ضرب رمح الدبق صدر «بالدر» واخترقه.
فسقط «بالدر» أرضا. وتدفقت منه الدماء واختنق.
بحث «هودور» عن «لوكي» وسط الصمت المفاجئ الذي عم المكان. فسمع صوت طنين بعوضة بالقرب من أذنه. لقد اختفى «لوكي» المتحول.
كان حزن الآلهة مروعا. لقد انهاروا تماما. ولم يستطيعوا التحدث من كثرة البكاء. كان «أودين» هو أكثرهم تأثرا؛ فالآلهة لا تسقط ميتة، وعندما يقتل ألطف الآلهة وأجملها في لعبة ما، فسيكون القادم أسوأ. وقفت الآلهة المحتشدة لفترة طويلة ببلاهة، غير قادرة على لمس الجثة، أو تحريكها. عبثت الرياح الخفيفة بشعر «بالدر» اللامع. وقف «هودور» الداكن وحيدا، يستمع إلى البكاء. أغمضت الطفلة النحيلة عينيها وحاولت تخيل ما كان بداخل رأسه وفشلت.
لم تكن «فريج» أما فحسب، بل إلهة. لقد عقدت العزم على جعل ابنها محصنا من الأذى، وقد هزأ بها القدر الذي كان ينتظره وسخر منها. ولكن في خضم حزنها الرهيب وغضبها الجامح رفضت الاستهزاء بها، ورفضت قبول الهزيمة وهذه النهاية المؤلمة. إذا كان «بالدر» قد هبط إلى العالم السفلي، فيوجد آلهة هناك يمكنها مساومتها، والتوسل إليها. حتى «هيل» الباردة ستتأثر بغضب «فريج» وحزنها الشديد، الذي كانت تعلم «فريج»، أنه أشد من أي حزن شعرت به أي أم أخرى على ابنها. لا يمكن أن يحدث هذا لها، كما لم يكن ممكنا أن يحل بابنها ما حل به. كانت القصة تسير في اتجاه معين، ولكنها ستغير مجراها، وستقلبها رأسا على عقب، وستشكل نهايتها وفقا لرغبتها.
سألت «فريج» بصوت باك غليظ «الإيسر» قائلة: «من منكم سيهبط إلى «هيل» ويتوسل إلى حاكمها أن يعيد «بالدر» المشرق إلى «أسجارد» مرة ثانية؟»
خطا الحارس «هيرمودر» بخفة إلى الأمام، وقال إنه سيذهب. ثم قال «أودين» إنه لا بد أن يذهب إلى هناك على حصانه «سليبينير» ذي الثمانية أرجل؛ فهو أسرع الأحصنة على الإطلاق، وقائد «الصيد البري»، وحصان «أودين» الخاص. اقتيد «سليبينير» إلى الأمام ووثب «هيرمودر» بخفة على السرج وامتطاه، ولكزه لينطلق، فوثبا خارج بوابة «أسجارد» وتوجها إلى «جينونجاجاب».
لم تستطع الآلهة معاقبة «هودور» لقتله شقيقه؛ لأن هذا الأمر وقع في «ثينج»، وهو مكان مقدس. ولكنهم نفوه بعيدا جدا عن «أسجارد»، في غابات «ميدجارد» المظلمة، حيث كمن هناك مختبئا في النهار، ومتجولا في الليل، وهو مسلح بسيف ضخم أعطته له الشياطين المتوحشة للغابة. تساءلت الطفلة النحيلة عما إذا كانت «فريج» قد رثت هذا الابن الآخر، أو اهتمت بمعرفة ما كان يشعر به؛ هل عرفت كيف خدع لإلقاء رمح الدبق صوب أخيه؟ استمرت القصة كما هو مقدر لها، وألقت ضوءا ساطعا على بعض الأمور، وتجاهلت الأخرى، مثل «هودور» الذي يقبع في الظلمات.
كانت جنازة «بالدر» واحدة من أروع أجزاء القصة، وأكثرها إشراقا. حيث حمل جسده إلى الشاطئ، وهو في أبهى ثيابه، ثم وضع على متن سفينته الضخمة، «هرينجهورني»، بمقدمتها العالية والمقوسة على شكل تنين، وهيكلها الطويل الرشيق المصنوع من ألواح خشبية شديدة السواد. استقرت السفينة على عجلات فوق الشاطئ، وكانت مكدسة حتى آخرها بالمتعلقات الثمينة، ذهب من «فالهالا»، وأكواب، وأباريق، ودروع ثقيلة، ودروع خفيفة، والرمح المزود بفأس، وكلها مرصعة بالأحجار الكريمة، وملفوفة بالحرير والفراء. كما أحضر الطعام؛ اللحم من الخنزير الذهبي، والنبيذ في أوان محكمة الغلق. جاء «أودين» وأحضر معه الخاتم «دراوبنير»، أي «المقطر»، وهو خاتم سحري، يخرج منه ثمانية خواتم جديدة، كل تسع ليال. انحنى «أودين» فوق وجه ابنه الميت الأبيض الشاحب، وهمس في أذنه بشيء. لا أحد يعرف ما قاله.
عندما رأت «نانا»، زوجة «بالدر»، جثته ممددة في السفينة، شهقت بقوة وسقطت مغشيا عليها.
अज्ञात पृष्ठ