في تلك الأزمنة، فصار قوله أنهم جعلوا ذلك النبي قد شرب الخمر مجرد تمويه وتشنيع، ولا شبهة بأن شرب الخمر يسكر، وإذا انضاف إليه سبات النوم، فقد لا يفيق النائم على ما يمر به، ولاسيما مقاربة النسوان التي من شأن الرجل الاحتلام بهن. فيظن ما يصدر عنه من هذا الشأن احتلام على عادته، ولاسيما مع اعتناء المرأة بما كان مضطر إلى الاعتناء به من توفيق الأعضاء على الصورة التي يصح معها المجامعة والحركة، فإنه، إذا شعر بذلك، لا يشك أنه احتلام. وقد يمكن أن يلحق مثل هذا لأصحاب النوم الثقيل، من غير سكر وسبات، فصار ما استبعده غير مستبعد، ولا عيب على إنسان عبر عليه مثل هذه القضية، مع عدم شعوره. وأما قوله أنه كان شيخا طاعنا في السن قد قارب المائة سنة، فليس له على ذلك دليل أكثر من قول بناته:
إن أبانا لشيخ. ويمكن أن يكون ابن ستين أو ابن خمسين وتسمياه شيخ. فبطل جميع ما استبعده من كون المرأة لا تعلق من شيخ وأن يتكرر منه ذلك في ليلة ثانية، ولو كان في تلك الليلة نفسها، هذا مع كون ما استبعده على ما فرضه من شيخوخته غير مستبعد. وقد يوجد في هذه الأزمان مشايخ يكون عندهم قوة ونهضة لمثل هذا وأعظم منه. وكذلك ما استشنعه من قصة יהודה مع كنته، فليس بشنيع إلا عند من لا يعرف السيرة التي كان عليها بني إبرهيم قبل شريعة موسى، وهو أن زوجة المتوفى عن غير ولد متعلقة بأهله كما كان تعلقها ببعلها، لا غنى عن أن يزوجها أحد البيتة، إما الأخ أو الأب أو غيره من الأنسباء، ولا فكاك لها منهم إلا بطلاق. ولذلك، لما ماتا ولدا יהודה، بقيت תמר في رجاء الولد الثالث، فلما رأت بأنه قد كرهها له ورأت أن יהודה نفسه قد ماتت
زوجته، وهو طالب زوجة غيرها، فاحتالت على نكاحه بأن عرضت نفسها له متنكرة، لإخفاء نفسها لعلمها بأنه غير مؤثر لنكاحها، فلما مال إليها وطلب نكاحها على وجه الأزواج وأرهن عندها خاتمه ومنديله وعصاه على جدوى يستحلها به، على ما كانت سنتهم في المراضات بين الرجل والامرأة، وعقد النكاح بينهم من غير شاهد ولا عاقد، ثم إنها اختفت منه حياءا لعلمها أنه كاره لها إذا تحققها. فلما ظهر عليها الحبل اعتقد الناس أنه من غير بيتة زوجها وهو زناء. وكان من شرائع آدم ونوح حرق ذات البعل الزانية، فحكم عليها بالحرق، فاضطرت إلى كشف الأمر بإظهار الرهائن الدالة على أنه أتاها، فأعفيت من القصاص لبراءتها من الزناء وأنها احتالت على ما هو حللها. وأما اعتقاده بأن هذا دال على النسخ بأن التوراة لم تحكم على الزانية
بالحرق، فليس بصحيح لقوله الله تعالى في الجزء الثامن من السفر الثالث: وايت ابنة إمام تبدلت للزناء فقد تبدلت ابيها فلتحرق بالنار. وقد ورد الخبر بأن תמר كانت ابنة إمام من الموحدين واسمه מלכיצדק، حكم عليها بالحرق. فقد كان بأن ليس في هذه القصة ما يشنع به، لا من زناء ولا من كفر ولا من نسخ كما ادعى، ولا نقص في حق داود وسليمن والمسيح كما شنع.وأما دعاويه على التوراة التي بأيدينا أنها ليست هي المنزلة على موسى عليه السلام وإيهاماته لمن يسمع كلامه بأن واضع وضعها ولفقها على ما أراد بحسب غرصه، فيا ليتنا نحتكم إلى منصف ينصفنا منه، تارة يجعل كتابنا حق وكلام الله حق، ويستدل منه على ما يريد من الأغراض التي خطرت له و[تارة] [...] ل[.] ملفق ووضع واضع بمجرد قوله من غير دليل، وهذا من أظهر المغالطات وأفحشها. وبيان بطلان دعاويه في ذلك من خمسة أوجه، الوجه الأول
