अंतरिक्ष यात्राएँ: एक संक्षिप्त इतिहास
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
शैलियों
شكر وتقدير
تمهيد السلسلة
مقدمة
1 - أحلام رحلات الفضاء والمقتضيات العسكرية
2 - سباق الفضاء في الحرب الباردة
3 - علوم الفضاء واستكشافه
4 - البنية التحتية للفضاء العالمي
5 - الثقافة الفلكية: رحلات الفضاء والخيال
6 - رحلات الفضاء المأهولة بعد الحرب الباردة
الخاتمة: ماضي رحلات الفضاء ومستقبلها
अज्ञात पृष्ठ
مسرد المصطلحات
ملاحظات
قراءات إضافية
شكر وتقدير
تمهيد السلسلة
مقدمة
1 - أحلام رحلات الفضاء والمقتضيات العسكرية
2 - سباق الفضاء في الحرب الباردة
3 - علوم الفضاء واستكشافه
4 - البنية التحتية للفضاء العالمي
अज्ञात पृष्ठ
5 - الثقافة الفلكية: رحلات الفضاء والخيال
6 - رحلات الفضاء المأهولة بعد الحرب الباردة
الخاتمة: ماضي رحلات الفضاء ومستقبلها
مسرد المصطلحات
ملاحظات
قراءات إضافية
رحلات الفضاء
رحلات الفضاء
تاريخ موجز
تأليف
अज्ञात पृष्ठ
مايكل جيه نيوفلد
ترجمة
هبة عبد العزيز غانم
مراجعة
هبة عبد المولى أحمد
شكر وتقدير
قدم لي زميلي في المتحف الوطني للطيران والفضاء ديفيد ديفوركين تعليقات قيمة على الفصول كافة. كما منحني رون دويل وماثيو شينديل وبول سيروزي وعاصف صديقي آراء سديدة أفادتني أيما إفادة. علاوة على ذلك، أود أن أتوجه بالشكر إلى المراجعين المجهولين في مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على اقتراحاتهم، ولمحررتي، كاتي هيلك لاهتمامها المخلص بالعقد وعملية المراجعة وإنتاج هذا الكتاب. كما أدين بالشكر لزوجتي، كارين ليفنباك، التي منحتني الحب والدعم والاقتراحات التحريرية طوال عملية الكتابة، ولقطتينا بارجيتر ورامسي اللتين كانتا تشتتان ذهني أحيانا، تشتيتا محببا إلى نفسي، أثناء الساعات التي أقضيها على الكمبيوتر.
تحول رحلات الفضاء دون الانهيار الحضاري الذي قد تجلبه علينا الحرب أو التغييرات المناخية؛ ومن ثم فإنها ستستمر على الأحرى في المستقبل، كونها قد أضحت جزءا لا يتجزأ من الحياة على كوكب الأرض.
تمهيد السلسلة
تقدم سلسلة المعرفة الأساسية لمطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كتبا موجزة بلغة جزلة سهلة الفهم وشكل أنيق وحجم صغير يلائم الجيب، وتتناول من الموضوعات ما هو رائج في الآونة الأخيرة. ويؤلف الكتب في هذه السلسلة عدد من كبار المفكرين، الأمر الذي يجعلها قادرة على أن تمنح القارئ نظرة عامة سليمة عن موضوعات شتى تتنوع ما بين الثقافة والتاريخ والعلم والتكنولوجيا.
अज्ञात पृष्ठ
في ظل ما يشيع في هذا العصر من إشباع لحظي للمعلومات، أضحى لدى الجميع القدرة على الوصول إلى الآراء والأفكار والشروح السطحية بسرعة وسهولة، وأصبح من الصعوبة بمكان أن يحظى المرء بالمعرفة الأساسية التي تيسر فهما صادقا للعالم. وما تفعله كتب هذه السلسلة هو أنها تحقق ذلك الغرض. وكل كتاب من هذه الكتب المختصرة يقدم للقارئ وسيلة ميسرة للوصول إلى الأفكار المعقدة، من خلال تبسيط المواد المتخصصة لغير المختصين، وشرح الموضوعات المهمة بأبسط طريقة ممكنة.
بروس تيدور
أستاذ الهندسة البيولوجية وعلوم الكمبيوتر بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
مقدمة
رحلات الفضاء هي واحدة من أعظم الإنجازات التي حققها البشر في القرن العشرين؛ ففي عام 1900، لم يكن هناك سوى شخص أو اثنين فقط على وجه الأرض يعلمون أن الصاروخ ربما يجعل السفر عبر الفضاء ممكنا، ولم تمر أربعة عقود، إلا وبدأت الصواريخ الألمانية «في-2» رحلاتها إلى ما وراء الغلاف الجوي. وبحلول عام 1963، كان الاتحاد السوفييتي قد أطلق أقماره الصناعية الأولى، ووصل إلى القمر، ووضع أول رجل وأول امرأة في مدار الأرض. وفي نهاية ذلك العقد نفسه، دار رواد الفضاء الأمريكان حول القمر ثم هبطوا عليه. وبحلول السبعينيات من القرن العشرين وصلت الروبوتات الأمريكية والسوفييتية إلى سطح كوكب الزهرة والمريخ، وقبل عام 1989، كانت مركبات الفضاء الأمريكية قد حلقت بالقرب من الكواكب الثمانية الكبرى جميعها. وانطلقت أربع من هذه المركبات في رحلات ذهاب فقط إلى فضاء ما بين النجوم، فكانت بذلك أول أجهزة من صنع البشر تستطيع الهروب ليس فقط من تأثير جاذبية الأرض، بل من تأثير جاذبية الشمس أيضا.
رحلات الفضاء هي واحدة من أعظم الإنجازات التي حققها البشر في القرن العشرين.
هذا الاستكشاف المباشر للكون، بالتزامن مع التليسكوبات الفضائية والأرضية، قد غير فهم الإنسان لكوكبنا، وللنظام الشمسي، وللكون تغييرا جذريا. ومع ذلك، فإن الاستكشاف لم يكن أبدا هو السبب الوحيد، أو حتى السبب الرئيسي، الذي جعلنا نتجه للفضاء؛ فالأغلبية العظمى من مركبات الفضاء تدور حول كوكب الأرض لتمده بخدمات، أو لتجمع حوله معلومات. منذ الستينيات من القرن العشرين، نجحنا في ربط الفضاء القريب من الأرض، بداية من المدار الأرضي الجغرافي المتزامن (المدار الذي يدور فيه القمر الصناعي في نفس اتجاه كوكب الأرض حيث المدة التي يستغرقها ليدور دورة كاملة حول الأرض تساوي مدة دوران الأرض حول نفسها) على بعد 22200 ميل (35800 كيلومتر)، وأقمنا منطقة جديدة للحكم والنشاط الاقتصادي. وقد أصبح ما يحدث هناك الآن جوهريا للحياة اليومية، لا سيما في العالم المتقدم، وذلك من خلال توفير سبل التواصل العالمية، والملاحة بالأقمار الصناعية، وعمليات رصد الطقس، والاستطلاعات العسكرية، والإنذار المبكر ضد الصواريخ، وعلوم الأرض، وما إلى ذلك. وكان ثمرة ذلك خلق بنية تحتية فضائية نامية، ولكنها في الوقت نفسه غير مرئية.
ما زال «برنامج الفضاء» حتى الآن مرادفا لرحلات الفضاء المأهولة بالنسبة للكثيرين. إلا أن رواد الفضاء قد قطعوا أقل من 400 ميل (650 كيلومترا) تقريبا من سطح الأرض منذ رحلة «أبولو» الأخيرة للقمر في ديسمبر 1972. ومن المتوقع أن يتغير ذلك في العشرينيات من القرن الحادي والعشرين، ولكن ما زلنا لا ندري ما إذا كان ذلك سيثمر عن مستقبل نابض بالحياة من بناء قواعد على سطح القمر أو القيام برحلات استكشافية إلى كوكب المريخ. وفي حين أننا تعلمنا دروسا مهمة في ما يقرب من نصف القرن الذي لم يتخط فيه رواد الفضاء مدار الأرض المنخفض، إلا أن قيمة التغيير التكنولوجي والإنجاز في الرحلات الفضائية المأهولة سوف تتضاءل عند مقارنتها بكل من عمليات استكشاف الفضاء العميق الآلية والبنية التحتية للفضاء القريب. ومن ثم، فإن أحد أهدافي الرئيسية من تأليف هذا الكتاب الموجز هو تمهيد الطريق أمام القارئ الواعي العادي ليرى بوضوح النطاق الواسع من الأنشطة التي طورناها كبشر في الفضاء، وتأثير هذه الأنشطة على الوعي والثقافة.
علاوة على ذلك، لا مناص من أن يصف التاريخ الأصول والأسباب، وليس فقط الأحداث وتداعياتها. إن خيال الإنسان ورغبته الملحة في الاستكشاف كان له بالضرورة علاقة وطيدة برحلات الفضاء، ولكن أي نشاط في هذا الاتجاه يكلف أموالا طائلة. في مستهل القرن العشرين، سرعان ما حلت سباقات التسلح العالمية والحرب محل الحماس المتقد كدوافع أساسية للتطوير. وما زالت البعثات العسكرية وبعثات الأمن الوطني تمثل جزءا كبيرا جدا فيما يحدث في مدار الأرض. ولا ريب أن اكتساب الهيبة والقوة التكنولوجية كان من العوامل الخطيرة، لا سيما لرحلات الفضاء المأهولة أثناء الحرب الباردة، وبعدها. وقد دخلت المنافسة التجارية والأرباح المعادلة في ستينيات القرن العشرين، وكان ذلك في البداية من خلال الأقمار الصناعية الخاصة بالتواصل فحسب. ثم بدأ النشاط يمتد إلى قطاعات أخرى، في أواخر الحرب الباردة، حتى وصل بحلول العقد الأول من الألفية الثانية إلى رحلات الفضاء المأهولة.
نظرا لأن الدول القومية هي الفاعل الرئيسي في هذا المجال؛ فإن تاريخ الفضاء كثيرا ما يكتب كتاريخ البرامج القومية، أو كتاريخ البرامج التعاونية بين الدول. ويسوق ذلك معظم السرد في هذا الكتاب، خصوصا في الفصول الثلاثة الأولى التي تسرد قصة أصول تكنولوجيا الفضاء وأفكاره، وسباق الفضاء في الحرب الباردة، وعلوم الفضاء والاستكشاف (الذي كان ثمرة الحرب الباردة). بيد أن الحركات العابرة للحدود القومية للبشر والأفكار والتكنولوجيا كانت على الدوام جزءا لا يتجزأ من قصة رحلات الفضاء، وقد تنامت أهميتها منذ اضطلعت الشركات والدول الجديدة بدور أكبر منذ نهاية الحرب الباردة. في الفصول الثلاثة الأخيرة، سأناقش نمو البنية التحتية العالمية في الفضاء (البنية التحتية العسكرية والمدنية)، وظهور «ثقافة فلكية» عالمية وتدويل رحلات الفضاء المأهولة وخصخصتها بعد الحرب الباردة. ويعد التكامل العالمي لاقتصادات العالم والنظم السياسية هو أساس بعض هذه التغييرات، ولكن رحلات الفضاء تؤثر أيضا على عملية العولمة ومعدلها، وذلك من خلال التأثير، من بين أمور أخرى، على ثقافة الكوكب وشبكات التواصل الخاصة به.
अज्ञात पृष्ठ
تحول رحلات الفضاء دون الانهيار الحضاري الذي قد تجلبه علينا الحرب أو التغييرات المناخية، ومن ثم فإنها ستستمر على الأحرى في المستقبل، كونها قد أضحت جزءا لا يتجزأ من الحياة على كوكب الأرض. ومن الممكن أن يتوسع الجنس البشري للخارج وينتشر على أكثر من كوكب، وفقا لتوقعات الداعين إلى رحلات الفضاء منذ زمن طويل، ولكنه ليس أمرا مؤكدا بأي حال من الأحوال . أيا كان ما سيحدث، فإن رحلات الفضاء سواء المأهولة أو الآلية تعد إنجازا مذهلا ولها آثار بالغة الأهمية على حيواتنا؛ ومن ثم يجدر بنا أن نفهم شيئا عن تاريخها.
الفصل الأول
أحلام رحلات الفضاء والمقتضيات العسكرية
ظلت السماء لآلاف السنين عالم الآلهة والكائنات الأسطورية، ولم تكن قط مكانا يمكن للمرء أن يتخيل السفر إليه، باستثناء القمر الذي جعله وجهه المرئي يبدو كعالم حقيقي. ولكن مع ذلك، لم تكن ثمة وسيلة للذهاب إليه غير الوسائل الخارقة للطبيعة. ورويدا رويدا أضحى بوسعنا أن نتخيل إيجاد تكنولوجيا للهروب من كوكب الأرض في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع ظهور المناطيد، والسكك الحديدية، والسفن البخارية، وغيرها من الإنجازات التي تبدو إعجازية في وسائل المواصلات والاتصالات. ثمة تأثير آخر مهم وهو بزوغ علم الفلك الحديث في أوروبا؛ إذ حول القمر والكواكب إلى أماكن يستطيع المرء تخيل السير عليها، حتى وإن كان الذهاب إليها يبدو مستحيلا.
نشر الكثير من الحكايات الخيالية، بل التهكمية، مصورة السفر إلى الفضاء، ولكن أكثرها تأثيرا كانت مؤلفات الكاتب الفرنسي جول فيرن؛ فقصته «من الأرض إلى القمر» (1867) ومكملتها «حول القمر» (1870)، كانتا مثل باقي مؤلفاته في الخيال العلمي تضعان معيارا جديدا للواقعية التكنولوجية. وبصرف النظر عن حقيقة أن المدفع العملاق الذي استخدمه لقذف المسافرين للفضاء كان سيسحقهم على الفور في لحظة إشعاله، إلا إنه ألهم الحالمين لتخيل رحلة للقمر وكيف يمكن حل تلك المعضلة.
أحد هؤلاء الحالمين كان كونستانتين تسيولكوفسكي، الذي ولد عام 1857، الذي انتصر على إعاقة السمع ليصبح مدرسا في كالوجا بروسيا القيصرية. كان مهووسا في وقت فراغه بابتكار أفكار لرحلات الطيران في الجو وفي الفضاء. وقضى وقتا في تطوير أفكار المناطيد ذات المحركات أطول مما قضاه في مركبات الفضاء، ولكنه استوحى أفكاره من فيرن وأيضا من فلسفة روسية غريبة يطلق عليها «الكونية»، وهي فلسفة ترى أن اختراع السفر عبر الفضاء ربما يؤدي إلى كمال البشرية وإعادة إحياء الموتى، وشرع أيضا في البحث عن طريقة لقذف الأشياء في الفراغ. وبحلول عام 1883م أدرك أن الصاروخ يمكن أن ينجح في هذه المهمة.
