بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي
قَالَ العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى مرعي بن يُوسُف الْحَنْبَلِيّ الْمَقْدِسِي الْحَمد لله ذِي الْحلم وَالْفضل وَالْحكم والفصل ﴿الَّذِي خلق فسوى وَالَّذِي قدر فهدى﴾ الحكم الْعدْل ﴿وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه﴾ وَلَا يسمع فِي حبه العذل وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الصَّادِق المصدوق الْمبلغ عَن الله الْفَرْض وَالنَّفْل وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين تركُوا الْهوى وتمسكوا بِصَحِيح النَّقْل وَلم يتبعوا مُجَرّد الآراء وَالْعقل
وَبعد فقد وَقعت مذاكرة فِي بعض مسَائِل الْقدر فِي بعض الْمجَالِس فَذكر لي أَن بعض دراويش متصوفة الْفُقَرَاء الَّذين وَقَعُوا فِي الْإِبَاحَة والآثام وطووا بِسَاط الشَّرْع وَرفعُوا قَوَاعِد الْأَحْكَام وسووا بعقولهم بَين الْحَلَال وَالْحرَام كَانَ لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي منهمكا على الْمُحرمَات كالخمور وَنَحْوهَا من اللَّذَّات فآعترض عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَأجَاب بِمَا مضمونه أَنه قد رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف وَأَن هَذَا مُقَدّر عَليّ وَأَنا لَا أقدر على رفع مَا قدره الله عَليّ وأستدل أَيْضا بإحتجاج آدم على مُوسَى حَيْثُ قَالَ لمُوسَى أفتلومني على أَمر قد قدره الله عَليّ قبل أَن أخلق فحج آدم مُوسَى فَرفع فِي ذَلِك فَتْوَى للعلامة أبي السُّعُود الْمُفْتِي صَاحب التَّفْسِير تغمده الله تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ والرضوان وحف بأرجاء قَبره الرّوح وَالريحَان فَأجَاب ﵀ على عَادَة الْمُفْتِينَ بالزجر والصمع وَالتَّشْدِيد والردع لمن يفعل مثل ذَلِك لكنه لم يفصح بِبَيَان دفع الشُّبْهَة
1 / 15
الْوَاقِعَة لمن يفعل ذَلِك فَإِن مثل هَذَا مُشكل يحْتَاج لجواب يدْفع شُبْهَة من قَامَت عِنْده مثل هَذِه الشُّبْهَة وأشكاله من خَمْسَة أوجه
الأول حَيْثُ أَن الْمُقدر كَائِن لَا محَالة وَأَنه لَا يكون إِلَّا مَا قدره الله وَسبق علمه بِهِ فَمَا فَائِدَة الْعَمَل وَهل لَهُ تَأْثِير على دفع الْمَقْدُور وَمَا الدَّلِيل على ذَلِك
الثَّانِي أَن آدم قد احْتج على مُوسَى بِالْقدرِ وَقَالَ فِي الحَدِيث (فحج آدم مُوسَى) أَي غَلبه فِي الْحجَّة مَعَ أَن الْعلمَاء قاطبة يَقُولُونَ نؤمن بِالْقدرِ وَلَا نحتج بِهِ وَإِلَّا فَلَو سَاغَ الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ لَكَانَ إِبْلِيس أَيْضا يحْتَج بِهِ فِرْعَوْن أَيْضا يحْتَج بِهِ على مُوسَى وَكَذَلِكَ سَائِر العصاة وَذَلِكَ بَاطِل وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِك فَكيف آدم احْتج بِهِ وَسلم لَهُ احتجاجه وَمَا وَجه ذَلِك
الثَّالِث مَا الدَّلِيل على إبِْطَال الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ وذمه مَعَ أَن آدم أحتج بِهِ
الرَّابِع إِنَّه حَيْثُ لَا يقبل الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ وَأَنه لَا يكون إِلَّا مَا يُريدهُ الله وَقدره وَسبق علمه بِهِ فَيلْزم أَن الله تَعَالَى يُكَلف العَبْد مَا لَا يُطيق ثمَّ يُعَاقِبهُ على مَا لَا طَاقَة لَهُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ ظلم مَعَ أَن الله تَعَالَى أَيْضا هُوَ الْخَالِق لذَلِك وَمَا الْحِكْمَة فِي تَكْلِيف الْمُكَلّفين وعقاب العاصين
الْخَامِس حَيْثُ إِن الْقدر سَابق وَإِن الله هُوَ الْخَالِق لكل شَيْء رُبمَا لزم عَلَيْهِ إفحام الْأَنْبِيَاء ﵈ وَانْقِطَاع حجتهم لِأَن النَّبِي إِذا قَالَ للْكَافِرِ آمن بِي وصدقني يَقُول لَهُ قل للَّذي بَعثك يخلق فِي الْإِيمَان وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ فأؤمن وَإِلَّا فَكيف أُؤْمِن وَلَا قدرَة لي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خلق فِي الْكفْر وَأَنا لَا أقدر على دفع مَا خلقه فِي هَذَا وَفِي الْحَقِيقَة أَن مثل هَذَا بِحَسب الظَّاهِر مُشكل يحْتَاج لأجوبة قَاطِعَة تدفع شُبُهَات من قَامَت عِنْده وَإِلَّا فَأَي غَرَض فِي الرَّمْي إِلَى غير غَرَض وَهل المُرَاد فِي مقَام النزاع وَالِاسْتِدْلَال إِلَّا
1 / 16
إِيرَاد مَا يقطع النزاع والجدال من الْآيَات الْبَينَات والدلائل الواضحات فَإِنَّهَا إِذا أُقِيمَت إنقطع النزاع وَقُرِئَ ﴿الْآن حصحص الْحق﴾ وَلَا دفاع وَإِلَّا فللخصم أَن يَقُول هَذِه دَعْوَى مُجَرّدَة عَن الدَّلِيل فَلَا أرجع إِلَيْهَا وَلَا أعْتَمد عَلَيْهَا لِأَن هَذِه أُمُور اعتقادية فَلَا أرجع فِيهَا إِلَّا للأدلة اليقينية من النقلية والعقلية وَإِلَّا فَهِيَ دَعوه مُجَرّدَة مُقَابلَة بِالْمَنْعِ وَالرَّدّ وَعدم الْقبُول وَقد أَحْبَبْت أَن أذكر فِي الْجَواب مَا يفتح بِهِ الفتاح الْوَهَّاب وسميته رفع الشُّبْهَة وَالْغرر عَمَّن يحْتَج على فعل الْمعاصِي بِالْقدرِ
