وهذا عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا، لم يحبس كلامه تقية على نفسه، وكان يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، فينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وكان يحيي الموتى بإذن الله، وكان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، لم يتق أحدا من خلق الله ولم يراقبه، وكانوا يقولون: ساحر مجنون كذاب كاهن . فلم يسعه كتمان ما جعل الله فيه بما عاين من تكذيب الخلق له، مع أن فعل عيسى بان من فعل صاحبكم .
وليس كل الأنبياء ولوا حكم الأمة، وإنما كان بعضهم نبي نفسه، وبعضهم نبي أهله، وبعضهم نبي أهل بيته، وبعضهم نبي قرابته، وبعضهم نبي قومه .
وليس حكم الأنبياء كحكم غيرهم ممن دونهم، مع أنه قد مضت سنة بني إسرآئيل، وهذه سنة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فإن زعموا أن السنة لم تزل من لدن آدم إلى يومنا هذا، فقد كذبوا كتاب الله، لقول الله تبارك وتعالى :{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: 48]. وقد حرم الله على بني إسرآئيل الصيد يوم السبت، وأحل لنا، وقد حرم الله عليهم الشحم وأحل لنا، لقول الله سبحانه :{ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران: 50]. أفلا ترى أن عيسى حلل لأمته الذي حرم موسى على أمته.
पृष्ठ 406