1
لم يكن استخدام علم الصواريخ في رحلات الفضاء أمرا واضحا بأي حال من الأحوال. كان الصينيون قد اخترعوا صواريخ المسحوق الأسود نحو عام 1100 قبل الميلاد، كتطوير لصواريخ البارود. وأصبحت مهمة في الألعاب النارية وفي الحروب، خصوصا في آسيا، وانتقلت إلى أوروبا في أواخر العصور الوسطى. وحظيت الصواريخ بفرصة ثانية للحياة في الحروب النابوليونية، عندما طور المخترع البريطاني ويليام كونجريف أغلفة حديدية وأجرى تعديلات أخرى جعلتها أكثر تنافسية مع المدفعية التقليدية. ولكن علم الصواريخ خبا وهجه مرة أخرى في أواخر القرن التاسع عشر نظرا إلى أن مواسير البنادق كانت تتيح دقة أكبر في التصويب. مرة أخرى، نظرا إلى أن الصواريخ لم تكن سوى ألعاب نارية، فلم يكن ثمة إمكانية واضحة لأن تحمل على متنها مركبة بتلك السرعات التي لا يمكن تخيلها لرحلات الفضاء: 17500 ميل في الساعة لمدار الأرض المنخفض و25000 ميل في الساعة للهروب من الأرض، في الوقت الذي لم تكن فيه أية مركبة مأهولة قد سافرت حتى ذلك الحين بسرعة 100 ميل في الساعة. علاوة على ذلك، أدرك قليلون أن قانون الحركة الثالث لإسحاق نيوتن الذي ينص على أن «لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه» (كما في ردة فعل البندقية) ينطبق أيضا على الصواريخ. وكانت الفكرة الخاطئة المسيطرة هي أن دفقة العادم تحتاج إلى هواء لتدفع الصاروخ إلى الأمام.
نظرا إلى أن الصواريخ لم تكن سوى ألعاب نارية، فلم يكن ثمة إمكانية واضحة لأن تحمل على متنها مركبة بتلك السرعات التي لا يمكن تخيلها لرحلات الفضاء.
لكي يرى قدرة الصاروخ؛ حقق تسيولكوفسكي عدة وثبات خيالية تتجاوز حدود المسحوق الأسود. فقد استعان هذا العالم الهاوي، الذي علم نفسه بنفسه، بآخر الإنجازات المحققة في الكيمياء ليفهم أن حرق وقودين سائلين سيزيد مخرج الطاقة والكفاءة زيادة هائلة. بالإضافة إلى ذلك، سينتج الأكسجين السائل والهيدروجين السائل أعلى مخرج طاقة ممكن تقريبا، لكل وحدة من كتلة الوقود السائل. (أنتج الأكسجين السائل ، الذي يتكثف عند درجة حرارة −297 فهرنهايت، لأول مرة في معمل عام 1883، بينما أنتج الهيدروجين السائل، الذي يتكثف عند درجة حرارة −423 فهرنهايت، في عام 1898.) كذلك استخدم تسيولكوفسكي ميكانيكا نيوتن في حساب عجلة مثل هذا الصاروخ الافتراضي، الذي تتضاءل كتلته مع احتراق الوقود، وكان أول من كتب المعادلات الأساسية لحركة الصاروخ. وقد خلص من هذه الحسابات في النهاية إلى أن قصور أي جهاز يمكن أن يزيد عن طريق تكديس الأجهزة، وهو ما يعرف حاليا باسم التكديس. وقد سمح ذلك بالتخلص من الوزن غير المرغوب فيه في طريق الصعود، مما أتاح الوصول إلى سرعات أعلى.
अज्ञात पृष्ठ
في البداية كان ذلك المدرس الغريب الأطوار ينشر أفكاره في قصص الخيال العلمي التعليمية المعقدة في التسعينيات من القرن التاسع عشر، ثم بعد ذلك بدأ ينشرها كأوراق علمية في عامي 1903 و1911. لكن منشوراته لم تكن مشهورة في روسيا إلى أن بدأت الحرب العالمية الأولى، ولم تعرف على الإطلاق خارجها. وفي مستهل تسعينيات القرن التاسع عشر، نشر مخترع ألماني على القدر نفسه من الغرابة، يدعى هيرمان جانسوينت، فكرة سفينة فضاء، تطرد كتلا فردية لخلق نوع من الدفع الرد فعلي، ولكن علمه كان واهيا وسرعان ما نسيت فكرته. وحوالي عام 1908، اكتشفت مجموعة جديدة أصغر سنا من المنظرين في أوروبا وأمريكا كل على حدة الكثير من أفكار تسيولكوفسكي. وكان كل منهم مقتنعا تمام الاقتناع أنه أول شخص على وجه الأرض تراوده هذه الأفكار.
2
حفزت الرحلات الجوية المذهلة للطائرات والمناطيد ذات المحركات في مستهل القرن العشرين الخيال. فإذا كان البشر يستطيعون الطيران في الغلاف الجوي، فماذا عن تجاوزه؟ وتجلى الرابط بين الاثنين واضحا في حالة الفرنسي روبرت إسنو بيلتيري، الذي كان طيارا ومخترع طائرات مهما، بدأ في التفكير في رحلات الفضاء باعتبارها التحدي التالي. ونشر ورقة علمية تسرد جزءا من النظرية في 1912، ولكنه كان يتخيل أن الطاقة الذرية المكتشفة حديثا يجب استغلالها بطريقة ما لتوليد السرعات المطلوبة، وفاتته احتمالات الصاروخ ذي الوقود السائل.
شكل 1-1: كونستانتين تسيولكوفسكي؛ مدرس روسي غريب الأطوار كان أول من اكتشف الأفكار والمعادلات الجوهرية لإثبات أن علم الصواريخ يمكن أن يجعل السفر عبر الفضاء ممكنا. بدأ الكتابة والنشر في أواخر القرن التاسع عشر، قبل باقي المنظرين بعقدين كاملين (المصدر: المتحف الوطني للطيران والفضاء).
من بين منظري رحلات الفضاء الأوائل، يبرز اثنان باعتبارهما ندين لتسيولكوفسكي: روبرت إتش جودارد في الولايات المتحدة وهيرمان أوبرث في وسط أوروبا. (كان أوبرث ألمانيا إثنيا من ترانسيلفينيا، التي كانت جزءا من الإمبراطورية النمساوية المجرية حتى عام 1918 ثم أصبحت جزءا من رومانيا فيما بعد.) عندما كان جودارد طالبا في السابعة عشرة من عمره في ورسستر بماساتشوستس، أصبح مهووسا برحلات الفضاء في عام 1899 بعدما قرأ قصة إتش جي ويلز «حرب العوالم» عن غزو رجال المريخ للأرض. وبينما كان جالسا فوق شجرة كرز في الباحة الخلفية لمنزل والديه واتته رؤية لمركبة تصعد إلى كوكب المريخ. كانت تلك هي الطبيعة شبه الدينية للتجربة، حتى إنه عندما ضرب إعصار نيوإنجلاند الهائل عام 1938 الشجرة، كتب في مذكراته: «سقطت شجرة الكرز؛ سأضطر لأن أكمل المسيرة وحدي.» حثته رؤياه على أن يبحث عن ضالته المنشودة في نظام دفع يستطيع العمل في الفضاء؛ وفي مستهل عام 1909، أدرك أنه هو الصاروخ وبدأ يضع كل المبادئ. وبعد ذلك بفترة قصيرة، وصل أوبرث، الذي ولد عام 1894، إلى النتائج نفسها بعد أن ألهمته كتابات فيرن. وقد ساعده كونه ابن طبيب وأنه هو نفسه درس الطب في النهاية في أن يجري أول الأبحاث عن الآثار الممكنة لانعدام الوزن. ورغم أنه لم يبد في البداية بنفس غرابة أطوار جودارد وتسيولكوفسكي، فقد انتهى به الأمر كمخبول يؤلف كتبا عن التواصل بتوارد الخواطر مع الكائنات الفضائية؛ ومن ثم يبدو أن موضوع السفر إلى الفضاء كان يجذب على الأحرى غريبي الأطوار. ولذا ظل بالنسبة إلى الأغلبية العظمى من الناس، إما ثوريا للغاية أو جنونيا تماما.
3
كان جودارد واحدا من المنظرين القلائل الذين نجحوا في تجارب الصواريخ. وقد عانى من نوبة من مرض السل كادت تودي بحياته، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء وأصبح أستاذا في جامعته الأم، جامعة كلارك في ورسستر. وبدأ تجارب اختبارية، منها إثبات أن الصاروخ يعمل في وعاء مفرغ من الهواء. واستنتج من خلال التجارب الكم المطلوب من المسحوق الوامض ليثبت أن أحد صواريخه قد ارتطم بالجانب المظلم من القمر. وفي أواخر عام 1916، كتب إلى مؤسسة سميثونيان في واشنطون العاصمة طالبا تمويلا أكثر مما يستطيع الحصول عليه في جامعة كلارك. وحالفه الحظ في طلبه؛ إذ كان دائما شديد الحرص فيما يتعلق بالإفصاح عن أحلامه العريضة في مجال رحلات الفضاء، فحاول إقناعهم باختراع صاروخ جديد له القدرة على حمل معدات إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي. وكان هذا يتفق بشدة مع برنامج تشارلز جريلي أبوت، مدير مرصد سميثونيان للفيزياء الفلكية، الذي أراد قياس الناتج الإشعاعي للشمس في غياب الغلاف الجوي. وفي بداية عام 1917، بينما كانت الحرب تستعر في أوروبا، حصل جودارد على خطاب يعده بخمسة آلاف دولار (وهو ما يكافئ عشرين ضعف المبلغ اليوم). وعندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، كان يقوم بأعمال صواريخ تكتيكية لصالح الجيش. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ضغط عليه أبوت لينشر ورقة علمية حول عمله وأفكاره.
يبدو أن موضوع السفر إلى الفضاء كان يجذب على الأحرى غريبي الأطوار. ولذا ظل بالنسبة إلى الأغلبية العظمى من الناس، إما ثوريا للغاية أو جنونيا تماما.
على مضض، أنهى جودارد المتحفظ ورقته العلمية المعنونة «وسيلة للوصول إلى الارتفاعات القصوى». كان معظم الورقة عبارة عن بحث رياضي صرف حول المبادئ الأساسية، ولكنه ناقش في نهايتها فكرته الخاصة بارتطام صاروخ يحمل مسحوقا وامضا بسطح القمر. وعندما نشرت مؤسسة سميثونيان هذه الورقة العلمية في مطلع يناير عام 1920، نشرت أيضا بيانا صحافيا يضم فكرة القمر. وأثارت الفكرة رد فعل غير متوقع على الإطلاق. وأعلنت الصحف الأمريكية أن أستاذا جامعيا محترما يخطط لإطلاق صاروخ إلى سطح القمر، وانتشرت القصة انتشار النار في الهشيم في العالم بأسره. وأذكت الصحافة النيران بقولها إن جودارد أوشك أن ينطلق بالصاروخ بنفسه. وكتب متطوعون لينضموا إليه على متن رحلته القمرية، بينما سخرت صحيفة «نيويورك تايمز» من جودارد ومن مؤسسة سميثونيان لافتقارهما إلى «المعلومة التي يتلقاها طلاب المدارس الثانوية يوميا في المدارس» وهي أن الصاروخ يحتاج إلى هواء كي يندفع للأمام. وبصرف النظر عن الجوانب الهزلية في «وسيلة للوصول إلى الارتفاعات القصوى»، فقد منحت مصداقية جماهيرية جديدة لرحلات الفضاء ولعلم الصواريخ بوصفه الوسيلة التي ستستخدم للوصول إلى هناك.
4
अज्ञात पृष्ठ
بزوغ حركة رحلات الفضاء
في ألمانيا والنمسا، عتمت الفوضى والثورة التي أعقبت الهزيمة في الحرب على قصة جودارد. ولكن في عام 1923، نشر هيرمان أوبرث كتابا صغيرا في ميونخ: «وصول الصاروخ إلى فضاء ما بين الكواكب». كان قد تسرب من كلية الطب، وخدم في الحرب طبيبا، ثم كتبه باعتباره رسالة دكتوراه في الفلك ولكن جامعة هايدلبرج رفضت قبولها. تضمن الكتاب أفكارا حول تكنولوجيا رحلات الفضاء اتسمت بأنها أكثر تقدمية من أي شيء نشر من قبل خارج روسيا. وحالف أوبرث الحظ أيضا في وطنه الأم رومانيا؛ فقد تبنى قضيته ماكس فالير، طيار نمساوي كان يدعو لنظرية شبه علمية مشهورة تنص على أن الجليد يشكل معظم الكون. في عام 1924، نشر فالير مقالات في مجلات وكتابا يروج لأفكار أوبرث. وأثار الحماس الوليد للفضاء حركة صغيرة، في المجتمعات المتكونة في النمسا عام 1926 وفي ألمانيا عام 1927.
5
في الاتحاد السوفييتي الجديد، ألقت الحرب المشئومة وبعدها الثورة البلشفية والحرب الأهلية بظلالها القاتمة على كونستانتين تسيولكوفسكي، فتركته في فقر مدقع؛ بل إن الشيوعيين قد ألقوا القبض عليه لفترة قصيرة. وذهبت شهرته في الأعمال العلمية الشهيرة قبل الحرب أدراج الرياح. ولكن في عام 1924، عادت هذه الشهرة إلى الحياة مرة أخرى نتيجة إثارة شائعات عاصفة حول جودارد وأيضا نشر كتاب أوبرث. وتمسك به الروس المتحمسون للفضاء باعتباره بطلهم الوطني، وأعادوا إصدار منشوراته السابقة للحرب، كما كتب هو المزيد من المنشورات. كما ظهر من العدم آخرون كانوا يعملون على فكرة السفر إلى الفضاء منذ ما قبل الحرب، ومن أكثرهم شهرة فريدريك تساندر. بينما انحلت سريعا أول جمعية لرحلات الفضاء في العالم، التي تأسست عام 1924، عزز المناخ اليوتوبي لروسيا الشيوعية الأفكار المتعلقة بالفضاء ربما بدرجة أكبر من وسط أوروبا في انقلاب ما بعد الحرب.
6
في الناحية الأخرى من المحيط الأطلنطي، كان جودارد يلقي خطبا جماهيرية، ويكتب مقالات يرد بها على الصحافة، ولكنه كان في أغلب الوقت يعمل بصمت على الصواريخ في جامعة كلارك، بتمويل من مؤسسة سميثونيان. لم تنجح فكرة تعديل الصاروخ ذي المسحوق الأسود باستخدام الخراطيش، التي راودته قبل الحرب؛ إذ كانت في الأساس بمثابة مدفع آلي يطلق رصاصات فارغة. في عام 1921، تحول إلى استخدام الوقود السائل، الذي ذكره بتحفظ شديد في الملاحظات الختامية لأطروحته «وسيلة للوصول إلى الارتفاعات القصوى». واختار الجازولين والأكسجين السائل اللذين يسهل الحصول عليهما. وبعد إحرازه تقدما بطيئا كاد يحبط أبوت، الذي صار في ذلك الوقت رئيس مؤسسة سميثونيان، أطلق أول صاروخ يعمل بالوقود السائل في العالم في يوم 16 مارس 1926 القارس البرودة، في أوبرن بماساتشوستس. ولم يحلق هذا الشيء الرديء الشكل إلا مسافة 184 قدما فقط، ولكن جودارد لم يخبر أي شخص خارج دائرته الحميمة وأبوت. كان جودارد دائم العمل على تطبيقات جديدة يسجل لها براءات اختراع، وكان يتمنى أن يصل بصاروخه إلى الكمال قبل أن يعلن عنه للعالم. ولم يحالفه الحظ مرة ثانية إلا في صيف 1929 عندما أثار إطلاقه لأحد الصواريخ موجة جديدة من التغطية الصحفية. وتدخل الطيار الشهير تشارلز ليندبرج مع مؤسسة جوجنهايم، بادئا جولة جديدة أكثر تعقيدا من تطوير الصواريخ في نيومكسيكو في الثلاثينيات من القرن العشرين.
