء الأربعين منتقون من جملة أربعمائة من الزاهدين العارفين المحققين، وهؤلاء الأربعمائة منتقون من أربعة آلاف من المؤمنين التائبين المخلصين، وكلما مضى شخص من الأربعة قام في رتبته شخص من الأربعين، وإذا مضى شخص من الأربعين قام في رتبته شخص من الأربعمائة، وإذا مضى شخص من الأربعمائة ارتقى إلى منزلته شخص من الأربعة الآلاف، فبلغ مرتبته وقام مقامه، وكلما مضى شخص من الأربعة الآلاف ارتقى مكانه بدلا منه واحد من المؤمنين التائبين المخلصين، فبلغ درجته وقام مقامه.
وإليهم أشار أمير المؤمنين علي - عليه السلام - بقوله لكميل بن زياد: أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فباشروا روح حقيقة اليقين إلى آخر كلامه، وفيهم يقول: صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى.
وإليهم أشار موسى - عليه السلام - بقوله في مناجاته: يا رب إني أجد في التوراة نعت رجال كادوا يكونون أنبياء من قوة التمييز والمعرفة والصلاح، من هم يا رب؟ اجعلهم من أمتي، فأوحى الله تعالى إليه وقال الله: تلك أمة أحمد، وإليهم أشار بقوله تعالى: @QUR017 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله.
واعلم يا أخي بأن هؤلاء القوم الذين تقدم ذكرهم هم ورثة أنبياء الله وخلفاء رسله في الأرض، وأن الذي ورثوه منهم إنما هو العلم والإيمان والتعبد وقبول التأييد والإلهام والزهادة في الدنيا وترك طلبها والرغبة في الآخرة والاشتياق إليها، وذلك أنهم متشبهون بالملائكة في أفعالهم وأخلاقهم وسيرتهم من تركهم الشهوات الجسمانية، وإعراضهم عن اللذات الحسية المركوزة في الطبيعة، بالامتناع عنها بعد المقدرة عليها مع شدة مجاذبة الطبيعة لهم إليها.
وهم يتركونها باجتهاد منهم وعناية شديدة بعد الفكر والروية، ويختارون الشدة على الرخاء، والتعب على الراحة، ومخالفة الهوى وحمل ثقل التعبد على النفس؛ وكل ذلك لمرضاة الله والاقتداء بأنبيائه ورسله في سنة الدين، فلا جرم أنهم ملائكة بالقوة، فإذا فارقت نفوسهم أجسادهم كانت ملائكة بالفعل، فهذا الذي كان الغرض من رباط النفس بالجسد أن تصير النفس الناطقة ملكا من الملائكة بالفعل بعدما كانت بالقوة.
واعلم يا أخي بأنه لو لم يكن في قوة النفس الناطقة أن تصير ملكا بالفعل لما جاءت الوصية من الله تعالى لها بأمرها بالتشبه بالملائكة في أفعالها وأخلاقها وسيرتها، ولا كانت موعودة بملاقاتها ومخاطبتها مثل قوله - جل ثناؤه: @QUR012 تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون يعني: المؤمنين عند قبض أرواحهم، مثل قوله تعالى: @QUR012 الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون، ومثله قوله تعالى: @QUR014 والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وآيات كثيرة في القرآن في هذا المعنى يطول تعدادها.
واعلم يا أخي أن هؤلاء الذين ذكرناهم من الصالحين هم الذين سماهم الله تعالى أولي الألباب وأولي النهى وأولي الأبصار وهم أولياء الله وأحباؤه، وإليهم أشار بقوله تعالى لإبليس: @QUR06 إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وهم المفلحون وهم الفائزون، وإليهم أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لأبي هريرة بقوله: عليك يا أبا هريرة بطريق أقوام إذا فزع الناس لم يفزعوا، وإذ طلب الناس الأمان من النار لم يخافوا، قال: من هم يا رسول الله؟ عدهم لي وصفهم حتى أعرفهم، قال: قوم من أمتي في آخر الزمان يحشرون يوم القيامة محشر الأنبياء، إذا نظر إليهم الخلائق ظنوهم أنبياء مما يرون من حالهم؛ حتى أعرفهم أنا بسيماهم فأقول: أمتي أمتي؛ ليعرف الخلائق أنهم ليسوا بأنبياء، ويمرون مثل البرق والريح يغشى أبصار الجميع نورهم، قلت: يا رسول الله مرني بمثل عملهم لعلي ألحق هم، قال: يا أبا هريرة إن القوم ارتكبوا طريقا صعبا لحقوا بدرجة الأنبياء، آثروا الجوع بعدما أشبعهم الله، والعطش بعدما أرواهم الله، والعري بعدما كساهم الله، تركوا ذلك رجاء ما عند الله، تركوا الحلال مخافة حسابه، صحبوا الدنيا بأبدانهم من غير أن تعلق بشيء منها قلوبهم، تعجب الأنبياء والملائكة من طاعتهم لربهم، فطوبى لهم، وددت أن الله جمع بيني وبينهم، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى رؤيتهم، ثم قال: إذا أراد الله سبحانه بأهل الأرض عذابا، فنظر إليهم إن كان واحد منهم صرف العذاب عنهم، فعليك يا أبا هريرة بطريقتهم، فمن خالف طريقتهم وقع في شدة الحساب.
अज्ञात पृष्ठ