1 / 17
مُقَدّمَة
اعْلَم أيدك الله تَعَالَى أَن كثيرا مِمَّن ينتسب إِلَى التصوف قد صدرت مِنْهُم مقالات شنيعة واعتقادات فظيعة فِي هَذَا الزَّمَان وَقبل هَذَا الزَّمَان فَمنهمْ من يَقُول إِن الله تَعَالَى يحل فِي قلب الْعَارِف وَيتَكَلَّم بِلِسَانِهِ كَمَا يتَكَلَّم الجني على لِسَان المصروع وَمِنْهُم من يَقُول هَذَا السِّرّ لذِي باح بِهِ الحلاج وَغَيره وَهَذَا عِنْدهم من الْأَسْرَار الَّتِي يكتمها العارفون وَلَا يبوحون بهَا إِلَّا لخواصهم وَمِنْهُم من يَقُول إِن الحلاج إِنَّمَا قتل لِأَنَّهُ باح بالسر وينشد
(من باح بالسر كَانَ الْقَتْل سيمته ... بَين الرِّجَال وَلَا يُؤْخَذ لَهُ ثأر) وَمِنْهُم من يَجْعَل الْقُبُور الجميلة مظَاهر الْجمال الإلهي وَمِنْهُم من يَقُول بحلوله تَعَالَى فِي الصُّور الجميلة وَيَقُول إِنَّه يُشَاهد فِي الْأَمْرَد معبودة أَو صِفَات معبوده أَو مظَاهر جماله وَمِنْهُم من يسْجد للأمرد قَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية ثمَّ من هَؤُلَاءِ من يَقُول بالحلول والاتحاد الْعَام لكنه يتعبد بمظاهر الْجمال لما فِي ذَلِك من اللَّذَّة لَهُ فيتخذ إلهه هَوَاهُ قَالَ وَهَذَا مَوْجُود فِي كثير من المنتسبين إِلَى الْفِقْه والتصوف وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّه يرى الله مُطلقًا وَلَا يعين الصُّورَة الجميلة بل يَقُولُونَ إِنَّهُم يرونه فِي صور مُخْتَلفَة وَكثير من جهال أهل الْحَال يَقُولُونَ إِنَّهُم يرَوْنَ الله عيَانًا فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُم عرج بهم إِلَى السَّمَاء وَنَحْو ذَلِك من المقالات الشنيعة وَأهل السّنة متفقون على أَن الله تَعَالَى لَا يرَاهُ أحد بِعَيْنِه فِي الدُّنْيَا لَا نَبِي وَلَا غير نَبِي وَلم يتنازع النَّاس فِي ذَلِك إِلَّا فِي نَبينَا خَاصَّة
وَأما القَوْل بِإِبَاحَة وَحل الْمُحرمَات فَهَذَا وَاقع من كثير مِنْهُم بل وَمن غَيرهم وَهَذَا فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ قَول أَئِمَّة الباطنية القرامطة وَكثير من الفلاسفة الَّذين يضْرب بهم الْمثل فَيُقَال فلَان يسْتَحل دمي كأستحلال
1 / 18
الفلاسفة مَحْظُورَات الشَّرَائِع ثمَّ تَبِعَهُمْ فِي ذَلِك من ينتسب للتصوف من متصوفة الْمَلَاحِدَة
قَالَ الإِمَام ابْن النقاش فِي تَفْسِيره وأنقص الْمَرَاتِب عِنْد هَؤُلَاءِ مرتبَة أهل الشَّرِيعَة وهم الْفُقَهَاء الواقفون مَعَ الْحَلَال وَالْحرَام وَأَعْلَى مِنْهُم مرتبَة الْمُتَكَلّم على طَريقَة الْجَهْمِية والمعتزلة ثمَّ مرتبَة الفيلسوف ثمَّ مرتبَة الْمُحَقق والمحقق فِي عرفهم هُوَ الْقَائِل بوحدة الْوُجُود ويسمون الْعقل الْعلم ويسمون النَّفس الفلكية اللَّوْح وَيدعونَ أَن ذَلِك هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِي كَلَام الله وَرَسُوله وَلِهَذَا يَدعِي أحدهم أَنه مطلع على اللَّوْح الْمَحْفُوظ
قَالَ ابْن تَيْمِية وَقد يَقُولُونَ الْوُجُود وَاحِد ثمَّ يجْعَلُونَ المردان مظَاهر الْجمال فيجعلون هَذَا الشّرك الْأَعْظَم طَرِيقا إِلَى الْوُصُول إِلَى إستحلال الْفَوَاحِش بل إِلَى كل محرم كَمَا قيل لبَعض مشايخهم إِذا كَانَ قَوْلكُم بِأَن الْوُجُود وَاحِد هُوَ الْحق فَمَا الْفرق بَين الْأَجْنَبِيَّة وَبَين أُمِّي وأختي وبنتي حَتَّى يكون هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام فَقَالَ الْجَمِيع عندنَا سَوَاء وَلَكِن هَؤُلَاءِ المحجوبون قَالُوا حرَام فَقُلْنَا حرَام عَلَيْكُم قَالَ وَلِهَذَا تَجِد الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ يُنكر على من يُنكر الْمُنكر وَيَقُول هَذَا مُقَدّر عَلَيْكُم وَيَقُول بعض مشايخهم أَنا كَافِر بِرَبّ يعْصى وَيَقُول لَو قتلت سبعين نَبيا مَا كنت مخطئا وَيَقُول شَاعِرهمْ
(أَصبَحت منفعلا لما تختاره ... مني ففعلي كُله طاعات)
وَمِنْهُم من يَقُول إِن العَبْد إِذا بلغ غَايَة الْمحبَّة وَصفا قلبه وأختار الْإِيمَان على الْكفْر سقط عَنهُ الْأَمر وَالنَّهْي وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّه تسْقط عَنهُ الْعِبَادَات الظَّاهِرَة وَتَكون عباداته التفكر وكل هَؤُلَاءِ بمعزل عَن الْإِسْلَام وهم كَمَا قيل
(وَمَا انتسبوا إِلَى الْإِسْلَام إِلَّا ... لصون دِمَائِهِمْ أَن لَا تسالا)
(فَيَأْتُونَ الْمعاصِي فِي نشاط ... ويأتون الصَّلَاة وهم كسَالَى)
1 / 19