تكونت جماعات أوروبية تهتم بالصواريخ نحو عام 1930، جاهلة تماما بأمر عمل جودارد وتجاربه التي استخدم فيها الوقود السائل، آملة في تطوير تكنولوجيا تستطيع التمكين من إجراء رحلات الفضاء في وقت قريب؛ ففي ألمانيا، انتشرت موضة الصواريخ والفضاء في عام 1928 بعد أن انضم ماكس فالير لفترة قصيرة مع وريث السيارات فريتز فون أوبل. وقاما معا وكل على حدة بإجراء سلسلة من التعديلات الثورية المذهلة، وإن لم تكن ذات جدوى تكنولوجية، على صاروخ المسحوق الأسود مع السيارات وعربات السكة الحديد والمزلجات الجليدية والطائرات الشراعية. وأصدر مخرج السينما فريتز لانج، الذي اشتهر بفيلمه «ميتروبوليس» فيلما عن رحلات الفضاء بعنوان «امرأة في القمر» («وومان إن ذا مون») في خريف 1929، مستعينا بأوبرث وكاتب علمي صغير السن يدعى ويلي لي، كمستشارين علميين. أغرى لانج أوبرث بالحضور من رومانيا إلى برلين، ثم موله ليطلق صاروخا يعمل بالوقود السائل من أجل العرض الأول للفيلم.
7
استأجر أوبرث رادولف «نيبل» وكان طيارا مقاتلا ومهندسا سابقا يتسم بالمراوغة، لمساعدته، ولكن أوبرث كان مخترعا يائسا؛ فبعد إصابته بانهيار عصبي، عاد مرة أخرى إلى رومانيا في نهاية عام 1929. وحصل نيبل سرا على 5000 مارك من الجيش الألماني، الذي كان قد بدأ يوجه نظره إلى التكنولوجيا، لإكمال صاروخ أوبرث وإطلاقه. ولم يثمر ذلك عن الكثير بخلاف بعض اختبارات محركات ذات نطاق ضيق شارك فيها أوبرث في يوليو 1930. بيد أن نيبل أنشأ في ذلك الخريف ميناء برلين للصواريخ في مستودع ذخائر مهجور في الجزء الشمالي من المدينة، بمساعدة الجيش. وأصبحت مجموعته التجريبية الضعيفة الإمكانيات هي النشاط الأساسي لرابطة السفر عبر الفضاء، التي كانت تتراجع بسبب مشاكل مالية وبسبب حلول الكساد الكبير. في عام 1931 أطلقوا أول صواريخهم البدائية العاملة بالوقود السائل. وكان أحد المشاركين المؤقتين طالب هندسة أرستقراطيا يدعى فيرنر فون براون، ولد عام 1912، الذي أصبح مهووسا برحلات الفضاء بعد محاولته قراءة كتاب أوبرث الرياضي المعقد باعتباره طالبا في الثالثة عشرة من عمره.
8
अज्ञात पृष्ठ
في الاتحاد السوفييتي، تكونت جماعة صواريخ جديدة للهواة في موسكو عام 1931، ومنحت مؤسسة صغيرة للوقود الصلب في لنينجراد (سانت بيترسبرج) جدول أعمال موسعا للأبحاث في العام نفسه. وقاد تساندر جماعة موسكو، ولكنه سرعان ما توفي. وبعد وفاته تسلم قيادة الجماعة مهندس طيران أكبر من فون براون بست سنوات، ويدعى سيرجي بافلوفيتش كوروليف. وعلى غرار الألماني فون براون، كان كوروليف سيصبح أحد المنظمين الأساسيين في مستقبل عالم الصواريخ المحكوم من قبل الجيش. في 1933، أطلقت جماعة موسكو صواريخها الأولى، فور اندماجها مع لنينجراد لتشكيل أول مؤسسة بحثية حكومية في العالم لتطوير الصواريخ العاملة بالوقود السائل والصلب . وكانت لها صلة وثيقة مع الجيش الأحمر. وشهدت هذه السنة أيضا تولي النازيين زمام السلطة؛ الأمر الذي أدى إلى سيطرة الجيش الألماني، في غضون سنة، على تطوير الصواريخ ونهاية تجارب الهواة ونهاية العلنية.
استحواذ الجيش على السلطة
أدى تدعيم ستالين وهتلر للسلطة الاستبدادية، وما نتج عن ذلك من انسحاب المتحمسين لرحلات الفضاء سواء من الألمان أو الروس من المشهد الدولي، إلى ثلاثة عقود سيطر خلالها تطوير الصواريخ العسكرية على علم الصواريخ. كما نجم عن ذلك أيضا منع الشبكة العابرة للحدود القومية التي تكونت في أواخر العشرينيات من القرن العشرين من نشر بشارة انطلاق رحلات الفضاء من خلال صواريخ تعمل بالوقود السائل. وكان ثمة كاتبان متعددا اللغات مهمين في هذه الشبكة، وهما: ويلي لي في برلين، ونيكولاي راينين في لنينجراد. ومن خلال المراسلات الدولية وتوزيع المنشورات، ربط لي وراينين المتحمسين الحقيقيين لرحلات الفضاء ومن أجروا تجارب في هذا المجال في أوروبا وفي الولايات المتحدة؛ حيث تأسست جمعية الكواكب الأمريكية في نيويورك عام 1930. وعندما فقد الألمان والروس القدرة على التواصل، انتقل من تبقوا في الشبكة إلى المحور بين نيويورك وإنجلترا، حيث تأسست جمعية الكواكب البريطانية في عام 1933. وقد هرب لي نفسه من ألمانيا النازية في بداية 1935، بمساعدة أصدقاء من جمعية الكواكب البريطانية ونظيرتها الأمريكية. وعاش لي حياة هامشية في السنوات القلائل الأولى باعتباره كاتبا علميا حرا وأجرى تجارب على الصواريخ في منطقة نيويورك. أما راينين فمات في الحصار النازي للنينجراد.
بدأت جمعية الكواكب الأمريكية أعمالها بإجراء تجارب بالوقود السائل تقليدا للألمان. وزار أول قائد لها، وهو كاتب الخيال العلمي ورجل العلاقات العامة جي إدوارد بندراي، برلين في 1931 وراسل لي حتى هبط الأخير على أرض الولايات المتحدة تحت رعاية بندراي. وفي الفترة من منتصف إلى آخر الثلاثينيات، غيرت الجمعية اسمها إلى اسم أقل غرابة «جمعية الصواريخ الأمريكية» وتوقفت عن محاولة إطلاق الصواريخ. وركزت قيادتها الجديدة من المهندسين والتقنيين صغار السن على تطوير المحركات على نطاق ضيق، وهو ما كانوا يستطيعون تحمل تكلفته من جيوبهم الخاصة الفارغة في الغالب.
9
ابتعد روبرت جودارد عن جمعية نيويورك، حرفيا ومجازيا. وانتقل إلى روزويل، بنيومكسيكو، بتمويل من مؤسسة جوجنهايم، في منتصف عام 1930 وبقي هناك حتى عام 1942، باستثناء فترة توقف لمدة عامين في 1932-1934 نتيجة لعواقب الكساد الكبير على استثمارات جوجنهايم. وعلى عكس أسطورة العبقري المنسي التي نسجت فيما بعد حول جودارد، كان جودارد من أفضل العلماء تمويلا في الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن العشرين، في الوقت الذي كانت فيه الأعمال الخيرية الخاصة لا تزال تسيطر على قطاع البحث العلمي والتكنولوجي الأضيق نطاقا. وحقق جودارد إنجازات مهمة قبل عام 1935، مثل بناء مركبات وصلت إلى ما يقرب من 10 آلاف قدم وسرعات وصلت إلى عدة مئات من الأميال في الساعة. ولكن مرة أخرى أحبط ممولوه عندما لم يستطع قط تحقيق عدة وعود للوصول إلى ارتفاعات عالية باستخدام «صاروخ تجارب» يحمل معدات، كما سيطلق عليه بعد الحرب العالمية الثانية. وحثه أبوت وليندبرج وهاري جوجنهايم على طلب مساعدة خارجية في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، خصوصا من جماعة جديدة مهتمة بالصواريخ تحت قيادة فرانك مالينا التي بدأت في عام 1936 في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا. وقاوم جودارد؛ إذ لم يكن قادرا على الانتقال إلى قيادة فرق هندسة الصواريخ الكبيرة، مثل تلك التي ستنبثق تحت قيادة فون براون وكوروليف. وظل كما هو، وقرر العمل مع حفنة من الرجال الذين وعدوه بالحفاظ على سرية الأمر. ويمكن أن يعتبر صاحب أول صواريخ تعمل بالوقود السائل، ولكن فيما بعد أصبح تأثيره على التطور التكنولوجي شبه منعدم. ولعل تأثيره الأعظم سيظل دائما يتمثل في إلهام الآخرين بالإيمان بالصواريخ باعتبارها وسيلة لرحلات الفضاء.
10
في الوقت الذي كان فيه جودارد يصل إلى طريق تكنولوجي مسدود، كان ثمة فريق في الجيش الألماني يحقق إنجازات جوهرية. في أواخر 1932، وقبل شهرين من تولي هتلر منصب مستشار ألمانيا، عين الجيش فيرنر فون براون البالغ من العمر وقتها عشرين عاما لكتابة رسالة دكتوراه سرية حول الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل. كانت بداية بسيطة للغاية، ولكن سرعان ما تضخم المشروع للغاية بفضل أموال إعادة التسليح النازية وموهبة فون براون وافتتان ضباط المدفعية ب «بالصاروخ البعيد المدى» - الذي أطلقنا عليه فيما بعد الصاروخ الباليستي - باعتباره سلاحا حاسما مفاجئا. في عام 1935 تحالف الجيش مع القوات الجوية السريعة البزوغ؛ وفي عام 1936 بدأت القوتان في إنشاء مركز صواريخ مشترك، سري للغاية في بيناموندا، على جزيرة في بحر البلطيق شمال برلين. وتحت القيادة الكاريزمية لفون براون ولقائده العسكري، المقدم (اللواء فيما بعد) فالتر دورنبرجر، سرعان ما عين مشروع الصواريخ في الجيش متخصصين في الجيروسكوب (أداة تستخدم لحفظ التوازن وتحديد الاتجاه) والديناميكا الهوائية، ومهندسين ميكانيكيين وكيميائيين لتحقيق إنجازات كبيرة في تحديد اتجاه الصواريخ والتحكم بها، وفي الديناميكا الهوائية فوق الصوتية، ومحركات الصواريخ.
11
كان هدفهم العسكري الأول صاروخا باليستيا يطلق عليه «إيه-4»، وهو رابع تصميم في سلسلة الصواريخ الخاصة بهم، كان الغرض منه حمل رأس حربي من مادة شديدة الانفجار أو غاز سام يزن طنا متريا واحدا (2200 رطل) لمسافة 175 ميلا على الأقل. ولقب دعاة النازية هذا الصاروخ فيما بعد باسم سلاح الانتقام 2 أو «في-2». بحلول عام 1939، بدأ فريق دورنبرجر وفون براون اختبار محركات الأكسجين السائل/الكحول التي تحتاج إلى قوة دفع 25 طنا متريا (55000 رطل) للارتفاع بها. لم يكن جودارد والسوفييت قد تجاوزوا قط قوة دفع تبلغ بضع مئات من الأرطال. ووفر الثنائي الألماني التمويل لبناء أكبر وأسرع نفق هوائي يتجاوز سرعة الصوت في بيناموندا، لكي يتقنا الديناميكية الهوائية لمركبة تصل سرعتها إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت. واتضح أن إنشاء نظم التوجيه اللاسلكي والتحكم هو مهمتهم الأكثر تحديا، مما أثمر توسعا كبيرا في الخبرات داخل المؤسسة وفي الخبرات الجامعية، بالإضافة إلى المزيد من التعاقدات مع شركات صناعية. كانت القيادة العسكرية مقتنعة تمام الاقتناع بأنها ستحظى بسلاح فائق، ولذا كانت على استعداد لأن توجه للمشروع مبالغ طائلة، رغم شكوك هتلر، الذي خفض أولوية إنشائه في عامي 1940-1941. ولكن ليس ثمة دليل واضح على أن هذا الإجراء بطأ تطور التكنولوجيا، على الرغم من محاولة دورنبرجر بعد الحرب إلقاء اللوم على القائد لأنه أخر صاروخ «إيه-4»/«في-2» إلى الحد الذي جعله غير قادر على تغيير مسار الحرب.
अज्ञात पृष्ठ
12
في 3 أكتوبر 1942، نجحت جماعة بيناموندا في محاولة الإطلاق الثالثة؛ إذ انطلق الصاروخ إلى ارتفاع حوالي 56 ميلا ولمسافة 120 ميلا في بحر البلطيق. وكان أول آلة من صنع البشر تقترب من حافة الفضاء، المحددة الآن على ارتفاع 100 كيلومتر (62,1 ميلا). وحطم كل الأرقام القياسية العالمية للآلات من صنع البشر، من حيث النطاق والسرعة والارتفاع. واعتبر فون براون ودورنبرجر هذا الإنجاز بمنزلة الخطوة الأولى في الفضاء، ولكنهما استغلاه أيضا كوسيلة للضغط في قضية إنتاج الصواريخ بكميات ضخمة كسلاح. كان كلاهما نازيا بطريقة مختلفة؛ فون براون باعتباره عضوا انتهازيا في الحزب وضابطا في البوليس السري النازي، ودورنبرجر باعتباره مؤيدا مفوها للاشتراكية القومية، حتى وإن كان الضباط لا يمكنهم الانضمام لعضوية الأحزاب.