نقض ما قرره، بأن التو[راة ليس ... من] يعرفها من بني إسرائيل سوى الأئ[مة الهارونيون، ومع] ذلك بأنهم لم يكونوا [يحفظون] إلا [فصلا. واستدل] على هذا بكون موسى أعطاهم سفر كنسخة التوراة، زعم هو أنه لم يعط غيرهم من الأس[فار] كما أعطا[ها لهم، وأن] القصد كان [صيان]تها من بني إسرائيل، واستنبط لذلك من رأيه عنه. ثم زعم أن بختنصر قتل الأئمة الهارونيين دم واحد ولم يبق من يحفظها. ونحن ننقض جميع ما قرره بأدلة محققة. أما دعواه بأن موسى صان التوراة عن بني إسرائيل ولم يبذلها إلا لقبيلة الهارونيين، فمستحيل بدليل أن الله أمره بتعليم سائر الأمة سائر التوراة، ذلك قول الله تعالى: وهذه الأحكام التي تضعها بين أيديه[م. ثم] قال: [وأخذ] موسى كتاب العهد وتلاه بحضرة القوم، وجعل بين يد[يه]م جميع هذه الأمور
VI
[..] علم أنه تشنيع وإن كان قد يتفق في بع[..] أن يكون إنسان ذو رياء أو تغميم، فليس هذا مم[ا] يدل بصحة المذهب وقاعدة الاعتقاد، إذ لو كان الأمر كذلك لدخلت به الدواخل على سائر الملل بأسهل طريق لكثرة وجود أهل النصب والتمويه وطالبي الدنيا. وأما ما ورد من أمر الله بزواج الأخ زوجة المنصرف عن غير ولد، وإن كان لا يختار ذلك، فلا تبرأ منه إلا بأن يفصح بحضرة الجمع: إنني غير مختار زواجها، وأن تخلع نعله من رجله وتبصق في الأرض بين يديه، لا كما ذكر أنها تبصق في وجهه وترفع النعل عليه، فليس بمناف لباقي الشرائع السمعية الغير معقولة منافاة تستشنع. وأما إذا كانت هي الكارهة، وقد ثبت أنها لا تبرأ منه إلا بتلك الأقوال والأفعال المنصوصة، وحكم أهل الفقه بأن تقف وتقول: قد أبى أن يستبقي لاخيه اسما في آل إسرائيل، ولم يرد
نكاحي، وبأن يقف هو أيضا، ويقول: لا أريد [زواجها] وعلى أنه مريد، وتوهم هذا الرجل بأنهم يأمرونهم بالكذب ويظلموه. ومثل هذا القول يقول كل قليل الرياضة ومن لم يعرف مقصد أهل الفقه في ذلك بما يشكل عليه الأمر، كما أشكل على هذا الرجل. والجواب عن هذا، وإن كان غامضا، فأنا أبينه بعون الله، وهو أنه لما كانت شريعتنا لا تلزم مراة بالرجل إذا كرهته، ولا يلزم الرجل بالامرأة إذا كرهها فصار عند ما تكره المراة نكاحه، يجب عليه شرعا أن يكرهها أيضا. فصار قول هذا الرجل الراغب فيها المتمني نكاحها: إنني لا أختاره، ليس إخبارا عن اختياره من حيث طبعه، بل إعراب عن اختياره من حيث نهى الشرع له بمتابعتها وإن لم يجبرها. وكذلك قولها هي: قد أبى أخو زوجي أن يستبقي لأخيه اسما، تعني أنه أبى ذلك من حيث كونه غير صالح عندي
VII
علينا افتقاد آلات النفس من أعضاء المذبوح وأماكن أخطاره، ولا يخالف في هذا إلا من لا يعرف حد التحرير أو معنت قصده الافتراء والمعاندة والتشنيع بما لم يستجز علماء الإسلام وفضلاؤه إضافته إلى صلحاء بني إسرائيل الربانيون والأحبار، أولاد الأنبياء المكرمين عندهم المحترمين عند الله.وأما تشنيعه بأن قدماءنا فسروا قول الكتاب: للكلب ألقوه، أن معناه: بيعوها على من ليس من أهل ملتكم، فتشنيع قبيح لا يستحسنه غيره. أليس قد فصح النص بقوله לא תאכלו כל נבלה: للغريب الذي في جوارك تعطيها ويأكلها، أو تبيعها للأجنبي. وقد حصل من القول أن غيركم لم يحرم عليه ما حرم عليكم وجائز له أن يأكلها. وأما الفريسة التي قد نالها من سمية الأسد والذئب ولا يصلح للآدمي أكلها، قال: لا تأكلوها، للكلب ألقوها، فأشار بإطعامهم لكلاب الغنم الذين في الصحراء، وهذا ظاهر لكل ذو عقل سليم.
अज्ञात पृष्ठ