قَالَ ابْن تَيْمِية وَمِنْهُم طَائِفَة ظنت أَن كل مَا خلق الله فقد أحبه وَهَؤُلَاء قد يخرجُون إِلَى مَذَاهِب الْإِبَاحَة أَيْضا فَيَقُولُونَ إِنَّه تَعَالَى يحب الْكفْر والفسوق والعصيان ويرضي ذَلِك وَأَن الْعَارِف إِذا شهد هَذَا الحكم لم يستقبح سَيِّئَة لشهوده القيومية الْعَامَّة وَخلق الرب لكل شَيْء وَيَقُول شَاعِرهمْ
(مَا الْأَمر إِلَّا نسق وَاحِد ... مَا فِيهِ من حمد وَلَا ذمّ)
قَالَ وَهَذَا غلط عَظِيم فَإِن الْكتاب وَالسّنة واتفاق سلف الْأمة صَرِيح بِأَن الله يحب أنبياءه وأولياءه وَمَا أَمر بِهِ وَلَا يحب الشَّيَاطِين والكافرين وَلَا مَا نهى عَنهُ
قَالَ وَمن المدعين للمعرفة والحقيقة والفناء الَّذين يطْلبُونَ أَن يكون لَهُم مُرَاد مَعَ الْحق بل يُرِيدُونَ مَا يُرِيد الْحق وَمِنْهُم من يَقُول إِن الْكَمَال أَن تغنى عَن إرادتك وَتبقى مَعَ إِرَادَة رَبك وَلَيْسَت الطَّاعَات عِنْدهم سَبَب للثَّواب وَلَا الْمعاصِي سَببا للعقاب والعارف عِنْدهم من يكون مشاهدا سبق الْحق بِحكمِهِ وَعلمه أَي يشْهد إِنَّه علم مَا سَيكون وَحكم بِهِ أَي أَرَادَهُ وقضاه وَكتبه وَكَثِيرًا من أهل هَذَا الْمَذْهَب يتركون الْأَسْبَاب الدُّنْيَوِيَّة ويجعلون وجود السَّبَب كَعَدَمِهِ وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي قوم لَا يعْملُونَ بالتكسب وَيَقُولُونَ نَحن متوكلون هَؤُلَاءِ مبتدعة
وَمِنْهُم قوم زنادقة يتركون الْأَسْبَاب الأخروية وَيَقُولُونَ إِن سبق الْعلم أننا سعداء فَنحْن سعداء وَإِن سبق أننا أشقياء فنخن أشقياء فَلَا فَائِدَة فِي الْعَمَل فيتركون الْعَمَل بِنَاء على هَذَا الأَصْل الْفَاسِد
إِذا تقرر هَذَا فَالْجَوَاب عَن الأول وَهُوَ أَنه حَيْثُ الْمُقدر كَائِن لَا محاله فَمَا فَائِدَة الْعَمَل وَهل لَهُ تَأْثِير فِي رفع الْمَقْدُور إِلَى آخِره
1 / 20
الْجَواب الأول
فَنَقُول لَا ريب أَن الْمَقَادِير سَابِقَة وَقد جرى الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى الْأَبَد قَالَ إِمَام النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم إِن الله تَعَالَى قدر مقادير الْخلق وَمَا يكون من الْأَشْيَاء قبل أَن يكون فِي الْأَزَل وَعلم سُبْحَانَهُ أَنَّهَا ستقع فِي أَوْقَات مَعْلُومَة عِنْده وعَلى صِفَات مَخْصُوصَة فَهِيَ تقع على حسب مَا قدرهَا
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية إِن علم الله تَعَالَى السَّابِق مُحِيط بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا محو فِيهِ وَلَا تَغْيِير وَلَا زِيَادَة وَلَا نقص فَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يعلم مَا كَانَ وَمَا يكون وَمَا لَا يكون لَو كَانَ كَيفَ كَانَ يكون وَأما مَا جرى بِهِ الْقَلَم فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَهَل يكون فِيهِ محو وَإِثْبَات على قَوْلَيْنِ الْعلمَاء
قَالَ وَأما الصُّحُف الَّتِي بيد الْمَلَائِكَة فَيحصل فِيهَا المحو وَالْإِثْبَات انْتهى وَقد بسطت الْكَلَام على هَذَا فِي كتابي إتحاف ذَوي الْأَلْبَاب فِي قَوْله تَعَالَى يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ ﵁ قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول كتب الله مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ الف سنة وعرشه على المَاء
1 / 21
وَفِي حَدِيث الإِمَام أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ قدر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة
وَحَدِيث أَحْمد وَمُسلم عَن ابْن عمر وكل شَيْء بِقدر حَتَّى الْعَجز والكيس وَفِي الْقُرْآن الْعَزِيز ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها﴾ وَفِيه أَيْضا ﴿قل لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا﴾ والآيات وَالْأَحَادِيث فِي مثل هَذَا كَثِيرَة وَالْمَقْصُود هُنَا أَن من شهد هَذَا المشهد فشهوده حق لَكِن وَرَاء هَذَا المشهد مشْهد آخر وَهُوَ أَن يشْهد الْمَقَادِير مقدرَة بأسبابها لِأَنَّهُ يشهدها مُجَرّدَة عَن الْأَسْبَاب فَإِنَّهُ إِن شهد ذَلِك كَانَ شُهُوده نَاقِصا أعمى وينشأ لَهُ الْغَلَط من أَن الْأَعْمَال لَا تَنْفَع وَأَن الْأَسْبَاب لَا تفِيد وَهُوَ قَول مَبْنِيّ على أصل فَاسد وَلَا ريب أَن هَذَا الأَصْل الْفَاسِد الَّذِي وَقع فِيهِ بعض المتصوفة وَمن التحقق بهم هُوَ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وأئمة الدّين ومخالف صَرِيح الْمَعْقُول ومخالف للحس والمشاهدة فَأن الله تَعَالَى أجْرى عَادَته الإلهية فِي هَذَا الْعَالم على أَسبَاب ومسببات تناط بِتِلْكَ الْأَسْبَاب وينسب أَيْضا وُقُوعهَا إِلَيْهَا نظرا للصورة الوجودية وَإِن كَانَ الْكل فِي الْحَقِيقَة بِقَضَائِهِ وَقدره بأعتبار الْحَقِيقَة الإيجادبة
وَقد سُئِلَ النَّبِي ﷺ عَن إِسْقَاط الْأَسْبَاب نظرا إِلَى الْقَضَاء وَالْقدر
1 / 22