13
في أواخر 1942، أقنع وزير التسلح ألبرت شبير هتلر بأن يأذن بإنتاج صاروخ «في-2»، بعد أن وشت انتصارات الحلفاء في شمال أفريقيا وروسيا بانعطاف مسار الحرب انعطافا حاسما. إلا أن إنتاج مثل هذا السلاح الغريب كان صعبا؛ نتيجة للعجز الشديد في الأيدي العاملة الماهرة، وذلك في الأساس بسبب قتل أعداد هائلة في الحرب الدائرة مع الاتحاد السوفييتي. وكان الاقتصاد بالكامل يعتمد على العمالة القسرية والعبيد من الأراضي المحتلة. في ربيع 1943، قرر مشروع الصواريخ العسكري ووزارة شبير استغلال المساجين المعتقلين في معسكرات البوليس السري النازي في الأعمال التي تتطلب مهارة بسيطة أو لا تتطلب مهارة على الإطلاق، بينما جعلوا الإنتاج روتينيا قدر الإمكان. وبعد أن هاجمت القوات الجوية الملكية البريطانية بيناموندا في أغسطس 1943، قررت القيادة النازية تركيز تجميع صاروخ «في-2» في منجم بالقرب من نوردهاوزن في ألمانيا الوسطى. وكان مصنع «ميتالفيرك»، كما يطلق عليه، يستقدم الأيدي العاملة من معسكر اعتقال دورا المنشأ حديثا آنذاك في بوخنفالد. أنتج أكثر من خمسة آلاف صاروخ، ولكن عشرات الآلاف من المعتقلين إما عانوا أو قتلوا في سبيل ذلك، وهو الأمر الذي كان دورنبرجر وفون براون على علم مسبق به؛ ولذا فإنهما يحملان جزءا من المسئولية عن جرائم الحرب الهائلة التي نجمت عن إنتاج صواريخ «في-2»، حتى إذا كان البوليس السري النازي هو المجرم الأول.
14
عندما أدرك الحلفاء برنامج الجيش الألماني في 1943-1944، سرعوا خطى دراسة علم الصواريخ. كانت جميع القوى قد طورت بالفعل الصواريخ ذات الوقود الصلب معتمدة على المساحيق ذات القاعدة المزدوجة (نيتروسيليلوز-نيتروجليسرين) التي كانت أكثر قوة من المسحوق الأسود وفي الوقت نفسه ليس لها نفس الأثر الدخاني. ولكن في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قد بدآ الانتباه إلى إمكانيات الصواريخ الباليستية ذات الوقود السائل، بفضل تطوير القوات الجوية الألمانية «القنبلة التلقائية التوجيه» المجنحة «في-1»، والقذائف الموجهة المتنفسة.
في 1944، مول قسم ذخائر جيش الولايات المتحدة مشروع صواريخ جديدا في جنرال إلكتريك يطلق عليه مشروع «هرمس» وحول مشروع صواريخ كالتيك، الذي كان يطور صواريخ
JATO
أو الإقلاع بمساعدة القوة النفاثة للقوات الجوية الأمريكية، إلى مختبر الدفع النفاث (
JPL ). (كانت كلمة «صاروخ» تفتقر إلى الاحترام في أمريكا نتيجة لكثرة أعمال الخيال العلمي المتحدثة عن الفضاء من قصص ورسوم هزلية وأفلام في الثلاثينيات من القرن العشرين؛ انظر الفصل الخامس.) حث تطوير صواريخ
अज्ञात पृष्ठ
JATO
في الحرب العالمية الثانية روبرت جودارد على التحول إلى العمل لصالح الأسطول في ماريلاند، وشجع على تطوير أول شركتين لإنتاج الصواريخ ذات المواد الدافعة السائلة في الولايات المتحدة: شركة «ريأكشن موتورز» المنبثقة عن جمعية الصواريخ الأمريكية في نيويورك، وشركة «إيروجت» المنبثقة عن جماعة كالتيك في باسادينا. كل هذا التطوير الوطني خلق خبرة أصلية وطنية للحرب الباردة القادمة، حتى وإن كانت النتائج الفعلية متواضعة أثناء الحرب.
15
أدرك الاتحاد السوفييتي أعمال الصواريخ الألمانية بالتجسس على الألمان والحلفاء، وباحتلال الجيش الأحمر لمواقع اختبار صواريخ «في-2» في بولندا. في أغسطس 1944، أمر ستالين بإطلاق سراح خبيرين مهمين في الصواريخ من معتقل جولاج، وهما سيرجي كوروليف وفالونتين جلوشكو، وكان الأخير متخصصا في محركات الصواريخ. اعتقل الاثنان في عام 1938، وكادا يقتلان، نتيجة لحركة التطهير الكبير المروعة التي أودت بحياة ملايين البشر. أطلقت النيران على أكبر قائدين في معهد بحوث الصواريخ. فيما بعد اتخذ التطهير الجنوني الذي قام به ستالين مبررا مناسبا لفشل البرنامج السوفييتي في الوصول إلى إنجازات الألمان، ولكن معهد الصواريخ أعيق بالمناحرات الداخلية في منتصف الثلاثينيات على الاختيار ما بين المواد الدافعة الصلبة والسائلة، وبين الصواريخ الباليستية والمجنحة، وغيرها من الاختيارات التكنولوجية. وكان من بين مميزات مشروع الوقود السائل الألماني تركيزه الشبيه بالليزر على الصاروخ الباليستي طويل المدى الذي يعمل بالأكسجين السائل والكحول، وهي تركيبة المواد الدافعة التي اقتبسها فون براون من أوبرث وميناء برلين للصواريخ.
16
ومن المفارقات الغريبة أنه عند نشر صواريخ «في-2» أخيرا في مدن غرب أوروبا في سبتمبر 1944، لم تكن «سلاحا مذهلا.» كان يوزيف جوبلز وزير الدعاية قد أطلق هذه التسمية على صواريخ «في-1» و«في-2»، وعلى المعجزات التكنولوجية الأخرى التي كان من المفترض أن تقي من اندلاع حرب كارثية. على الأقل كان صاروخ «في-1» الخاص بالقوات الجوية، الذي أطلق أولا على لندن في يونيو 1944، زهيد الثمن وحول انتباه قوات الدفاع الجوي للحلفاء إلى استهدافه. أما صاروخ «في-2» الخاص بالجيش فهو بعشرة أضعاف التكلفة وكان معقد التصنيع للغاية ويطلق بأعداد ضخمة، ولا يشتت انتباه إلا عدد أقل من موارد الحلفاء، لأنه كان أسرع من الصوت، وبالتالي كان من المستحيل اعتراض سبيله. وكانت قذيفته شديدة الانفجار - لم ينتهوا قط من قذيفة الغازات السامة - تصنع حفرة كبيرة في الأرض بهذه السرعة الرهيبة، ولكنها كانت تفتقر إلى الدقة والموثوقية، وكان ذلك ينطبق أيضا على صواريخ «في-1». بالكاد كان بالإمكان إصابة منطقة حضرية ضخمة. وخصوصا في حالة صواريخ «في-2»، كانت وسيلة مكلفة للغاية لإلقاء طن من المتفجرات الشديدة الانفجار. وبحلول 1943-1944، كانت بريطانيا وأمريكا قد توصلتا إلى تكنولوجيا قاذفة قنابل بأربعة محركات وأتقنوها لدرجة أنهم كانوا يستطيعون تدمير مدن بأكملها وقتل عشرات الآلاف من البشر في ليلة واحدة - وكان ذلك قبل ظهور القنبلة الذرية المفاجئ في أغسطس 1945. كانت قوة سلاح صواريخ «في» بالمقارنة قوة مذهلة ولكنها كانت غير فعالة استراتيجيا. لقد كانت تكنولوجيا القذائف والصواريخ الألمانية غير ناضجة بما يكفي لأن يستفاد منها عسكريا، أكثر من كونها قد تأخرت بحيث لم تستطع تغيير نتيجة الحرب.
17
لكنها كانت تتمتع بإمكانيات ضخمة ومثلت هدفا مهما لقوات الحلفاء عندما غزوا الرايخ في ربيع 1945. بانتهاء الحرب، بدأ صراع على امتلاك الأيدي العاملة والتكنولوجيا الألمانية، الأمر الذي أنبأ ببداية الحرب الباردة. كانت الولايات المتحدة هي أكثر الفائزين، ولكن الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا التي بعثت للحياة مرة أخرى حصلوا جميعا على غنائم. لم يكن لرحلات الفضاء أية صلة بالأسباب التي جعلت التكنولوجيا الألمانية مهمة ومرغوبة في 1945، ولكنها كانت ستمكن من الوصول إلى الفضاء في غضون فترة زمنية قصيرة جدا.
سباق صواريخ الحرب الباردة والخطوات الأولى في طريق الفضاء
استسلم دورنبرجر وفون براون لجيش الولايات المتحدة في جبال الألب يوم 2 مايو، بعد ثلاثة أسابيع من اجتياح القوات الأمريكية لمصنع ميتالفيرك. ونظرا لأن معظم قيادة بيناموندا كانت بالقرب من أحد هذين الموقعين، استطاعت الولايات المتحدة اصطياد أهم قادة البرنامج. وقرر قسم الذخائر أخذ مائة صاروخ «في-2» إلى الولايات المتحدة لاختبارها، على الرغم من أن معظم ما شحن كان عبارة عن أجزاء من الصواريخ لعدم وجود أي صواريخ كاملة تقريبا. تمت هذه العملية بسرعة؛ إذ كان هذا المصنع السري في المستقبل منطقة تحت الاحتلال السوفييتي.
अज्ञात पृष्ठ
عندما غزا الجيش الأحمر بيناموندا في مطلع مايو، وجد المكان مجردا بجلاء الألمان عنه، ولكن معدات إنتاج مصنع ميتالفيرك والأجزاء المتروكة من الصواريخ كانت هي الأساس لفهم تكنولوجيا الصواريخ الألمانية. وجرى ضم كوروليف وجلوشكو، اللذين كانا يرتديان الآن زي الضباط، في فرق التفتيش. وساعدوا في إنشاء معاهد خاصة للصواريخ في منطقتهم المحتلة، انجذب إليها المهندسون والعلماء الألمان الراغبون لأنها كانت تقدم أجورا أعلى ومميزات أفضل مما يقدمه الأمريكان. وفيما بعد اقتيد معظم هؤلاء الألمان، ومن بينهم القليل من الأشخاص المؤثرين في بيناموندا، إلى روسيا تحت تهديد السلاح في أكتوبر 1946.
18
لم يكن لرحلات الفضاء أية صلة بالأسباب التي جعلت التكنولوجيا الألمانية مهمة ومرغوبة في 1945، ولكنها كانت ستمكن من الوصول إلى الفضاء في غضون فترة زمنية قصيرة جدا.
على مدار صيف 1945، كانت الحكومة الأمريكية قد وضعت برنامجا لاستجلاب الخبرات الألمانية والنمساوية، عرف باسم، مشروع «مشبك الورق». جرى تسليم الجنرال دورنبرجر للبريطانيين كسجين حرب، أما فيرنر فون براون فقد اختير ليرأس جماعة صواريخ في فورت بليس، خارج إل باسو، تكساس. ووصل نحو 125 شخصا بحلول بداية 1946 لمساعدة الجنود ومهندسي مشروع «هرمس» في إعادة تجميع صواريخ «في-2» وإطلاقها من وايت ساندس بروفينج جراوند في نيومكسيكو.
19
ساعد بعض الألمان في البداية الجيش البريطاني في إعداد وإطلاق ثلاثة صواريخ «في-2» من ساحل بحر الشمال في ألمانيا كتدريب تعليمي. ولكن سرعان ما قررت الحكومة البريطانية أنها لا تستطيع تحمل تكلفة برنامج صواريخ ضخم إلى جانب تطوير الطائرة النفاثة؛ ومن ثم جلبت نحو عشرين شخصا فقط من ألمانيا والنمسا كانوا يعملون من قبل في برامج الصواريخ. وفي الوقت نفسه، بدأ الفرنسيون في جذب المهندسين والعلماء والفنيين على مهل إلى مشروعات الصواريخ الخاصة بهم. وشكلوا جماعة ألمانية للصواريخ في فيرنون، فرنسا، التي أصبحت فيما بعد حجر الأساس لبرنامج الفضاء والصواريخ الفرنسي.
20
أثارت أخبار صواريخ «في-2» واستجلاب العاملين عليها لاحقا اهتمام من كانوا متحمسين سابقا للفضاء وحركت اهتماما جديدا برحلات الفضاء في الجماهير وفي الجيش على حد سواء، لا سيما في الولايات المتحدة. ورأى المؤمنون الحقيقيون على الفور أن هذا الصاروخ يمثل الإنجاز التكنولوجي المنتظر، بغض النظر عن فشله كسلاح. وتنامت الإثارة عندما بدأ الجيش إطلاق صواريخ «في-2» من وايت ساندس، في نيومكسيكو، في منتصف 1946، حاملة المعدات العلمية الأولى إلى الفضاء القريب. (أطلق الألمان صواريخ «في-2» رأسيا لأكثر من 100 ميل في 1944، ولكنها لم تكن تحمل أي معدات.) بل إن المتحمسين الجدد في الأسطول والقوات الجوية (التي انفصلت عن الجيش في 1947) بدءوا مشروعات سرية لإطلاق أقمار صناعية والوصول إلى القمر. ولكن سرعان ما ألغيت هذه المشروعات، وتقلصت أبحاث الصواريخ، حينما صرفت الولايات المتحدة النظر عنها وشطبت ميزانيتها، وحاولت الرجوع إلى نمطها التاريخي من تشكيل جيش صغير وقت السلم. ولم تغير الولايات المتحدة وجهة نظرها إلى أن بدأت الحرب الباردة في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين.
سرعان ما شعرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بأنها مهددة على نحو مباشر بسيطرة سياسات ستالين المتوحشة على أوروبا الشرقية، وبالتدخل الشيوعي في أوروبا الغربية والجنوبية، وبانتصار الشيوعيين الصينيين في 1949. ولكن من وجهة النظر السوفييتية، فإن التقدم الهائل لقوات المشاة الخاصة بهم قد أحبطته قنبلة الولايات المتحدة الذرية وحلقة القواعد الأمريكية المحكمة التي تطوق الأراضي التي يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي. ولذا أمر ستالين - كي يلحق بركب الولايات المتحدة تكنولوجيا، ويتمكن من رد ضرباتها - بتقليد صواريخ «في-2» وقاذفة القنابل «بي-29» الأمريكية، وقنبلة الرجل البدين الذرية (القنبلة التي ألقيت على ناجازاكي). أحبط خبراء الصواريخ السوفييت بأمر تقليد صواريخ «في-2»؛ لأنهم كانوا يفضلون بدء العمل من جديد، ولكنهم لم يملكوا إلا أن يطيعوا الأمر. وأثمر الإخلاء الإجباري لمعاهد الصواريخ في ألمانيا الشرقية في أكتوبر 1946 عن تسريع خبراء الصواريخ السوفييت والألمان عملهم على تجهيز صواريخ «في-2» التي استولوا عليها للإطلاق. وبدأت عمليات الإطلاق في السهل الواقع شرقي ستالينجراد في أكتوبر 1947. وساعد الألمان، بقيادة هيلموت جروتروب من جماعة توجيه بيناموندا، في حل بعض المشاكل الخطيرة، ولكنهم سرعان ما فصلوا عن نظرائهم السوفييت. وعزل معظمهم في معسكر على جزيرة في بحيرة روسية شمالية وشرعوا في العمل على مفاهيم مستقبلية، وتقلص تأثيرهم تدريجيا على أعمال الصواريخ الباليستية السوفييتية التي يرأسها كوروليف. وكان هذا العزل تجهيزا لعملية إرسالهم إلى بلدهم، التي بدأت في مستهل الخمسينيات من القرن العشرين؛ فقد كان من المستحيل في مثل هذه الدولة الشمولية المصابة بجنون الشك، التي لا تملك نظاما للهجرة، أن تحتضن خبراء الصواريخ الألمان، على عكس ما فعلته الولايات المتحدة.
