रहमान और शैतान
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
शैलियों
وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل (النمل: 24). فلقد أخذ الشيطان على نفسه عهدا، منذ أن خلق الله آدم، بالإيقاع بالإنسان وتزيين المعصية له وحرفه عن سبل الحق والخلق القويم:
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (الأعراف: 16-17).
رغم ما يبدو من شبه ظاهري بين الشيطان في المعتقد القرآني وشيطان العقائد الثنوية، فإن فحوى المعتقد القرآني يختلف عن فحوى الثنويتين الجذرية والمطلقة في نقطة مبدئية حاسمة، وهي أن الشيطان في الإسلام ليس ندا للرحمن ولا حتى بصورة مرحلية مؤقتة، ولذا فإنه لا يتمتع بالسلطة أو القوة اللازمتين للخلق، أو للتدخل في مظاهر خلق الله وإفسادها:
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (النحل: 17).
هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه (لقمان: 11). كما يختلف فحوى المعتقد القرآني عن فحوى الثنويات الأخلاقية في نقطة حاسمة أخرى، وهي أن الشيطان ليس مبدأ كونيا للشر، وليس حاكما على مملكة للشر تقف في مواجهة مملكة أخرى للخير، كما أنه ليس متصرفا بشئون هذا العالم، يتصرف به كما يشاء خلال الفترة الوسطية من التاريخ. فالخير والشر احتمالان مجردان وخياران أخلاقيان سيرهما الله لبني البشر ليكونا موضوعا للحرية التي وهبها، تمييزا لهم وتكريما على بقية الكائنات غير العاقلة:
كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون (الأنبياء: 35).
ورغم سلطة الشيطان على المجال الأخلاقي وحده من دون بقية المجالات، فإن مقدرته على التأثير في هذا المجال محدودة أيضا، لأن سلطانه يقتصر على الأشخاص الذين اتخذوا خيارهم وانحازوا إلى جانب الشر، فهو يعاضدهم ويزيد في غيهم. أما من اختار جانب الخير فلا سلطان للشيطان عليه. وهذا ما تنص عليه آيات كريمة عديدة:
إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (النحل: 99-100).
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا (الإسراء: 65).
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (الحجر: 42).
अज्ञात पृष्ठ