السَّابِق فَرد ﵇ على ذَلِك كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد علم مَقْعَده من الْجنَّة ومقعده من النَّار قَالُوا يَا رَسُول الله أَفلا نَدع الْعَمَل ونتكل على الْكتاب فَقَالَ لَا اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ
وَفِي صَحِيح مُسلم فِي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي ﷺ وَفِيه قَالَ مَا من نفس منفوسة إِلَّا وَقد كتب الله مَكَانهَا فِي الْجنَّة وَالنَّار إِلَّا وَقد كتب شقية أَو سعيدة قَالَ فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أَفلا نمكث على كتَابنَا وَنَدع الْعَمَل فَقَالَ من كَانَ من أهل السَّعَادَة فسيصير إِلَى عمل أهل السَّعَادَة وَمن كَانَ من أهل الشقاوة فسيصير إِلَى عمل أهل الشقاوة اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ
وروى الإِمَام أَبُو حنيفَة عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن مُصعب بن سعد بن أبي وَقاص قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ مَا من نفس إِلَّا وَقد كتب الله مخرجها ومدخلها وَمَا هِيَ لاقية فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار فَفِيمَ الْعَمَل يَا رَسُول الله فَقَالَ اعْمَلُوا كل ميسر لما خلق لَهُ أما أهل الشَّقَاء فييسرون لعمل أهل الشَّقَاء وَأما أهل السَّعَادَة فييسرون لعمل أهل السَّعَادَة فَقَالَ الْأنْصَارِيّ الْآن حق الْعَمَل
وَفِي السّنَن أَنه ﷺ قيل لَهُ أَرَأَيْت أدوية نتداوى بهَا ورقى نسترقي بهَا وتقاة نتقيها هَل ترد من قدر الله شَيْئا فَقَالَ ﵇ هِيَ من قدر الله تَعَالَى
1 / 23
وَلما رَجَعَ عمر بن الْخطاب ﵁ عَن دُخُول دمشق من أجل الطَّاعُون قَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ إِذْ ذَاك أَمِير الشَّام أفرارا من قدر الله فَقَالَ عمر لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة نعم نفر من قدر الله إِلَى قدر الله
فَهَذَا كَلَام رَسُول الله وَكَلَام صَاحبه صَرِيح أَن السَّبَب والمسبب بِقدر الله تَعَالَى وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا﴾ والآيات فِي هَذَا كَثِيرَة وَقَالَ الإِمَام بن حزم ﵀ فِي الْملَل والنحل صَحَّ عَن رَسُول الله ﷺ تَصْحِيح الطِّبّ وَالْأَمر بالعلاج وَأَنه ﵇ قَالَ تداووا فَإِن الله تَعَالَى لم يخلق دَاء إِلَّا خلق لَهُ دَوَاء إِلَّا السأم والسأم الْمَوْت قَالَ فأعترض قوم فَقَالُوا قد سبق علم الله ﷿ بنهاية أجل الْمَرْء وَمُدَّة صِحَّته وَمُدَّة سقمه فَأَي معنى للعلاج قَالَ فَقُلْنَا لَهُم نسألكم هَذَا السُّؤَال نَفسه فِي جَمِيع مَا يتَصَرَّف فِيهِ النَّاس من الْأكل وَالشرب واللباس لطرد الْبرد وَالْحر وَالسَّعْي فِي المعاش بالحرث وَالْغَرْس وَالْقِيَام على الْمَاشِيَة والتحرف بِالتِّجَارَة والصناعة ونقول لَهُم قد سبق علم الله تَعَالَى بنهاية أجل الْمَرْء وَمُدَّة صِحَّته وَمُدَّة سقمه فَأَي معنى لكل مَا ذكرنَا فَلَا جَوَاب لَهُم إِلَّا أَن يَقُولُوا إِن علم الله تَعَالَى قد سبق أَيْضا بِمَا يكون من كل ذَلِك وبأنها أَسبَاب إِلَى بُلُوغ نِهَايَة الْعُمر الْمقدرَة فَنَقُول لَهُم وَهَكَذَا الطِّبّ قد سبق فِي علم الله تَعَالَى أَن هَذَا العليل يتداوى وَأَن تداويه سَبَب إِلَى بُلُوغ نِهَايَة أَجله فالعلل مقدرَة والزمانة مقدرَة وَالْمَوْت مُقَدّر والعلاج مُقَدّر وَلَا مرد لحكم الله ونافذ علمه فِي كل شَيْء من ذَلِك
1 / 24
وَقَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم بعد تَقْرِيره نفع الدُّعَاء وَالْأَمر بِهِ وَدفعه للبلاء وَقد أعترض قوم بِأَن الْمَدْعُو بِهِ إِن كَانَ قد قدر لم يكن بُد من وُقُوعه دَعَا بِهِ العَبْد أَو لم يدع لِأَن كل مُقَدّر كَائِن كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَات الصَّرِيحَة وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَإِن لم يكن قدر لم يَقع سَأَلَهُ العَبْد أَو لم يسْأَله فظنت طَائِفَة صِحَة هَذَا الْكَلَام فَتركت الدُّعَاء وَقَالُوا لَا فَائِدَة فِيهِ قَالَ وَهَؤُلَاء مَعَ فرط جهلهم وضلالتهم متناقضون فَإِن مَذْهَبهم يُوجب تَعْطِيل جَمِيع الْأَسْبَاب فَيُقَال لأَحَدهم إِن كَانَ الشِّبَع والري قد قدرا لَك فلابد من وقوعهما أكلت أَو لم تَأْكُل شربت أَو لم تشرب فَلَا حَاجَة للْأَكْل وَالشرب وَإِن كَانَ الْوَلَد قد قدر لَك فَلَا بُد مِنْهُ وطِئت الزَّوْجَة وَالْأمة أَو لم تطَأ وَأَن لم يقدر لم يكن فَلَا حَاجَة للتزويج والتسري فَهَل يَقُول هَذَا عَاقل أَو آدَمِيّ بل الْحَيَوَان إِلَيْهِم مفطور على مُبَاشرَة الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا قوامه ونفعه وأجتناب الَّتِي بهَا ضَرَره فالحيوان أَعقل وَأفهم من هَؤُلَاءِ الَّذين هم كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا قَالَ وعَلى هَذَا فالدعاء من أقوى الْأَسْبَاب فَإِذا قدر وُقُوع الْمَدْعُو بِهِ الدُّعَاء لم يَصح أَن يُقَال لَا فَائِدَة فِي الدُّعَاء كَمَا لَا يُقَال لَا فَائِدَة فِي الْأكل وَالشرب وَجَمِيع الحركات والأعمال