21
अज्ञात पृष्ठ
شكل 1-2: جنود وفنيون أمريكان يجهزون صاروخا ألمانيا باليستيا من نوع «في-2» للإطلاق في وايت ساندس في 10 مايو 1946. أول إطلاق ناجح في الولايات المتحدة. لم يكن صاروخ «في-2» سلاحا شديد الفاعلية، ولكنه كان إنجازا ثوريا في تكنولوجيا الصواريخ ذات الوقود السائل التي سرعت ظهور الصاروخ الباليستي العابر للقارات وصاروخ الفضاء (المصدر: إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية).
استعين بفون براون وجماعته، الذين شكلوا حوالي خمس الألمان المسئولين عن مشروع «مشبك الورق»، والذين جلبوا في بداية البرنامج، في تطوير قذيفة موجهة للجيش. وكانت النسخة التجريبية من القذيفة ستطلق على صاروخ «في-2». ولكن عمليات التخفيض الدفاعية التي تمت في 1946-1947 تركت فون براون محبطا من التقدم المتجمد نحو صاروخ ضخم يمكن أن يحقق حلم رحلات الفضاء الذي كان يراوده. كتب فون براون رواية خيال علمي حول رحلة استكشافية إلى كوكب المريخ وأضاف لها ملحقا رياضيا تفصيليا يثبت إمكانية القيام بها، أملا في إقناع الجماهير. لم يكن الخيال قط من نقاط قوته، فلم ينشر سوى الملحق فيما بعد. لكن مع احتدام الحرب الباردة، زادت الحكومة الفيدرالية تمويل تطوير الصواريخ تدريجيا وجعلت مشروع «مشبك الورق» سبيلا من سبل الحصول على المواطنة، ماحية بذلك الماضي النازي لفون براون وغيره. في 1950، ركز الجيش على تطوير الصواريخ في ريدستون أرسينال بهنتسفيل ألاباما، ناقلا الألمان وعدة آلاف من الأمريكيين هناك. وفي خضم هذه الحركة، غزت كوريا الشمالية الشيوعية الجنوب، فزادت هيستيريا مقاومة الشيوعية وزادت نفقات الدفاع الفيدرالي. وأعيد توجيه فون براون وجماعته لصاروخ «في-2» فائق يحمل سلاحا نوويا يطلق عليه ريدستون. لعب هذا الصاروخ دورا حاسما في بداية سباق الفضاء.
على أية حال، ينبغي ألا نرجع الفضل إلى خط تطوير صواريخ «في-2»/هنتسفيل وحده، كما فعل تابعو فون براون فيما بعد. على الرغم من أن التكنولوجيا الألمانية قد منحت تطوير الصواريخ الأمريكي انطلاقة سريعة، فإن مختبر الدفع النفاث، وشركة «إيروجت»، وشركة «ريأكشن موتورز»، ومشروع صواريخ «جنرال إلكتريك» قد نموا بسبب استثمارات الحرب العالمية الثانية. أنشأ معمل أبحاث البحرية الأمريكية في واشنطون العاصمة معدات علمية لعمليات إطلاق صواريخ «في-2» من وايت ساندس وقرر تطوير صاروخ تجارب ضخم خاص به، وأسماه «فايكينج»، وتعاقد مع شركة «مارتن» للطائرات في ماريلاند لتجميعه ومع شركة «ريأكشن موتورز» لتصنيع محركه. استثمرت القوات الجوية الأمريكية الجديدة في محركات الصواريخ، مما أدى إلى مزيد من التوسع في إيروجت وريأكشن موتورز، وإلى إنشاء روكيتداين التابع لشركة «نورث أمريكان أفييشن»، أول شركة أمريكية لتطوير محركات الصواريخ التي تعمل بالمواد الدافعة السائلة في الستينيات. بعد أن أصبحت القوات الجوية أول قوة نووية طويلة المدى في أمريكا، سرعان ما فاق تمويلها للصواريخ القوات السابقة. وتحالفت مع شركات طائرات الساحل الغربي الكبرى مثل كونفير ودوجلاس وبوينج، التي طالبت كل منها بنصيب في صناعة الصواريخ. وسرعان ما سادت الصواريخ الضخمة ذات المواد الدافعة الصلبة والتركيب الكيميائي الجديد الأكثر فاعلية التي تمخضت عنها تجارب مختبر الدفع النفاث وإيروجت أثناء الحرب، نظرا إلى سهولة تخزينها وإطلاقها. وأدى ذلك إلى بزوغ شركات مثل ثيوكول وهيركوليز باودر، وغيرها من شركات الهندسة الكيميائية في صناعة الصواريخ.
22
حانت لحظة حاسمة في سباق الفضاء وسباق التسلح عندما قررت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مواصلة إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. كان الجيش الأمريكي قد ركز على الصواريخ الموجهة بعد عام 1945؛ لأن توجيه مركبة مجنحة في الغلاف الجوي بدا أسهل من توجيه صاروخ باليستي، مع الوضع في الاعتبار عوز صواريخ «في-2» إلى الدقة. واستغرق الأمر عدة سنوات قبل أن يكتشف الجيش الحقيقة نتيجة للمشاكل التي واجهها الجيش في الصواريخ المتنفسة، سواء في الدفع أو التحكم. عندما تحسنت نظم الملاحة بالقصور الذاتي، وأصبحت القذائف أخف وزنا وأكثر قوة، بات قذف قنبلة على مسار أسهل بكثير من قذفها دون توجيه إلى الجانب الآخر من العالم. بعد أن أجرت الولايات المتحدة أول اختبار على «القنبلة الهيدروجينية» النووية الحرارية في خريف 1952، وعد مصممو الأسلحة بتحقيق إنجاز سريع لتصغير حجم الأجهزة. جعل المردود الهائل لهذه القنابل، والذي يعد أقوى ألف مرة من القنابل التي ألقيت على اليابان، الدقة أمرا غير ذي بال؛ فهذه القنابل تستطيع التدمير حتى وإن ألقيت على بعد أميال من هدفها. وافقت إدارة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، التي اعتلت سدة الحكم في يناير 1953، على مشروع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «أطلس» وجعلته في صدارة الأولويات الوطنية في 1954-1955. كما وافق أيزنهاور، في 1955، رغم ما لديه من تحفظات على زيادة الميزانية الفيدرالية ، على صاروخين باليستيين متوسطي المدى (يبلغ مدى كل منهما 1650 ميلا) كسلاح مؤقت ضد السوفييت. أنتجت جماعة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التابعة للقوات الجوية بقيادة الجنرال برنارد شريفر صواريخ «ثور» من نفس العناصر المكونة لصواريخ «أطلس»، في حين طولبت جماعة فون براون بتطوير صاروخ «جوبيتر» لصالح الجيش والبحرية الأمريكية. وأصبحت كل تلك الصواريخ التي تعمل بالأكسجين السائل والكيروسين، منصات إطلاق أقمار صناعية بعد سنوات قليلة.
23
هذه البرامج المتضاربة، خاصة «ثور» و«جوبيتر»، كانت ردود أفعال للتهديد المتزايد الذي يمثله تطوير السوفييت للصواريخ الباليستية. وعلى غرار فون براون، نبغ كوروليف في التنسيق بين الجيش ومكاتب التصميمات وشركات الإنتاج للتركيز على هدف واضح: الصواريخ الباليستية البعيدة المدى. وبتمويل رئيسي من مدفعية الجيش السوفييتي، قلد صاروخ «في-2» وصنع «آر-1»، ثم ضاعف مداه بصاروخ «آر-2». طور مكتب تصميمات ميخائيل يانجل صاروخ «آر-5» متوسط المدى، الذي اختبر للمرة الأولى في 1953، وحوله إلى صاروخ «آر-5إم» المسلح نوويا، وهو ما مثل تهديدا للأمريكان حول قواعدهم وحلفائهم في أوروبا الغربية وآسيا. في 1955، بالتوازي مع «أطلس»، وافقت قيادة سوفييتية تالية لستالين، وهي قيادة نيكيتا خوروشوف، على أول صاروخ يستطيع إصابة أمريكا مباشرة، وهو صاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات. ونظرا إلى أنه كان يحمل قذيفة نووية أثقل وزنا، كان «آر-7» أكبر حجما من «أطلس»، بمرحلة واحدة أساسية بالإضافة إلى أربعة معززات ملحقة. وقد ثبت بعد ذلك أنه سلاح غير عملي ولكنه مع ذلك كان مركبة إطلاق رائعة؛ إذ كان يتمتع بقدرة حمل لا يضاهيها أي صاروخ أمريكي في السنوات الأولى لسباق الفضاء.
أثمر تسارع سباق الصواريخ عن تعزيز رسائل دعاة الفضاء التي تتنبأ بتحليق الأقمار الصناعية وربما أيضا البشر في الفضاء في المستقبل القريب؛ فمنذ 1946، ترسل طرود علمية وأحيانا قرود في رحلات قصيرة (غالبا ما تكون مميتة) إلى الفضاء من وايت ساندس وغيرها من المواقع؛ ففي عام 1949، ارتفع صاروخ التجارب «دابليو إيه سي كوربورال» الذي أنتجه مختبر الدفع النفاث محمولا على صاروخ «في-2» مسافة 250 ميلا عن الأرض. ولحق بهم السوفييت سرا في الخمسينيات؛ بل إنهم أرسلوا كلابا في رحلات دون مدارية. ونشر دعاة الفضاء مثل آرثر سي كلارك من جمعية الكواكب البريطانية وويلي لي، الذي أضحى كاتبا علميا أمريكيا ناجحا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، كتبا جديدة مؤثرة. في 1952، حقق فون براون أخيرا إنجازا في سلسلة من مقالات مجلة «كوليير» وضح فيها رؤيته الفخيمة لمحطة فضاء ورحلات استكشافية مأهولة إلى القمر والمريخ. وتلا ذلك ثلاث حلقات قدمها لي عن الفضاء في برنامج والت ديزني على التليفزيون الوطني. وعلى الجانب السوفييتي، في بيئة مختلفة اختلافا جذريا، بذل كوروليف وغيره من المتحمسين للفضاء جهدا مضنيا لإقناع المؤسسة السياسية والعسكرية بإجازة رحلات الفضاء عن طريق ربطها بإحياء شهرة تسيولكوفسكي، الذي مات عام 1935، للمرة الثانية. فألقوا خطبا، وعقدوا اجتماعات، وكتبوا مقالات عامة، غالبا تحت أسماء مستعارة نظرا إلى السرية التامة التي كان يتسم بها عملهم. وعززت روايات وأفلام الخيال العلمي «الستار الحديدي»، في الجانبين، رسالتهم. وبحلول عام 1955، كانت رحلات الفضاء بالنسبة إلى الأشخاص العاديين أمرا وشيك الحدوث.
24
الخلاصة
अज्ञात पृष्ठ
كانت الدعاية والتأييد اللذان يبذلان من جانب المؤمنين برحلات الفضاء حاسمي الأهمية لإقناع الأشخاص العاديين والنخبة بأن السفر إلى الفضاء ليس بفكرة مجنونة. ومع ذلك يستحيل تخيل الوتيرة السريعة التي نفذت بها هذه الفكرة دون الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. فقد أدى قرار ألمانيا غير الحكيم بتطوير صواريخ «في-2»، متبوعا بالانهيار السريع للتحالف الذي أعقبه هزيمة الرايخ بقيادة هتلر، إلى تعجيل ظهور معزز الفضاء بعقد على الأقل. وأصبح من الضروري وجود قضية جديدة تشجع الحكومات على تمويل الأقمار الصناعية. ومرة أخرى ستكون هذه القضية هي الحرب الباردة.
الفصل الثاني
سباق الفضاء في الحرب الباردة
عندما أطلق الاتحاد السوفييتي «سبوتنيك» («المسافر الزميل» أو «القمر الصناعي») في 4 أكتوبر 1957، كانت لحظة فارقة في تاريخ البشرية. فلأول مرة في التاريخ، تصل سرعة جهاز من صنع البشر إلى ما يزيد عن 17 ألف ميل في الساعة ويوضع في مدار الأرض. وعلى الفور رحبت الصحافة العالمية بقدوم «عصر الفضاء»، وسرعان ما أطلقت على منافسة القوى العظمى المقبلة «سباق الفضاء». نجم عن هذه المنافسة الوصول إلى القمر في أقل من اثني عشر عاما. ولكن السباق في الحقيقة بدأ في صيف 1955، عندما أعلن الجانبان أنهما سيرسلان مركبات علمية في سياق مشروع السنة الجيوفيزيائية الدولية في 1957-1958.
الأقمار الصناعية الأولى
في الولايات المتحدة، يرجع أصل القمر الصناعي الخاص بمشروع السنة الجيوفيزيائية الدولية إلى اجتماع عقد في يونيو 1954 في مكتب أبحاث البحرية الأمريكية. وكان من بين الحضور خبير الصواريخ فريدريك سي ديورانت الثالث، ضابط في الاحتياطي البحري للولايات المتحدة، وضابط سري في وكالة الاستخبارات المركزية (
CIA ) في وحدة الاستخبارات العلمية. وكان أيضا رئيس الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية (
IAF )، الذي تشكل في 1951 لربط جمعيات الفضاء التي كانت لا تزال في معظمها أوروبية، في شبكة جديدة تتجاوز الحدود القومية. ودعا ديورانت الألماني فيرنر فون براون لحضور اجتماع الأقمار الصناعية؛ إذ كانا قد صارا صديقين منذ قرأ ديورانت الورقة العلمية الخاصة بالألماني في أحد مؤتمرات الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية.
لأول مرة في التاريخ، تصل سرعة جهاز من صنع البشر إلى ما يزيد عن 17 ألف ميل في الساعة ويوضع في مدار الأرض.
جاء فون براون باقتراح مركبة إطلاق منخفضة التكلفة: ثلاث مراحل من القذائف العنقودية الصغيرة المضادة للطائرات محمولة على صاروخ «ريدستون». كانت إمكانياتها محدودة؛ إذ لم تضمن الدراسات اللاحقة سوى قدرتها على وضع جسم خامل يزن 5 أرطال في المدار. كانت حجة فون براون وشركائه أنها كانت طريقة سريعة ورخيصة لهزيمة الاتحاد السوفييتي. أقنع ديورانت وكالة الاستخبارات المركزية بالتصديق على الاقتراح نظرا إلى تأثير القمر الصناعي المحتمل على الرأي العالمي في الحرب الباردة. وأصبح السؤال المطروح هو كيف نتتبعه بصريا لاستخلاص معلومات علمية عن الغلاف الجوي الخارجي للأرض وحقل جاذبيتها، وهي معلومات غاية في الأهمية لتحسين دقة الصواريخ البعيدة المدى. في يناير 1955، بدعم مشترك من الجيش والبحرية الأمريكية، لقب هذا المشروع السري رسميا باسم «أوربيتر».
अज्ञात पृष्ठ
1
بدأ العلماء والمهندسون وخبراء السياسة في بناء دعم جماهيري لمشروع القمر الصناعي. أجرت جمعية الصواريخ الأمريكية، التي أعادت تعريف نفسها كمنظمة قومية للهندسة بعد الحرب العالمية الثانية، دراسة عامة. وصنع لويد بيركنر، وهو قائد أمريكي علمي مؤثر له صلة وثيقة بإدارة الدفاع الأمريكية، قرارا في المؤتمر الجيوفيزيائي العالمي في خريف 1954 يروج لإطلاق أقمار صناعية لصالح مشروع السنة الجيوفيزيائية الدولية. واستهدفت هذه الحملة العلمية، التي كان من المقرر أن تبدأ في 1 يوليو 1957 وتستمر حتى 31 ديسمبر 1958، مع بلوغ نشاط الشمس ذروته، المناطق القطبية والغلاف الجوي والغلاف الأيوني للأرض. وكان من المتوقع أن تثمر قياسات الأقمار الصناعية عن الكثير من البيانات الجديدة، إلا أن بيركنر كانت لديه حوافز أخرى مهمة متعلقة بالحرب الباردة، ومنها مكانة الولايات المتحدة القومية، وربما أيضا سابقة إطلاق قمر صناعي لمراقبة البلدان الأخرى جوا.
2
في أثناء العام نفسه، عام 1954، كانت إدارة أيزنهاور تجري دراسة سرية للغاية حول احتمالية شن الاتحاد السوفييتي هجوما مفاجئا بالصواريخ وقاذفات القنابل النووية. وأقرت الدراسة عدة إجراءات، منها صنع الصاروخ الباليستي المتوسط المدى باعتباره حلا مؤقتا، وطائرة الاستطلاع ذات الارتفاع العالي كي تحلق فوق الاتحاد السوفييتي بصورة غير شرعية (سميت بعد فترة قصيرة «يو-2») وأيضا إطلاق قمر صناعي ليكون بمثابة سابقة للاستطلاع من الفضاء، وحل نهائي لمشاكل الاستخبارات. رأى خبراء القانون الدولي الأمريكان أن السيطرة القومية على الجو تنتهي عند الغلاف الجوي المدرك؛ ومن ثم فإن أي جسم يوضع في المدار يستطيع العمل بحرية. في ربيع 1955، كان هذا الرأي أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الرئيس دوايت أيزنهاور يقرر المصادقة على مشروع القمر الصناعي للسنة الجيوفيزيائية الدولية الذي يحمل أجندة سياسية خفية.
3
في الاتحاد السوفييتي، تتبع سيرجي كوروليف وشركاؤه، خصوصا مهندس الطيران ميخائيل تيخونرافوف، أدبيات رحلات الفضاء الأمريكية والأوروبية وكافحوا من أجل إشعال روح الحماسة في وطنهم. وفي الفترة ما بين 1953 و1955، قاد تيخونرافوف فريقا صغيرا في معهده لكتابة تقرير طويل حول إمكانيات الأقمار الصناعية، بالتوازي مع دراسات مشابهة قامت بها مؤسسة راند الأمريكية بتمويل من القوات الجوية. وذكر التقرير تطبيقات عسكرية، لأسباب يرجع جزء منها إلى أن ذلك كان سيروق لصانعي القرار السوفييت. ولكن الاستطلاع، على الرغم من أهميته ، لم يكن جوهريا للشأن السوفييتي لأن الأسهل بالنسبة إلى السوفييت في ذلك الوقت كان التجسس على الولايات المتحدة المفتوحة نسبيا. في أواخر عام 1954، استطاع كوروليف وتيخونرافوف، وغيرهما من المتحمسين للفضاء إقناع أكاديمية العلوم المعتبرة بتشكيل لجنة لرحلات الفضاء. وعندما أعلنت إحدى الصحف في موسكو تشكيل هذه اللجنة في أبريل 1955، حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ استغل الإعلام الغربي المقال، واعتبره دليلا على أن ثمة سباق فضاء يلوح في الأفق، مما عزز قرار إدارة أيزنهاور بتنفيذ مشروع قمر صناعي، ولكن على ألا يتعارض مع تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
4
في الوقت نفسه، اكتسب «أوربيتر» زخما عندما درس أعضاء الفريق سبل تحسين قدراته على الحمل والتتبع. ولكنه فقد تتويجه الذي بدا حتميا باعتباره المشروع الأمريكي الرسمي في صيف 1955؛ إذ قدم ميلتون روزن، كبير مهندسي صاروخ التجارب «فايكينج» في معمل أبحاث البحرية الأمريكية، اقتراح مركبة جديدة ثلاثية المراحل تستند إلى تطوير «فايكينج». ومن ثم سارعت البحرية إلى إنهاء دعمها «لأوربيتر». وأنشأت إدارة الدفاع الأمريكية قائمة اختيار للاختيار من بين هذين الخيارين واقتراح آخر قدمته القوات الجوية يستند إلى مشروع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «أطلس». وكان الأخير باهظ التكاليف، وسيستغرق وقتا أطول، ويفتقد إلى الدعم العالي المستوى في خدمته. وقد ظن الجنرال برنارد شريفر أنه سيشتته عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وبرامج الأقمار الصناعية الاستطلاعية. في بداية أغسطس 1955، اختارت اللجنة على نحو مفاجئ اقتراح معمل أبحاث البحرية الأمريكية؛ إذ صوت لصالحه خمسة في مقابل اثنين. أتاحت مركبة فضاء «فانجارد» حمولة 20 رطلا على الأقل، كما يوجد على متنها جهاز إرسال لاسلكي، الأمر الذي يثمر عن عوائد علمية أكبر بكثير. ربما كان ثمة سبب آخر ثانوي وهو أن المركبة كانت تبدو أكثر «مدنية» لأنها لم تستخدم صاروخا عسكريا كمرحلة. أحد أعضاء اللجنة أيضا كان يعتقد أن الأصل الألماني لصاروخ فون براون كان من مساوئه؛ ربما كان لا يزال يكن عداوة تجاه فون براون المهندس النازي سابقا. ولكن هذه الأسباب الثانوية لم تكن حاسمة، كما لم تلعب مسألة المراقبة الجوية من الفضاء دورا؛ في الواقع يبدو أنها كانت سرية للغاية لدرجة أن معظم أعضاء اللجنة لم يكونوا على علم بها. ذهل الجيش وفون براون بحلول صاروخ يحتاج إلى الكثير من التطوير محل صاروخ يستند إلى أجهزة متاحة بالفعل. وحاول الجيش محاولة أخيرة أن يقترح حلا وسطا، بأن يطلق القمر الصناعي الخاص بالبحرية الأمريكية، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل. وبعد أن ذاعت حكاية قرار «فانجارد» بعد عامين، بعد «سبوتنيك»، أثارت الكثير من الاتهامات المتبادلة في الولايات المتحدة.
5
قبل وصول اللجنة لقرارها المبدئي بأيام، كان البيت الأبيض قد أعلن عن القمر الصناعي الخاص بمشروع السنة الجيوفيزيائية الدولية في 29 يوليو 1955، متصدرا عناوين الصحف العالمية. وكان الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية يعقد اجتماعه السنوي في كوبنهاجن الدنمارك، وهو الاجتماع الأول الذي يحضره ممثلو الاتحاد السوفييتي. في 2 أغسطس، أخبر ليونيد سيدوف، الرئيس الاسمي للجنة رحلات الفضاء، الصحافة بأن الاتحاد السوفييتي سوف يطلق أقمارا صناعية أيضا. ويبدو أن هذه العبارة كانت تفتقر إلى الدعم السياسي العالي المستوى، ولكنها ربما كانت بتوجيه من كوروليف وغيره في موسكو، الذين كانوا يعملون في سرية فرضتها الدولة. في 1955-1956، أنتجوا قمرا صناعيا جيوفيزيائيا كبيرا جدا باسم «سبوتنيك 3»، وحصلوا على الموافقة عليه، وكان القمر يزن نصف طن وكان من المقرر إطلاقه أخيرا في عام 1958، بفضل قوة الحمل الهائلة للصاروخ «آر-7». ولكن في أواخر عام 1956، ساور كوروليف القلق من أن السوفييت سيأتون في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في سباق الفضاء، بسبب القمر الصناعي الأول. وأبقى فون براون وقادته في الجيش على مشروعهم، في ترسانة «ريدستون»، مقتنعين بأن «فانجارد» ستفشل لا محالة. بمساعدة قرار أيزنهاور بالموافقة على صاروخ «جوبيتر» متوسط المدى، وضعوا خطة لاستخدام نسخة معدلة من مركبة الإطلاق «أوربيتر» لاختبار تقنيات الدرع الحراري لكي تحتمل القذائف النووية إعادة الدخول. وسميت هذه النسخة «جوبيتر-سي» للدلالة على أولويات ذلك البرنامج، على الرغم من أن المرحلة الأولى كانت «ريدستون». وفي سبتمبر 1956 أجري اختبار نتج عنه رقم قياسي عالمي؛ إذ وصلت القذيفة إلى مسافة 3355 ميلا. وكان كوروليف، نظرا للشائعات التي روجت في الصحافة الغربية، مقتنعا بأن فون براون قد أخفق في محاولة إطلاق قمر صناعي. فوضعت جماعته خطة لإطلاق جسم أبسط يحمل جهاز إرسال لاسلكي، وهو ما أطلق عليه لاحقا «سبوتنيك 1». كان من الممكن إطلاقه بمجرد نجاح اختبارات صاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات الأول.
अज्ञात पृष्ठ
6
تماما كما توقع فون براون (الذي كان في ذلك الوقت مواطنا أمريكيا)، تأخر «فانجارد» عن خطته الزمنية تأخرا ملحوظا، كما زادت تكلفته زيادة ملحوظة أيضا، رغم أن روزن وزملاءه استطاعوا في النهاية السيطرة على مشكلات التطوير. وحاول الجيش مرتين إقناع أيزنهاور بالموافقة على «جوبيتر-سي» كخطة بديلة ل «فانجارد»، لضمان احتلال الولايات المتحدة للمركز الأول في السباق، ولكن الرئيس لم يوافق على ذلك ولم يلق له بالا. فقد كان ذلك سيكلف مزيدا من الأموال في الوقت الذي كانت فيه ميزانية «فانجارد» قد ارتفعت بالفعل ارتفاعا كبيرا، كما أنه كان سيغير سياسة الولايات المتحدة التي اعتبرت «فانجارد» هو المشروع العلمي الرسمي للسنة الجيوفيزيائية الدولية. هذه القرارات، مثلها مثل القرار الأصلي باختيار «فانجارد» (التي لم يكن لأيزنهاور دور في اتخاذها، بخلاف أنه لم يمنع اتخاذها في المقام الأول) كانت جوهرية في عواقبها: كان تاريخ سباق الفضاء سيختلف اختلافا جذريا إذا كانت الولايات المتحدة قد احتلت المكانة الأولى. فلم تكن ستحتاج إلى أن تزيد من سرعتها للحاق بالسوفييت. ومرة أخرى، سرعت الأحداث إمكانية السفر عبر الفضاء إلى أقصى حد ممكن.
تنظيم برامج الفضاء
غالبا ما يكون تأثير القمر الصناعي «سبوتنيك» على الرأي العام الأمريكي مبالغا فيه؛ فقد استخدم مؤرخون مشهورون كلمات مثل «ذعر»، و«هستيريا»، و«خوف» لوصف تأثيره. أما الدراسات الحديثة، فهي لا تؤيد ذلك. ترك هذا الإنجاز انطباعا لدى كثير من الأمريكان، لكن كثيرين أيضا لم يلقوا له بالا على الإطلاق. إلا أن الصحافة والسياسيين سرعان ما هاجموا إدارة أيزنهاور لإعطائها السوفييت هذا الانتصار الرمزي.
7
وصار الإعلام يتشدق بأن الرئيس عجوز طيب يفضل لعب الجولف على الحكم. وآثر الرئيس الإبقاء على تدخله العميق في اتخاذ قرارات الحرب الباردة سرا، وذلك جزئيا لكي يحمي أجندته السرية، مثل استراتيجية المراقبة الجوية وكذلك مهام الاستطلاع الخطيرة بطائرات «يو-2». هذه الرحلات الجوية، رغم كونها محدودة، أوضحت أنه بخلاف ما كان شائعا عن وجود «فجوة قاذفات» ثم بعدها «فجوة صواريخ»، كان العكس صحيحا؛ فقد كانت الولايات المتحدة متقدمة عن الاتحاد السوفييتي في كل فئات الأسلحة النووية. ولكن جهل ناقديه بهذه المعلومات أتاح لهم الفرصة لنقد إحجامه عن تشجيع التقدم في سباق التسلح والفضاء. ومع ذلك، كانت أجندات النقاد كثيرا ما تتعارض مع أجندته. كان الجيش والقوات الجوية منافسين لدودين في تطوير الصواريخ الباليستية، وانتقلت هذه المنافسة فورا إلى سباق الفضاء. وطالب كلاهما بأحقيتهما في إدارة البرنامج في المستقبل، في حين طالبت البحرية بأحقيتها في الحصول على جزء من الكعكة.
غالبا ما يكون تأثير القمر الصناعي «سبوتنيك» على الرأي العام الأمريكي مبالغا فيه؛ فقد استخدم مؤرخون مشهورون كلمات مثل «ذعر»، و«هستيريا»، و«خوف» لوصف تأثيره.
أثار رد فعل الصحافة العالمية مفاجأة القادة السوفييت كذلك. احتوت الجريدة الرسمية مقالة صغيرة في اليوم التالي للإطلاق، ولكن في السادس من أكتوبر كانت ثمة عناوين ضخمة بينما تنهمر التهاني الدولية. وأراد رئيس الحزب الشيوعي نيكيتا خوروشوف، الذي اعتلى سدة الحكم بعد وفاة ستالين في 1953، تحقيق إنجاز مشهود آخر في الفضاء للذكرى الأربعين للثورة البلشفية في مستهل نوفمبر. أرسل فريق كوروليف كلبا إلى الفضاء، في مقصورة مجهزة من أجل رحلات الفضاء دون المدارية. وفي الثالث من نوفمبر، انطلق القمر الصناعي «سبوتنيك 2» وعلى متنه الكلبة لايكا، كلبة ضالة التقطت من شوارع موسكو. وللأسف ذعرت الكلبة المسكينة وماتت من جراء الحرارة الشديدة، ولكن السوفييت كذبوا بشأنها لمدة أسبوع قبل أن يدعوا قتلها قتلا رحيما. مرة أخرى، أثار حجم القمر الصناعي الضخم، 1121 رطلا، وهو ما يبلغ أضعاف وزن «سبوتنيك 1» البالغ 184 رطلا، إعجاب الجميع، كما أعطى للسوفييت الحق في ادعاء تحقيق أول اختبار ناجح للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في أواخر أغسطس.
8
كان الجيش والقوات الجوية منافسين لدودين في تطوير الصواريخ الباليستية، وانتقلت هذه المنافسة فورا إلى سباق الفضاء.