قَالَ ابْن تَيْمِية وَالنَّاس قد اخْتلفُوا فِي الدُّعَاء المستعقب بِقَضَاء الْحَاجَات فَزعم قوم من المبطلين متفلسفة ومتصوفة أَنه لَا فَائِدَة فِيهِ أصلا فَإِن الْمَشِيئَة الإلهية والأسباب العلوية إِمَّا أَن تكون قد أقتضت وجود الْمَطْلُوب وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَة إِلَى الدُّعَاء أَو لَا تكون اقتضته حِينَئِذٍ فَلَا ينفع الدُّعَاء وَقَالَ قوم مِمَّن يتَكَلَّم فِي الْعلم بل الدُّعَاء عَلامَة وَدلَالَة على حُصُول الْمَطْلُوب وَجعلُوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدَّلِيل بالمدلول لَا ارتباط السَّبَب بالمسبب قَالَ وَالصَّوَاب مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور فِي أَن الدُّعَاء سَبَب لحُصُول الْخَيْر الْمَطْلُوب كَسَائِر الْأَسْبَاب الْمقدرَة والمشروعة وَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خير ألهمه دعاءه والاستعانة بِهِ وَجعل استعانته ودعاءه سَببا للخير الَّذِي قَضَاهُ لَهُ كَمَا أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أَن يشْبع عبد أَو يرويهِ ألهمه أَن يَأْكُل
1 / 25
وَيشْرب وَإِذا أَرَادَ أَن يَتُوب على عبد ألهمه أَن يَتُوب هـ فيتوب عَلَيْهِ وَإِذا أَرَادَ أَن يرحمه أَو يدْخلهُ الْجنَّة يسره لعمل أهل الْجنَّة والمشيئة الإلهية اقْتَضَت وجود هَذِه الْخيرَات بأسبابها الْمقدرَة لَهَا
كَمَا اقْتَضَت دُخُول الْجنَّة بِالْإِيمَان وَدخُول النَّار بالْكفْر وَحُصُول الْوَلَد بِالْوَطْءِ وَالْعلم بالتعلم لَكِن لَيْسَ كل مَا يَظُنّهُ الْإِنْسَان سَببا يكون سَببا كَمَا قد بسطت الْكَلَام على هَذَا فِي كتابي شِفَاء الصُّدُور فِي زِيَارَة الْمشَاهد والقبور وَالْمَقْصُود هُنَا إِنَّمَا هُوَ بَيَان أَن الطَّاعَات سَبَب للثَّواب والمعاصي سَبَب للعقاب خلافًا للمتصوفة الإباحية كَمَا أَنه سُبْحَانَهُ جعل إرْسَال الرُّسُل سَببا لهداية الْمُؤمنِينَ وَإِقَامَة حجَّة الله على الْكَافرين وَلَوْلَا إرْسَال الرُّسُل مَا حصلت هِدَايَة الْمُؤمن وَلَا قَامَت حجَّة الله على كَافِر
وَالْحَاصِل أَن الْأَسْبَاب وتأثيرها بِمَشِيئَة الله مِمَّا لَا يُنكر وَإِن كَانَ الله تَعَالَى هُوَ خَالق السَّبَب والمسبب لَا سِيمَا وَقد دلّ الْعقل وَالنَّقْل وَالْفطر وتجارب الْأُمَم على إختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أَن التَّقَرُّب إِلَى رب الأرباب وَطلب مرضاته وَالْإِحْسَان إِلَى خلقه من أعظم الْأَسْبَاب الجالبة لكل خير وأضدادها من أكبر الْأَسْبَاب الجالبة لكل شَرّ فَمَا أستجلبت نعم الله واستدفعت نقمة بِمثل طَاعَته والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى خلقه وَقد رتب الله سُبْحَانَهُ حُصُول الْخَيْر وَالشَّر قي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي كِتَابه الْعَزِيز على الْأَعْمَال تَرْتِيب الْجَزَاء على الشَّرْط وَالْعلَّة على الْمَعْلُول والمسبب على السَّبَب فَقَالَ تَعَالَى ﴿إِن تتقوا الله يَجْعَل لكم فرقانا وَيكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ وَيغْفر لكم﴾ وَقَالَ ﴿إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم﴾ وَقَالَ ﴿لَئِن شكرتم لأزيدنكم﴾ الْآيَة وَقَالَ (من يعْمل
1 / 26
سوءا يجز بِهِ) وَقَالَ ﴿فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون﴾ وَبِالْجُمْلَةِ فالقرآن من أَوله إِلَى آخِره صَرِيح قي تَرْتِيب الْجَزَاء بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مترتبة على الْأَسْبَاب والأعمال وَمن فقه قي هَذِه الْمَسْأَلَة وتأملها حق التَّأَمُّل انْتفع بهَا غَايَة النَّفْع وَلم يتكل على الْقدر جهلا مِنْهُ وعجزا أَو تفريطا وإضاعة فَيكون توكله عَجزا وعجزه توكلا بل الْفَقِيه الْعَارِف هُوَ الَّذِي يرد الْقدر بِالْقدرِ ويجلب الْقدر بِالْقدرِ ويعارض الْقدر بِالْقدرِ بل لَا يُمكن الْإِنْسَان أَن يعِيش إِلَّا بذلك فَإِن الْجُوع والعطش وَالْبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هِيَ من الْقدر والخلق كلهم ساعون فِي دفع هَذَا الْقدر بِالْقدرِ وَهَكَذَا من وَفقه الله تَعَالَى والهمه رشده فَإِنَّهُ يدْفع قدر الْعقُوبَة الأخروية بِقدر التَّوْبَة وَالْإِيمَان والأعمال الصَّالِحَة فَإِن وزان الْقدر الْمخوف فِي الْآخِرَة وزان الْقدر الْمخوف فِي الدُّنْيَا فري الدَّاريْنِ وَاحِد وحكمته وَاحِدَة لَا يُنَاقض بَعْضهَا بَعْضًا وَلَا يبطل بَعْضهَا بَعْضًا وَهَذِه الْمَسْأَلَة