अज्ञात पृष्ठ
فاقم النجاح الثاني للاتحاد السوفييتي ما أطلق عليه المؤرخ والتر ماكدوجال «الشغب الإعلامي» في أمريكا حول الإحراج الملحوظ الذي تتعرض له أمريكا. ورويدا رويدا تحول الرأي العام الأمريكي إلى الغضب والقلق ونقد الإدارة الأمريكية. وزاد التهديد السوفييتي باستخدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، رغم أنه كان على بعد سنوات من التنفيذ، شعور الأمريكان بالضعف. وكان خروتشوف سعيدا بتغذية هذا الخوف بالتفاخر بالصواريخ السوفييتية وبقدرات السوفييت الفضائية. ما زاد الطين بلة، في السادس من ديسمبر، سقوط صاروخ «فانجارد» يحمل قمرا صناعيا مصغرا على منصة الإطلاق، محدثا انفجارا مدويا على التليفزيون الوطني. عند هذه اللحظة، نجح الجيش في الحصول على موافقة على مشروعه الثاني المستند إلى «جوبيتر-سي». جاء صاروخ ريدستون وتوجيه المشروع من فريق فون براون في هانتسفيل، في حين أدار مراحل الوقود الصلب العليا والقمر الصناعي مختبر الدفع النفاث في كاليفورنيا. في 31 يناير 1958، أصبح للولايات المتحدة أخيرا قمر صناعي في المدار؛ وسماه الجيش «إكسبلورر 1»، وتبعه «فانجارد» في أول نجاح مداري له بعد ستة أسابيع.
9
في الوقت الذي تناحرت فيه قوات الجيش على برنامج الفضاء، أقر كل من الرئيس الجمهوري وقائد الأغلبية في مجلس الشيوخ الديمقراطي ليندون جونسون، الحاجة إلى هيئة مدنية للقيام ببعثات علمية وسلمية. وكانت المرشحة الأولى لهذا العمل هي اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية (التي تعرف اختصارا ب
NACA ) وهي عبارة عن منظمة حكومية للأبحاث تأسست في عام 1915، وتقع أكبر مراكزها في فيرجينيا وأوهايو وكاليفورنيا. وفي نهاية يوليو، وقع الرئيس على مذكرة إنشاء الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (التي تعرف اختصارا ب
NASA
أو ناسا) من رحم
NACA ، بالإضافة إلى جماعة «فانجارد» في معمل أبحاث البحرية الأمريكية وبعض مشروعات الفضاء الخاصة بالجيش والقوات الجوية. رحب مختبر الدفع النفاث، الخاضع للتوجيه الأكاديمي، الذي كانت تديره كالتيك، بأن يتخلى عن الجيش لصالح وكالة ناسا بمجرد أن بدأت الوكالة ممارسة نشاطها في 1 أكتوبر 1958. لكن فون براون وقائده في هانتسفيل قاوموا محاولة نقل نصف فريقه الذي انحل، مخافة عواقب حدوث انفصال في مشروع صاروخ «جوبيتر» وغيره من المشروعات. وأخيرا أصدر أيزنهاور أمرا بالنقل بعد سنة، عندما أمكن استيعاب كل أعضاء فريق فون براون.
10
كان إنشاء هيئة مدنية هو الحل الأمريكي أثناء الحرب الباردة للتحديات التنظيمية، وأيضا السياسية، في السباق السريع الاحتدام. أبرزت الأقمار الصناعية السوفييتية «سبوتنيك» قيمة إنجازات الفضاء في تحقيق المكانة والتدليل على القوة العلمية والتكنولوجية. وقد كان انفصال الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا في أفريقيا وآسيا، سياقا مهما. كان ثمة دول جديدة تتشكل كل عام، والحركات الثورية القومية غالبا ما تنظر إلى الاتحاد السوفييتي والصين باعتبارهما نموذجين للتطور. كانت إنجازات الفضاء السوفييتية بمثابة إعلان مدو للتفوق المزعوم للاشتراكية على الرأسمالية. وكانت الدعاية الشيوعية تنتقد أمريكا والغرب بلا هوادة على العسكرية والإمبريالية. ولذا فإن إنشاء هيئة فضاء مدنية وعلمية، تنطوي شروط تأسيسها على التعاون الدولي، سوف تصدر صورة أمريكية إيجابية للحلفاء في أوروبا الغربية وغيرها. كما أن إنشاء ناسا جعل الولايات المتحدة تبتكر فئة نشاط الفضاء المدني، في الوقت الذي كانت فيه القوات المسلحة هي الوحيدة، حتى ذلك الوقت، التي تملك التكنولوجيا القادرة على القيام برحلات الفضاء.
11
अज्ञात पृष्ठ
أقر كل من الرئيس الجمهوري وقائد الأغلبية في مجلس الشيوخ الديمقراطي ليندون جونسون، الحاجة إلى هيئة مدنية للقيام ببعثات علمية وسلمية.
ضلل إنشاء وكالة ناسا الكثير ليظنوا أنها تدير «برنامج» الفضاء الأمريكي. في السنوات الأربع الأولى بعد «سبوتنيك»، وضعت الحكومة الأمريكية فعليا ثلاثة برامج فضاء. كان الأول الجهد المدني الذي توجهه وكالة ناسا. أما الثاني فهو البرنامج العسكري الذي تسيطر عليه القوات الجوية الأمريكية، بعد أن فقد الجيش والبحرية معظم خبراء الفضاء التابعين لهم لصالح ناسا. وظهرت نظم الاستطلاع والاتصالات والملاحة الجوية وغيرها من نظم الأقمار الصناعية العسكرية في هذه الفترة، وواصلت القوات الجوية الأمريكية حلمها بإرسال مركبات فضائية تحمل طيارا، حتى بعد أن سلمت ناسا مهمة إرسال إنسان للمدار. أما برنامج الفضاء الأمريكي الثالث فكان برنامج الاستخبارات، وكان مرتبطا ارتباطا وثيقا مع البرنامج العسكري، ولكنه كان منفصلا عنه تنظيميا. وبدأ البرنامج بمشروع سري للغاية لقمر صناعي استطلاعي للتصوير من الفضاء وإعادة الفيلم إلى الأرض وأطلق عليه «كورونا»، وقد فصله أيزنهاور في بداية 1958. وعلى غرار البرنامج الموازي له، «يو-2»، كان من المفترض أن يجري توجيه هذا القمر الصناعي بالتعاون بين القوات الجوية ووكالة الاستخبارات المركزية. وأسهمت البحرية بعد ذلك بالأقمار الصناعية الأولى لاستخبارات الإشارات. في 1961، أضفيت الصفة الرسمية على هذا البرنامج وسمي مكتب الاستطلاع الوطني (الذي عرف اختصارا باسم
NRO )، وظل هذا الاسم نفسه سريا حتى 1992. وكان يصنع ويشغل أقمارا صناعية للتجسس، بالتعاون الوثيق مع القوات الجوية، ولكنه كان يسلم ما يصل إليه من نتائج إلى الوكالات الاستخباراتية. عملت وكالة ناسا أيضا عن قرب مع وكالة الاستخبارات المركزية ومع القوات العسكرية، لا سيما فيما يختص بالاستخبارات حول برنامج الفضاء السوفييتي، وتكنولوجيا أجهزة الاستشعار ومركبات الإطلاق، ولكنها أخفت جزءا كبيرا من هذا التعاون وراء جدار التصنيف لتحمي صورتها كوكالة سلمية.
12
كانت إنجازات الفضاء السوفييتية بمثابة إعلان مدو للتفوق المزعوم للاشتراكية على الرأسمالية.
لم يشعر السوفييت أبدا بحاجتهم إلى إنشاء وكالة مدنية، حتى وإن كانت واجهة. وكان برنامجهم عسكريا خالصا، ولكنه محاط بأعلى درجات التكتم والسرية. فصل خروتشوف فرق الصواريخ الباليستية عن الجيش، وأنشأ سلاحا منفصلا، أسماه قوات الصواريخ الاستراتيجية، لتنفيذ كافة عمليات الإطلاق للفضاء. وابتكرت التكنولوجيا مصانع ومؤسسات ومكاتب تصميمات عسكرية التوجيه، مثل مكتب التصميمات «أوه كي بي-1» الخاص بكوروليف. واختارت القوات الجوية أول دفعة من رواد الفضاء ودربتهم في 1960. وبالنسبة إلى العالم الخارجي، كانت أكاديمية العلوم السوفييتية هي صاحبة البرنامج؛ ولكن في الحقيقة لم تتدخل الأكاديمية إلا في التجارب العلمية، على الرغم من أن قيادة الأكاديميين كان يمكن أن تحظى بمكانة مرموقة في سياسات السوفييت الداخلية.
كان سباق الفضاء في البداية يقاطعه بين الحين والآخر إنجازات سوفييتية مذهلة تلقي الظل على أفضلية أمريكا في قطاعات أخرى. ففي 1959، حلق القمر الصناعي السوفييتي «لونا 1» بالقرب من القمر، وأصبح أول آلة من صنع البشر تهرب من تأثير الأرض، وهبط «لونا 2» على سطح القمر، والتقط «لونا 3» صورا أولية للجانب الذي لم ير مطلقا من الكوكب الأم. وكان أقصى ما استطاعت الولايات المتحدة عمله في ذلك الحين هو التحليق على مسافة أبعد بكثير. في 12 أبريل 1961، أصبح يوري جاجارين أول إنسان يصعد إلى الفضاء، ويتمكن من الدوران حول الأرض دورة واحدة على متن مركبة الفضاء «فوستوك 1»؛ وبعد أربعة أشهر، قام جيرمان تيتوف بالدوران حول الأرض لمدة يوم كامل. أما برنامج «ميركوري» الأمريكي فعانى من البطء؛ إذ قام آلان شيبارد وفيرجيل جس جريسوم برحلتين دون مداريتين قصيرتين في الفترة ما بين الرحلتين السوفييتيتين. لم تنجح مساعي الولايات المتحدة في مضاهاة إنجاز جاجارين إلا عندما دار جون جلين حول الأرض في فبراير 1962. وفي يونيو 1963، أرسل الاتحاد السوفييتي أول امرأة إلى الفضاء لتدور حول الأرض، وهي رائدة الفضاء فالنتينا تيريشكوفا، في الوقت الذي قاومت فيه وكالة ناسا محاولات إرسال رائدات فضاء.
13
مع ذلك، ما لم يكن ظاهرا للعيان هو أن الولايات المتحدة كانت متقدمة بعامين في مجال الأقمار الصناعية الاستطلاعية؛ إذ حققت إنجازاتها الأولى بحمولات استخبارات إشارات البحرية والأقمار الصناعية الاستطلاعية «كورونا» المعدة للتصوير الفوتوغرافي في ربيع وصيف 1960. كما كانت الولايات المتحدة متقدمة أيضا علميا، من حيث عمليات الإطلاق الأكثر عددا والحمولات الأكثر فاعلية. ولكن كان من الصعب أن يدرك المرء ذلك من ردود أفعال الصحافة بعد كل انتصار سوفييتي.
في يونيو 1963، أرسل الاتحاد السوفييتي أول امرأة إلى الفضاء لتدور حول الأرض، وهي رائدة الفضاء فالنتينا تيريشكوفا، في الوقت الذي قاومت فيه وكالة ناسا محاولات إرسال رائدات فضاء من النساء.
अज्ञात पृष्ठ
قاوم الرئيس أيزنهاور زيادة الدين الوطني وحجم الحكومة، إلا أنه لم يستطع أن يقف أمام نمو برامج الصواريخ والفضاء، بسبب الضغط الشعبي والسياسي من أجل مواكبة السوفييت في سباقي الأسلحة والفضاء. تنحى الجنرال السابق برتبة خمسة نجوم عن منصبه منددا ب «المجمع الصناعي العسكري» وبنخبة الخبراء الذين حاولوا ترويج مشروعات باهظة التكاليف، كما فعل فون براون. وعلى النقيض، تولى جون إف كينيدي الرئاسة في يناير 1961، جزئيا بفضل التشدق المتواصل ب «فجوة الصواريخ» والقصور الأمريكي في مجال الفضاء.
سباق القمر
وقعت أزمتان في أبريل تمخضتا عن لي ذراع كينيدي: رحلة جاجارين والفشل الذريع للغزو الكوبي الذي تم على يد جماعة من الكوبيين المنفيين بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية بعدها بخمسة أيام. فطالب كينيدي نائبه ليندون جونسون بأن يجد جانبا من جوانب سباق الفضاء «نستطيع الفوز فيه». وكانت إجابة وكالة ناسا بالفعل: «إرسال إنسان ليهبط على سطح القمر وإعادته سالما إلى الأرض»، وفقا لما قاله كينيدي في خطابه يوم 25 مايو أمام الكونجرس. وخمن جيمس ويب، مدير ناسا الجديد، أن أي شيء أقل من رحلة فضاء ذهاب وعودة يهبط بها إنسان على سطح القمر، لن يضمن حصول الولايات المتحدة على فرصة للفوز على الاتحاد السوفييتي. وسيكون الصاروخ المطلوب كبيرا جدا بحيث يتفوق فعليا على أفضلية السوفييت في قوة الحمل. عندما نجحت رحلة شيبارد في 5 مايو، أضافت زخما جديدا للقرار. كانت الميزانية المقدرة 20 إلى 40 مليار دولار، وهو ما كان مبلغا هائلا بمعايير ذلك الوقت. وكان الجدول الزمني أيضا مذهلا: «قبل مضي هذا العقد» وفقا لما قاله كينيدي، وهو ما يعني 1969 أو ربما 1970. إلا أن الكونجرس وافق بشدة لدرجة أنه صادق على زيادة ميزانية وكالة ناسا زيادة ضخمة. مرة أخرى، اجتمعت المنافسة الدولية وحوادث التاريخ لتعجيل الجدول الزمني، فوطئت أقدام البشر على سطح القمر بعد ثماني سنوات فحسب من رحلتي جاجارين وشيبارد القصيرتين.
14
شكل 2-1: يوري جاجارين، أول إنسان في الفضاء، يحييه الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف في الميدان الأحمر في موسكو بعد رحلته التاريخية ذات المدار الواحد في 12 أبريل 1961. أضافت سلسلة من الإنجازات السوفييتية الرائدة زخما لسباق الفضاء الأمريكي السوفيتي المبكر وحفزت الرئيس كينيدي ليقترح إرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول نهاية الستينيات (المصدر: متحف سميثسونيان الوطني للطيران والفضاء).
غير هدف الوصول إلى القمر وكالة ناسا تغييرا جذريا؛ فبحلول عام 1966، تضاعفت نفقات الوكالة خمس مرات حتى وصلت إلى 5 مليارات دولار؛ إذ مولت ازدهار صناعة الفضاء الجوي، لا سيما في كاليفورنيا، ودفعت مقابل بناء مرافق جديدة ضخمة عبر جنوب الولايات المتحدة. ومنها مركز مركبات الفضاء المأهولة (الذي سمي لاحقا مركز جونسون للفضاء) في هيوستن بتكساس، بالإضافة إلى توسع ضخم في مركز مارشال لبعثات الفضاء الذي كان يديره فون براون في ألاباما، والمراكز التي انبثقت منه لاحقا، مثل مركز فلوريدا للإطلاق الذي حمل اسم كينيدي تمجيدا له بعد اغتياله عام 1963، ومرفق اختبار الصواريخ في ميسيسيبي (يطلق عليه حاليا ستينيس). وأصبحت رحلات الفضاء المأهولة هي مهمة وكالة ناسا الأساسية. وعندما آل ازدهار مشروع «أبولو» إلى نهاية مفاجئة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، كان اعتماد الميزانية والبنية التحتية عليه سيصير مشكلة.