من أشرق الْمسَائِل لمن عرف قدرهَا ورعاها حق رعايتها فَثَبت بِمَا تقرر أَن الله تَعَالَى جعل للسعادة والشقاوة أَسبَاب وَأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ مسبب الْأَسْبَاب وخالق كل شئ كَمَا أقتضت ذَلِك حكمته ومشيئته وَأَن الْأَسْبَاب لَا بُد مِنْهَا فِي وجود المسببات بِمَعْنى أَن الله تَعَالَى لَا يحدث المسببات ويشاؤها إِلَّا بِوُجُود الْأَسْبَاب لَكِن الْأَسْبَاب كَمَا قَالَ فِيهِ الإِمَام الْغَزالِيّ والحافظ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهمَا الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع والتوكل معنى يلتئم بِهِ معنى التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع فالمؤمن المتَوَكل يُبَاشر الْأَسْبَاب
1 / 27
كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا خُذُوا حذركُمْ﴾ وَقَالَ ﴿وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا بِمَعْنى أَن لَا يطمئن إِلَيْهَا وَلَا يَثِق بهَا وَلَا يرجوها وَلَا يخافها فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُود سَبَب يسْتَقلّ بِحكم بل كل سَبَب فَهُوَ مفتقر إِلَى أُمُور أخر تضم إِلَيْهِ كالإخلاص وَالْقَبُول مثلا وَله مَوضِع وعوائق تمنع مُوجبَة وَمَا ثمَّ سَبَب مُسْتَقل بِنَفسِهِ إِلَّا مَشِيئَة الله وَحده فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَمَا سبق بِهِ علمه وَحكمه فَهُوَ حق وَاقع وَقد علم وَحكم أَن الشَّيْء الْفُلَانِيّ يَقع بِالسَّبَبِ الْفُلَانِيّ فَمن شهد وُقُوع الْوَلَد وحصوله الْمُقدر بِسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الْوَطْء فشهوده كَامِل وَمن شهد حُصُول ولد لَهُ بِلَا وَطْء فشهوده نَاقص أعمى نور الله تَعَالَى بصيرتنا ورزقنا الْإِيمَان بِمَا قَالَه هُوَ وَرَسُوله آمين
1 / 28
الْجَواب الثَّانِي
أما الْجَواب عَن الثَّانِي وَهُوَ أَن أَدَم قد احْتج على مُوسَى بِالْقدرِ إِلَى آخِره فَنَقُول نعم قد ورد ذَلِك فِي الحَدِيث الصَّحِيح لَكِن لَيْسَ هُوَ على معنى مَا يتوهمه الإباحية المحتجون على فعل الْمعاصِي بِالْقدرِ كَمَا سَيَأْتِي واحتجاج آدم ومُوسَى ﵉ قد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا عَن أبي هُرَيْرَة وروى أَيْضا بِإِسْنَاد جيد عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ﷺ قَالَ احْتج آدم ومُوسَى وَفِي لفظ أَن مُوسَى قَالَ يَا رب أرنا آدم الَّذِي أخرجنَا من الْجنَّة بخطيئته فَقَالَ مُوسَى يَا آدم أَنْت أَبُو الْبشر خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك فِي روحه وأسجد لَك مَلَائكَته لماذا أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ آدم أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله بِكَلَامِهِ وَكتب لَك التَّوْرَاة بِيَدِهِ فبكم تَجِد فِيهَا مَكْتُوبًا وَعصى آدم ربه فغوى قبل أَن أخلق قَالَ بِأَرْبَعِينَ سنة
وَفِي لفظ قَالَ أفتلومني على أَمر قد قدره الله عَليّ قبل أَن أخلق بِأَرْبَعِينَ سنة قَالَ فحج آدم مُوسَى
قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فَهَذَا الحَدِيث ظن فِيهِ طوائف أَن آدم احْتج بِالْقدرِ على الذَّنب وَأَنه حج مُوسَى بذلك فطائفة من هَؤُلَاءِ يدعونَ التَّحْقِيق والعرفان يحتجون بِالْقدرِ على الذُّنُوب مستدلين بِهَذَا الحَدِيث وَطَائِفَة يَقُولُونَ الِاحْتِجَاج بِهِ سَائِغ فِي الْآخِرَة لَا فِي الدُّنْيَا وَطَائِفَة يَقُولُونَ هُوَ حجَّة للخاصة المشاهدين للقدر دون الْعَامَّة وَطَائِفَة كذبت بِهِ كالجبائي وَغَيره وَطَائِفَة تأولته تأويلات فَاسِدَة مثل قَول بَعضهم إِنَّمَا حجَّة لِأَنَّهُ كَانَ تَابَ وَقَول آخر كَانَ أَبَاهُ والأبن لَا يلوم أَبَاهُ وَقَول آخر كَانَ الذَّنب فِي شَرِيعَة واللوم فِي أُخْرَى قَالَ وَهَذَا كُله تعريج عَن مَقْصُود الحَدِيث وَحَاصِل مَا يُؤْخَذ من كَلَام ابْن تَيْمِية وَمن ماهر الحَدِيث أَن آدم
1 / 29
إِنَّمَا حج مُوسَى لكَونه كَانَ قد تَابَ من الذَّنب الصُّورِي واستسلم للمصيبة الَّتِي لحقت الذُّرِّيَّة بِسَبَب أكله الْمُقدر عَلَيْهِ
فَالْحَدِيث تضمن التَّسْلِيم للقدر عِنْد وُقُوع المصائب وَعدم لوم المذنب التائب وَأَن الْمُؤمن مَأْمُور أَن يرجع إِلَى الْقدر عِنْد المصائب لَا عِنْد الذُّنُوب والمعايب فيصبر على المصائب ويستغفر من الذُّنُوب كَمَا قَالَ تَعَالَى فاصبر إِن الله حق واستغفر لذنبك وَقَالَ تَعَالَى ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة إِلَّا بِإِذن الله وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه﴾ قَالَت طَائِفَة من السّلف كأبن مَسْعُود هُوَ الرجل تصيبه الْمُصِيبَة فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله فيرضى وَيسلم
وَقَالَ غير وَاحِد من السّلف لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه فالإيمان بِالْقدرِ وَالرِّضَا بِمَا قدره الله من المصائب وَالتَّسْلِيم لذَلِك هُوَ من حَقِيقَة الْإِيمَان وَأما الذُّنُوب فَلَيْسَ لأحد أَن يحْتَج على فعلهَا بِقدر الله بل عَلَيْهِ أَن لَا يَفْعَلهَا وَإِذا فعلهَا فَعَلَيهِ أَن يَتُوب مِنْهَا كَمَا فعل آدم ﵇
قَالَ بعض السّلف اثْنَان أذنبا آدم وإبليس فآدم تَابَ فَتَابَ الله عَلَيْهِ واجتباه وإبليس أصر على مَعْصِيَته وأحتج بِالْقدرِ فلعن وطرد فَمن تَابَ من ذَنبه أشبه بِآدَم وَمن أصر وأحتج بِالْقدرِ
أشبه إِبْلِيس وَمن تَابَ لَا يحسن لومه على ذَنبه الَّذِي صدر مِنْهُ وَكَيف يلام على سيئات كلهَا حَسَنَات لقَوْله تَعَالَى ﴿فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات﴾ وَمن لم يتب يلام وَلَا يحسن مِنْهُ أَن يحْتَج على
1 / 30
إصراره بِالْقدرِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْقدر حجَّة لإبليس وَفرْعَوْن وَسَائِر الْكفَّار وَأَيْضًا فأدم ومُوسَى أعلم بِاللَّه من أَن يحْتَج أَحدهمَا على فعل الْمعْصِيَة بِالْقدرِ ويقبله الآخر إِذْ لَا تلبس لآدَم بِمَعْصِيَة حَال الِاحْتِجَاج وَأَيْضًا فَلَو كَانَ ذَلِك مَقْبُولًا لَكَانَ لإبليس الْحجَّة بذلك أَيْضا وَكَانَ لفرعون الْحجَّة على مُوسَى بذلك أَيْضا وَكَذَلِكَ سَائِر الْكفَّار
وَأعلم أَن مُوسَى ﵇ لم يلم آدم على ذَنبه الَّذِي تَابَ مِنْهُ فَإِن التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ ومُوسَى أعلم بِاللَّه من أَن يلوم تائب فَكيف بِأَبِيهِ آدم الَّذِي تَابَ الله عَلَيْهِ واجتباه وَإِنَّمَا لامه لأجل مَا لحق الذُّرِّيَّة من الْمُصِيبَة المستمرة والمصيبة تَقْتَضِي نوع من الْجزع يَقْتَضِي لوم من كَانَ سَببهَا كَمَا يلام من أوقع أَصْحَابه فِي مشقة وَلِهَذَا لم يقل لَهُ مُوسَى لماذا أكلت من الشَّجَرَة وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ لماذا أخرجتنا ونفسك فِي الْجنَّة وَهَذَا اللَّفْظ قد رُوِيَ فِي بعض طرق الحَدِيث وَإِن لم يكن فِي جَمِيعهَا فَهُوَ مَبْنِيّ لما وَقعت عَلَيْهِ الْمَلَامَة فَتَأمل فَظهر بِمَا تقرر أَن احتجاج آدم على مُوسَى بِالْقدرِ وَأَنه حج مُوسَى بِهِ لَيْسَ هُوَ على معنى مَا يتوهمه الإباحية والزنادقة بل على الْمَعْنى الْمُتَقَدّم الظَّاهِر لكل مُسلم مَسْلَك
الْجَواب الثَّالِث
1 / 31
وَأما الْجَواب الثَّالِث وَهُوَ مَا الدَّلِيل على إبِْطَال الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ وذمه مَعَ أَن آدم احْتج بِهِ
فَنَقُول أما دَعْوَى أَن آدم ﵇ احْتج على فعل الْمعاصِي بِالْقدرِ فَهُوَ قَول بَاطِل وافتراء لما تقدم والاحتجاج بِالْقدرِ على فعل الذُّنُوب والمعاصي بَاطِل بِاتِّفَاق أهل الْملَل وَذَوي الْعُقُول وَهُوَ مِمَّا يعلم بُطْلَانه بضرورة الْعقل
فَإِن الظَّالِم لغيره لَو احْتج بِالْقدرِ لاحتج ظالمه أَيْضا بِالْقدرِ فَإِن كَانَ الْقدر حجَّة لهَذَا فَهُوَ حجَّة لهَذَا
قَالَ ابْن تَيْمِية فِي رده على الرافضة والإباحية أَن الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ حجَّة بَاطِلَة داحضة بِاتِّفَاق كل ذِي عقل وَدين من جَمِيع العاملين والمحتج بِهِ لَا يقبل من غَيره مثل هَذِه الْحجَّة إِذا احْتج بهَا فِي ظلم ظلمه إِيَّاه أَو ترك مَا عَلَيْهِ من حُقُوقه بل يطْلب مِنْهُ مَاله عَلَيْهِ ويعاقبه على ذَلِك لِأَن الْقُلُوب تعلم بِالضَّرُورَةِ أَن هَذِه شُبْهَة بَاطِلَة وَلِهَذَا لَا يقبلهَا أحد من أحد عِنْد التَّحْقِيق وَإِنَّمَا يحْتَج بِالْقدرِ على القبائح والمظالم من هُوَ متناقض فِي قَوْله مُتبع لهواه كَمَا قَالَ بعض الْعلمَاء أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدري وَعند الْمعْصِيَة جبري أَي مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة لفاعل الْفَوَاحِش والمظالم لم يحسن أَن يلوم أحد أحدآ وَلَا يُعَاقب أحد أحدآ وَكَانَ للْإنْسَان أَن يفعل فِي دم غَيره وَمَاله وَأَهله مَا يشتهيه من الْمَظَالِم والقبائح ويحتج بِأَن ذَلِك مُقَدّر عَليّ ثمَّ أصل الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ إِنَّمَا هُوَ قَول الْمُشْركين الَّذين أتبعوا أهواءهم بِغَيْر علم وَلِهَذَا لما قَالَ الْمُشْركُونَ كَمَا حكى الله عَنْهُم وَقَالَ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا أشركنا نَحن وَلَا
آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء قَالَ الله تَعَالَى قل هَل عنْدكُمْ من علم فتخرجوه لنا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن وَإِن أَنْتُم إِلَّا تحرصون فَإِن هَؤُلَاءِ الْمُشْركين يعلمُونَ بفطرتهم وعقولهم أَن هَذِه الْحجَّة داحضة بَاطِلَة فَإِن أحدهم لَو ظلم الآخر فِي مَاله أَو فجر بأمرأته أَو قتل وَلَده