لكن بدا أن هذا سيكون في المستقبل البعيد. في 1961-1962، اختارت الوكالة مركبة إطلاق، «ساتورن 5»، وطريقة هبوط، ملتقى القمر المداري، وكان هذا يعني أنها تحتاج إلى تطوير مركبة هبوط مخصصة على سطح القمر ل «أبولو»، بالإضافة إلى مركبة الفضاء الأساسية. كما قرر مركز هيوستن، برئاسة روبرت جيلروث، رئيس برنامج «ميركوري»، أنه بحاجة إلى جسر يوصله من مركبة الفضاء الأولى المأهولة بالبشر التي صنعها إلى «أبولو»: فصنع مركبة الفضاء «جميني» ضمن برنامج «ميركوري» وكانت تسع طاقما مكونا من شخصين. وكان الهدف الأساسي من هذه المركبة هو التعرف بدرجة أكبر على ملتقى القمر المداري وطريقة إرساء المركبة والسير في الفضاء والتأثير الصحي لرحلات الفضاء عندما تستمر أربعة عشر يوما وجميع المعلومات اللازمة للقيام برحلة ناجحة إلى سطح القمر. ونفذت وكالة ناسا، رغم مواجهتها القليل من الأزمات والمشاكل، عشر بعثات مأهولة على متن المركبة «جميني» في غضون عشرين شهرا في 1965-1966، محققة أهدافها كافة. كانت تلك هي الفترة التي لحقت فيها الولايات المتحدة بركب الاتحاد السوفييتي في سباق القمر، بل سبقتها فيه.
15
لم يتضح هذا التفوق للعيان على الفور؛ لأن فريق كوروليف حاز قصب السبق مرات قليلة أخرى. في أكتوبر 1964، أرسل السوفييت ثلاثة رواد فضاء في «فوسخود 1»، وفي مارس 1965، أرسلوا رائدي فضاء في «فوسخود 2». وكان أحد رائدي الفضاء في الرحلة الأخيرة، أليكسي ليونوف ، هو أول شخص يسير في الفضاء. ونجح السوفييت في إخفاء مدى خطورة هاتين الرحلتين عن العالم بأسره. لكي يحافظ كوروليف على مركز الصدارة لصالح خروتشوف، عدل مركبة الفضاء «فوستوك» بإزالة مقعد القذف ليستطيع تكديس المزيد من رواد الفضاء في المركبة. وعليه، إذا حدث أي عطب في المعزز، فلن يتمكن رواد الفضاء من النجاة. واجه ليونوف أزمة خطيرة أثناء سيره في الفضاء عندما انتفخت بذلته أكثر مما ينبغي فأصبح من الصعب عليه الرجوع إلى غرفة معادلة الضغط القابلة للنفخ على متن المركبة «فوسخود 2». كما عانت المركبة الفضائية من مشاكل في السيطرة عليها، ومن ثم هبطت بعيدا جدا عن مسارها. في الواقع، أجبر ليونيد بريجنيف وأليكسي كوزيجين، وغيرهما من قادة الحزب، خروتشوف على تقديم استقالته بعد يوم أو يومين من «فوسخود 1». كان سير ليونوف في الفضاء في مارس 1965 آخر عمل مثير من الطراز القديم. تلا ذلك فجوة محيرة، لم يرسل فيها أي رائد فضاء لمدة سنتين. وكافح مكتب تصميمات كوروليف في الخلفية لتصميم مركبة فضاء جديدة متقنة الصنع باسم «سويوز» (أو الاتحاد) وملحقاتها على سطح القمر.
16
अज्ञात पृष्ठ
رغم تصدر السوفييت سباق الفضاء بإطلاق بعثتين بالروبوتات إلى سطح القمر في 1966، كان منتصف الستينيات من القرن العشرين هو الفترة التي بدأ فيها برنامج الفضاء السوفييتي في الانهيار. كانت أسباب الانهيار متعددة. في فترة زخم الصواريخ الباليستية في أواخر الأربعينيات وفي الخمسينيات، كان كوروليف عبقريا في قيادة العديد من مصانع الصواريخ ومكاتب التصميمات والتنسيق بينها. وبحلول الستينيات، كان نضج صناعة الصواريخ والفضاء يعني أن هناك الآن العديد من المشروعات الكبرى تحت قيادة شخصيات مهمة تتنافس - منافسة لدودة في أغلب الأحيان - للحصول على استحسان المجمع الصناعي العسكري وقيادة الحزب. كان صاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات الذي صنعه كوروليف غير عملي، ولذا فاز مكتب تصميمات ميخائيل يانجل بتقديمه تصميمات أفضل. كان ثمة خلاف بين كوروليف وفالنتين جلوشكو، مصمم أول محرك صواريخ بالوقود السائل، على اختيار الوقود للمعزز ن-1 العملاق الذي كان سيستخدم للهبوط على سطح القمر، ولذا أوكل كوروليف مهمة تصميم المحرك لشركة أخرى. ثارت خلافات تنافسية أخرى مع مصمم الصواريخ فلاديمير شيلومي، الذي طور صاروخ «بروتون» بمحرك معزز ووضع خططا بديلة للبعثات المأهولة، بما في ذلك مشروع لإرسال رائدي فضاء للدوران حول القمر. نقل البرنامج الأخير إلى مكتب كوروليف، مما نجم عنه مشروعان قمريان وأدى ذلك إلى توزيع الموارد القليلة، وجعلها أقل.
يمكننا أن نقول إن قرار السوفييت بمنافسة «أبولو» جاء متأخرا جدا. لم يوافق خروتشوف على برنامج إلا في أغسطس 1964. ويبدو أن سلسلة نجاحات السوفييت قد جعلت الجميع راضيا عن نفسه. في بداية عام 1966، توفي سيرجي كوروليف إثر إجراء عملية جراحية فاشلة، مخلفا فراغا كبيرا في قيادة برنامج الفضاء. ولكن الصراع المحتدم يبين أن دكتاتورية الحزب الواحد والاقتصاد المخطط كانا أقل نجاحا من النظام الرأسمالي الديمقراطي في الفوز بالمنافسة الاقتصادية الداخلية ووضع برنامج متماسك - على عكس توقعات الغرب الحالية بأن النظم الديكتاتورية هي الأقرب لاتخاذ قرارات حاسمة. علاوة على ذلك كله، لم يملك الاتحاد السوفييتي اقتصادا كبيرا وفعالا بما يكفي لدعم سباق القمر ومنافسة الصواريخ مع الولايات المتحدة التي حشدت إمكانياتها. قصر بريجنيف وكوزيجين في تمويل مشروعات الصعود إلى القمر وجعلوا الأولوية هي اللحاق بالولايات المتحدة في نظم التسليم النووي. وكانت أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 مهينة؛ واضطر خروتشوف إلى إزالة الصواريخ الموضوعة هناك لتعويض الدونية الاستراتيجية السوفييتية.
في مستهل عام 1967، واجهت برامج الفضاء المأهولة الخاصة بكلتا القوتين العظميين عقبات كئودا أدت كذلك إلى تعتيم الصدارة الأمريكية المتزايدة. وفي يناير، حدث حريق في منصة إطلاق مركبة الفضاء «أبولو» التي كانت تحمل طاقما مكونا من ثلاثة رواد فضاء - هم جس جريسوم وإدوارد وايت (الذي كان أول أمريكي يسير في الفضاء عام 1965) وروجر شافي - مما أسفر عن مقتل الثلاثة. وأدى ذلك ببرنامج «أبولو» إلى كارثة بعد أن انكشف النقاب عن عيوب مركبة الفضاء. بعد ثلاثة شهور، في أبريل، مات فلاديمير كوماروف في تحطم مركبة الفضاء «سويوز 1»، بعد أن تشابكت مظلاته في نهاية الرحلة المنكوبة. وأحجمت كلتا الدولتين عن إرسال رواد فضاء حتى أواخر عام 1968.
أجبر هذا الحريق وكالة ناسا على إجراء فحص كامل دقيق لبرنامج «أبولو»، مما أثمر عن سلسلة مذهلة من النجاحات بين أواخر 1967 وأواخر 1969. تبع الاختبار الأول الناجح لصاروخ «ساتورن 5» الضخم اختبار مداري لمركبة الهبوط على القمر، ثم خمس رحلات فضاء كاملة كان على متنها رواد فضاء بدأت في أكتوبر 1968. جدير بالذكر أن فرانك بورمان وجيمس لوفيل وويليام أندرز قاموا بأول رحلة للفضاء العميق على متن المركبة «أبولو 8»، التي دارت حول القمر في عيد الميلاد. تلا ذلك بعثتان في مدار الأرض ومدار القمر بعد أن أصبحت المركبة الأم ومركبة الهبوط على سطح القمر متوفرتين. كانت مركبة الفضاء «أبولو 11» هي ذروة النصر المؤزر عندما هبط نيل أرمسترونج وباز ألدرين على القمر ووطئت أقدامهما أرضه في 20 يوليو 1969، في حين دار مايكل كولينز فوقهما. وكانت عودتهم السالمة بأول عينات من جسم سماوي آخر بمثابة دليل قاطع على إنجاز كينيدي في تحدي 1961. في وقت متأخر من نفس العام، انطلقت المركبة «أبولو 12» وهبطت بدقة بالقرب من «سيرفيور 3»، أحد المسابير الأمريكية الروبوتية، التي كانت هناك منذ 1967.
نفذ السوفييت عدة بعثات فضاء بمركبات «سويوز» في مدار الأرض المنخفض في الفترة نفسها، بما في ذلك إرساء مركبتين منهما. ولكن هذه البعثات، كان هدفها الرئيسي، بخلاف تطوير خبرة الفضاء، هو تغطية الفشل الذريع لبرامج الهبوط على سطح القمر. كان المقرر أن تحمل إحدى مركبات «سويوز» معدة للدوران حول القمر على متنها رائدي فضاء قبل أن يفعلها الأمريكان. كان النجاح الجزئي لاختبارات المركبات غير المأهولة سببا في الظن بأن الاتحاد السوفييتي كان منافسا قويا ل «أبولو 8». لكن لم يتم إطلاق أي رواد فضاء بسبب احتياج المركبة لإصلاحات، وبعد ذلك حازت الولايات المتحدة قصب السبق ونجحت في إرسال طاقم في مدار القمر، وليس فقط للدوران حوله. فشل الاختباران الأولان للصاروخ «إن-1» - الذي كان حجمه يبلغ نفس حجم «ساتورن 5» - الذي كان من المقرر أن يطلق مركبة الهبوط على سطح القمر، فشلا ذريعا كارثيا في 1969، بسبب تصميم المرحلة الأولى المبالغ في التعقيد والحد الأدنى من التجارب اللذين نجما عن نقص التمويل. استمر برنامج «إن-1» في بداية السبعينيات، ولكن انتهت محاولتا إطلاق أخريان نفس النهاية المؤسفة لسابقتيهما. وأنكر الاتحاد السوفييتي، في العلن، أنه امتلك أصلا برنامجا للهبوط المأهول على سطح القمر.
تناقص سرعة سباق الفضاء
أنهى النصر الذي حققته المركبة «أبولو 11» المرحلة الأولى من سباق الفضاء. وكانت ميزانية وكالة ناسا في تناقص بالفعل بعد أن وصل إنفاق «أبولو-ساتورن» إلى ذروته في 1966 وأدت حرب فيتنام وأعمال الشغب الحضرية، وغيرها من المشاكل القومية إلى تخفيض الدعم العام المقدم للوكالة. شجع النجاح المؤزر في رحلة القمر وكالة ناسا على أن تحاول حث إدارة نيكسون الجديدة على التصديق على إنشاء مكوك فضاء ومحطة فضاء واستكشاف القمر وإرسال بعثة مأهولة إلى كوكب المريخ قبل الثمانينيات من القرن العشرين. ولكن الدولة لم تكن مستعدة لذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نيكسون. استمرت ميزانية ناسا في التراجع حتى منتصف السبعينيات؛ إذ كانت تتمتع بنصف القوة الشرائية التي كانت تتمتع بها في 1966. على الجانب السوفييتي، حول الفشل الذي مني به مشروع القمر تركيز خلفاء كوروليف إلى سلسلة من المحطات المدارية الصغيرة. وفي النهاية، قررت القيادة السوفييتية بناء مكوك فضاء، محاكاة لبرنامج رحلات الفضاء المأهولة الفعلي الجديد الذي وضعته وكالة ناسا في بداية السبعينيات. أقنع نيكسون والكونجرس ببرنامج الفضاء الأمريكي بحجة أن المركبات القابلة لإعادة الاستخدام سوف تقلل تكلفة الإطلاق بدرجة هائلة. وكان من المقرر تأجيل الخطط الأكثر طموحا حتى الثمانينيات أو ما بعدها.
17
هكذا خففت قوى الحرب والمنافسة الدولية التي كانت تعجل تطوير تكنولوجيا الفضاء والصواريخ من سرعتها بشكل مفاجئ. نفذت الولايات المتحدة أربع عمليات هبوط بالمركبة «أبولو» من بين خمس محاولات، ولكن انتهاء ذلك البرنامج في ديسمبر 1972، كان بمثابة آخر مرة يغامر فيها البشر بالابتعاد عن الأرض مسافة تزيد عن 400 ميل، على الأقل حتى هذه اللحظة. والآن عندما نعيد التفكير في تلك الأحداث يبدو جليا أمامنا أن مثل هذا التوجه التاريخي اللامتوازن كان من الصعب أن يستمر . ولكنها كانت مفاجأة غير سارة للمؤمنين باستكشاف الفضاء الذين كانوا يتوقعون أن يستمر استكشاف الفضاء العميق المأهول إلى الأبد.
إلا أن سباق الفضاء لم يكن قد انتهى بعد؛ إذ استمرت المنافسة لمدة عشرين سنة أخرى ولكن بوتيرة أهدأ وأخف حدة؛ فطالما كانت الحرب الباردة مستمرة، لم تستطع الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفييتي التوقف عن محاولة مواكبة كل منهما إنجازات الآخر. كان هذا صحيحا على نحو ملحوظ في عالم الفضاء العسكري، حيث استمرت المنافسة من أجل إمكانيات الفضاء في كامل عنفوانها، حتى أثناء فترة الانفراج الدولي في منتصف السبعينيات، عندما رتب الجانبان عرضا دوليا للتعاون بإرساء مركبتي الفضاء «أبولو» و«سويوز» في عام 1975. واصلت القوتان العظميان تطوير إمكانياتهما في الاستطلاع بالتقاط الإشارات اللاسلكية والصور، كما واصلتا تطوير إمكانيات الإنذار المبكر، والطقس، والاتصالات، والملاحة، وغيرها من نظم الأقمار الصناعية، وذلك للأغراض العسكرية ولأغراض الأمن الوطني. بل إن الاتحاد السوفييتي تمادى إلى حد اختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية ونظم القصف المداري لمهاجمة الولايات المتحدة.
अज्ञात पृष्ठ