1 / 32
أَو كَانَ مصرا على الظُّلم فنهوه عَن ذَلِك فَقَالَ لَو شَاءَ الله لم أفعل هَذَا لم يقبلُوا مِنْهُ هَذِه الْحجَّة وَلَا هُوَ يقبلهَا من غَيره وَإِنَّمَا يحْتَج بِهِ المحتج رفعا للوم بِلَا وَجه وَلِهَذَا قَالَ الله لَهُم ﴿قل هَل عنْدكُمْ من علم﴾ بإن هَذَا الشّرك وَالتَّحْرِيم من أَمر الله وَأَنه مصلحَة يَنْبَغِي فعله إِن تتبعون إِلَّا الظَّن فَإِنَّهُ لَا علم عنْدكُمْ بذلك إِن تظنون ذَلِك إِلَّا ظنا وَإِن أَنْتُم إِلَّا تخرصون تحزرون وتفترون فعمدتكم فِي نفس الْأَمر ظنكم وخرصكم وَاتِّبَاع أهوائكم لَا كَون الله شَاءَ ذَلِك وَقدره فَإِنَّهُ أَمر غَائِب عَنَّا وَلِأَن مُجَرّد الْمَشِيئَة وَالْقدر لَا يكون عُمْدَة لأحد فِي الْفِعْل وَلَا حجَّة بِهِ لأحد على أحد إِذْ النَّاس كلهم مشتركون فِي الْقدر فَلَو كَانَ هَذَا حجَّة لم يحصل فرق بَين الْعَادِل والظالم والصادق والكاذب والعالم وَالْجَاهِل وَالْبر والفاجر وَلم يكن فرق بَين مَا يصلح النَّاس فِي الْأَعْمَال وَمَا يفسدهم وَمَا يَنْفَعهُمْ ويضرهم وَهَؤُلَاء الْمُشْركين إِنَّمَا يحتجون بِالْقدرِ على ترك مَا أرسل الله بِهِ رسله فِي توحيده وَالْإِيمَان بِهِ وَلَو أحتج بِهِ بَعضهم على بعض فِي إِسْقَاط حُقُوقه وَمُخَالفَة أمره لم يقبله مِنْهُ بل كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ المحتجون بِالْقدرِ يذم بَعضهم بَعْضًا ويعادي بَعضهم بَعْضًا وَيُقَاتل بَعضهم بَعْضًا على فعل مَا يرونه تركا لحقهم أَو ظلما لَهُم فَلَمَّا جَاءَهُم الرَّسُول يَدعُوهُم إِلَى حق الله على عباده
1 / 33
وَطَاعَة أمره وَمُخَالفَة أهوائهم أحتجوا بِالْقدرِ على ذَلِك اتبَاعا للظن وَمَا تهوى الْأَنْفس فَتبين أَن أصل مقَالَة الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ إِنَّمَا هُوَ قَول أهل الْجَاهِلِيَّة الْمُشْركين الَّذين لَا علم عِنْدهم إِلَّا إتباع الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس فَمن أحتج بِهِ فقد الْتحق بهم فِي الْجَهْل والضلال وَأَتْبَاع الْهوى وَلِهَذَا تَجِد المحتجين بِهِ والمستندين إِلَيْهِ من التصوفه والفقراء وَمن الْتحق بهم من الْعَامَّة والجند وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم إِنَّمَا يحتجون بِهِ عِنْد إتباع الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس فَإِذا أَمر أحدهم بِمَا يجب عَلَيْهِ أَو نهي عَمَّا حرمه الله تَعَالَى تعلل بِالْقدرِ وَقَالَ حَتَّى يقدر الله لي ذَلِك أَو يقدرني الله على ذَلِك أَو قضى الله على بذلك فَأَي حِيلَة فِي دَفعه وَهُوَ متلبس بِهِ وَلَو كَانَ مَعَهم علم وَهدى لم يحتجوا بِالْقدرِ أصلا وَهَذَا أصل شرِيف من أعتنى بِهِ عرف منشأ الضلال والغي لكثير من النَّاس وَلِهَذَا تَجِد الْمَشَايِخ الصَّالِحين من الصوفيه المتبعين للْعلم وَالْهدى لم يحتجوا بِالْقدرِ أصلا وَهَذَا أصل شرِيف من أعتنى بِهِ عرف منشأ الضلال والغي لكثير من النَّاس وَلِهَذَا تَجِد الْمَشَايِخ الصَّالِحين من الصُّوفِيَّة المتبعين للْعلم وَالْهدى كثيرا مَا يوصون أتباعهم بِالْعلمِ وَالشَّرْع لِأَنَّهُ كثير مَا تعرض لَهُم إرادات فِي أَشْيَاء ومحبة لَهَا فيتبعون فِيهَا أهواءهم ظانين أَنَّهَا دين الله وَلَيْسَ مَعَهم إِلَّا الظَّن والذوق والوجد الَّذِي يرجع إِلَى محبَّة وإرادتها فيحتجون تَارَة بِالْقدرِ على فعل الْمعاصِي أعظم بِدعَة وأشنع قولا وأقبح طَريقَة من المكذبين بِالْقدرِ وَتارَة بِالظَّنِّ والخرص وهم فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هم متبعون أهوائهم بِغَيْر هدى من الله وَلِهَذَا كَانَ المحتجون بِالْقدرِ من الْمُعْتَزلَة والشيعة والرافضة فَإِن هَؤُلَاءِ بتعظيمهم الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد خير من الَّذين يرَوْنَ الْقدر حجَّة لمن ترك الْمَأْمُور وَفعل الْمَحْظُور فَلَا ريب أَن هَؤُلَاءِ شَرّ من الْمُعْتَزلَة والشيعة الَّذين يقرونَ بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد وَفعل الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات وَإِن لم يَقُولُوا إِن الله خلق أَفعَال الْعباد وَلَا يقدر على ذَلِك وَلَا شَاءَ الْمعاصِي فَإِنَّهُم قد قصدُوا تَعْظِيم الْأَمر وتنزيه الله عَن الظُّلم وَإِقَامَة حجَّة الله على خلقه بِخِلَاف هَؤُلَاءِ المحتجين على الْمعاصِي فَإِنَّهُم وَإِن أثبتوا قدرته تَعَالَى ومشيئته وخلقه لكِنهمْ عارضوا بذلك أمره وَنَهْيه ووعده ووعيده وَقَوْلهمْ يَقْتَضِي إفحام الرُّسُل وَأَن لَا حجَّة لله على خلقه وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ قل
1 / 34